x

حسن حنفي الكتب.. حرقها أم قراءتها؟ حسن حنفي الأربعاء 15-07-2015 21:41


توالت الأنباء عن حرق الكتب الدينية فى مصر. وتطايرت الأنباء العالمية بذلك، فالموضوع له تاريخ كريه فى حياة العرب الثقافية ويشير إلى العصور الوسطى المسيحية. وردت عليها الأنباء المحلية بأن ذلك حدث فى مَدْرسة واحدة من مُدَرِّسة أرادت أن تتقرب للتيار العلمانى، وبالأحرى للنظام السياسى، بحرق كتب «الإخوان» أعداء النظام. ثم أصبح الخاص عاما، والواقعة الغريبة تيارا عاما فى البلاد، فهل وصل العداء للخصم إلى درجة حرق كتبه؟

إن الحرق عجز عن المواجهة والقراءة والاطلاع والحوار. وهو لا يقضى على الخصم فكرا ولا تنظيما، فالمضمون مازال قائما. ينتشر مادامت البيئة المحيطة لم تتغير. وكل ممنوع مرغوب فيه. وتكثر الدراسات والرسائل الجامعية على هذه الكتب، إذ يمكن قراءتها لمعرفة تطور الحركة الدينية فى مصر، كما يمكن الرد عليها ردا علميا موضوعيا. ويمكن الرد عليها ردودا مضادة من خصومها، فيقضى على حججها. ويُنشر الكتاب والرد عليه فيتعمق الكتاب سلبا. ولا يمتنع أى فكر بالحرق، فالنصوص الإسلامية الحركية لم تمت. و«معالم فى الطريق» لسيد قطب ازداد انتشارا فى طبعات شعبية مصورة ومؤلفه معلق فى المشنقة بعد شنقه، مما يثير الغضب والغثيان. يقرؤه الشباب ويؤثر فيهم، لأنه يعبر عن واقع اجتماعى سياسى نفسى، قسمة العالم إلى إيمان وكفر، حق وباطل، خير وشر، وهو نفس الواقع النفسى الاجتماعى السياسى الذى عاش فيه الكاتب. ومادام القارئ يعيش تجربة الكاتب، ومادام الواقع نفسه لم يتغير، فحرق الكتب لن يفيد شيئا. ولما كان درء المفاسد مقدما على جلب المصالح فإن الحوار مع الخصوم مقدم على حرق كتبهم.

وعمَّ حرق الكتب الدينية فى المدارس بدعوى الصالح العام والوقوف أمام العنف والإرهاب. عمَّت الحركة المدارس ومكتبات وزارة التربية والتعليم والمكتبات العامة دون تغيير الأسباب التى أدت إلى «معالم فى الطريق»، المعتقل، السجن، التعذيب، مما أدى إلى تكفير المجتمع والرغبة فى تدميره والقضاء عليه. وهى نفس الأسباب التى مازالت موجودة لدى بعض المعتقلين. أليس حرق الكتب هو الاستبداد بعينه؟ هو منع الشباب من القراءة. الأفضل القضاء على الأسباب التى أدت إلى مكانة «معالم فى الطريق». وهى صرخة ألم بتكفير من عذب كاتبه، والمناداة بحكم العادل الذى لا يظلم، فالحاكمية لله خير من الحاكمية للبشر. والعيش تحت حكم «لا إله إلا الله» خير من العيش فى ظل الاشتراكية أو الماركسية أو القومية أو الليبرالية، فقد قُتل حسن البنا فى 1948 أى فى العصر الليبرالى. وشُنق عبدالقادر عودة فى بداية الثورة، العصر الاشتراكى، فى 1954، وشُنق سيد قطب نفسه فى 1965. كل ذلك يجعل «معالم فى الطريق» مازال مؤثرا وفعالا فى جيل جديد من الشباب يشعر بألم سيد قطب. ولا يتكيف مع المجتمع. ويريد مجتمعاً آخر يسوده العدل. الحل هو تغيير الموقف الذى أدى إلى سيد قطب من التحول من ناقد أدبى صاحب «مهمة الشاعر فى الحياة» و«النقد الأدبى أصوله ومناهجه» و«التصوير الفنى فى القرآن» و«مشاهد القيامة فى القرآن» إلى «العدالة الاجتماعية فى الإسلام» و«معركة الإسلام والرأسمالية» و«المستقبل لهذا الدين». كان ناقدا أدبيا من مدرسة العقاد ضد طه حسين، وكان أول من كتب كناقد أدبى عن نجيب محفوظ وقبل أن يضطر إلى دخول جماعة «الإخوان» فى أوائل الخمسينيات بعد استشهاد حسن البنا، وكان عبدالناصر قد طلب منه أن يكون أول رئيس لتنظيم الثورة الجديد، هيئة التحرير. وقبلت الجماعة على مضض لأنه اشتراكى ماركسى تحديثى. ولم تقبله إلا مضطرة. ولم يتحول إلى «معالم فى الطريق» إلا فيما بعد، بعد أزمة 1954 ودخوله المعتقل ومعاناته آلام التعذيب.

هذه هى الظروف التى خلقت أيديولوجيا العنف المزدوجة من الحاكم والمحكوم، فإذا تغيرت هذه الظروف إلى ظروف أخرى أكثر سوية بين الاثنين، أيديولوجيا الرأى والرأى الآخر، لظهرت أيديولوجيا السلام بين الاثنين. وإذا كان حرق الكتب منهجا فى العلم، فالأَوْلى حرق كتب الاستبداد وكتب الاستغلال. وإذا كانت هناك أضرار أخرى من الكتب فلماذا ليس حرق كتب الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة؟ والحرق لم ينْه الكتب عن الانتشار والأفكار. ولا يمنع من انتشار الكتب ولا من حرق الكاتب ولا من حرق المكتبات التى أصبحت علامة النهضة العربية. وقد كانت عادة القدماء الرد على بعضهم البعض مثل «الرد على المنطقيين» لابن تيمية الذى يعتبر زعيم السلفية. ورد الفقهاء «الرد على ابن الراوندى الملحد». وبدلا من حرق الصرخات مثل «معالم فى الطريق» أليس من الأفضل بدلا من الرد على بعضنا البعض إثبات التعددية الفكرية، وأن الجميع على حق، وجهات نظر؟ إنما الحرق يأتى من الأقوى للأضعف، الفرقة الأقوى إلى الفرقة الأضعف. يعنى الحرق إعدام الخصم وعدم وجود بديل للسائد. وهو أحد أسباب العنف لرفض ما هو قائم باليد، فينشأ العنف المضاد، فكل عنف هو عنف مضاد فى مقابل عنف أولى، فعنف الحركات الإسلامية عنف مضاد، رد فعل على العنف المبدئى، المنع من التعبير والحركة. ويكون القضاء على هذا العنف المضاد بالقضاء أولاً على العنف المبدئى الذى نشأ من الظروف الاجتماعية والسياسية. وأولها الحياة الديمقراطية التى تقوم على التعددية الحزبية وشرعية الحركات الإسلامية حتى تعبر عن نفسها سياسيا بدلا من قهرها ووضعها فى السجون والمعتقلات، فتقابل عنفا بعنف. الحرق هو حرق للأيديولوجيات السياسية كلها وليس للتيار الإسلامى وحده، لأنه رفض لمبدأ التعدد الفكرى، وإيثار لتيار واحد وإقصاء لباقى التيارات. هو نقد للدولة الوطنية التى- وإن استطاعت مقاومة الاستعمار وتحقيق الاستقلال الوطنى- إلا أنها وقعت فى أتون الحكم الاستبدادى والفساد الاجتماعى، فقامت ثورات الربيع العربى كى تعيد إلى الشعب مكانته فى الدولة، وتؤسس نظامها السياسى على التعددية الحزبية، فالنظام حكومة ومعارضة وليس حكومة فقط تتحكم فى كل شىء. وليس معارضة فقط تصل إلى حد الفوضوية.

لا تحتاج قراءة الكتاب إلى حرق، بل إلى نقد أدبى وفكرى كى يحدد جمالياته. وتحتاج إلى تفسير مجازى لا يقع فى الحرفية ويجيز التأويل. كما يهدف إلى تأسيس أيديولوجيا سياسية تأخذ حق المظلوم من الظالم، والفقير من الغنى. وتبحث عن تفسير نقدى للكتاب لاستكمال رسالة الوحى من اليهودية إلى المسيحية إلى الإسلام إلى حكم العقل والطبيعة والحرية والإنسان.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية