x

حلمي النمنم فى معنى الجيش المصرى حلمي النمنم الأربعاء 08-07-2015 21:33


للمرة الثانية خلال هذا العام، يقدم الجيش حدثًا جللاً يعكس استعداده وقدرته وقوته على مواجهة أصعب المواقف والاحتمالات، كانت المرة الأولى خارج الحدود لرد الاعتبار والكرامة، بعد ذبح 21 مصريًا على ساحل المتوسط فى ليبيا، ويقول العارفون إن العملية لم تكن ضربة جوية فقط، بل صاحبتها حركة على الأرض لا تقل أهمية ونجاحا عما قامت به الطائرات الحربية. وكانت الثانية يوم الأربعاء الماضى حين تعاملت قواتنا فى منطقة رفح والشيخ زويد ببسالة وفدائية حقيقية، فكان أن سحقت الإرهابيين سحقًا، وما كانوا يستحقون أقل من ذلك. فى هذه المعركة وجدنا بطولات حقيقية، حتى إن جندى مجند عبدالرحمن محمد لم يترك موقعه رغم إصابته، وتعامل مع الإرهابيين وجها لوجه، وقضى على 12 إرهابيا وحده، مما يذكرنا ببطولة عبدالعاطى، صائد الدبابات، فى حرب أكتوبر المجيدة.

فى المعركتين، سواء الهجومية خارج الحدود، أو الدفاعية داخل الحدود، لم يكن جيشنا يتعامل مع جيش نظامى «تقليدى»، وفى الحالتين أدى ضباطنا وجنودنا مهامهم بكفاءة كاملة، ومن ثم فإن ما يتردد فى بعض الصحف العالمية عن أن الجيش المصرى ليس جاهزاً ولا مستعداً لمواجهة الإرهابيين، قول ينم عن الفهم التقليدى، أو طريقة «حافظ مش فاهم» ولو شئنا الدقة لقلنا «حافظ ومش شايف».

الأحداث الأخيرة تثبت خطأ التحليل الذى انطلق فى بعض الدوائر الأمريكية وداخل إسرائيل ومن يفكر بطريقتهم فى الداخل، من أن الجيش المصرى بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل صار جيشاً بلا مهمة، ومن ثم لا ضرورة لوجوده قويًا. تاريخيا إسرائيل عمرها 67 عاماً، بينما الجيش المصرى الحديث تجاوز المائتى عام، تاريخيًا لم يكن جيش مصر يتم تهميشه وتحجيمه إلا فترات الاحتلال الأجنبى.

والحق أن الجيش المصرى تعرض فى السنوات الأربعة الأخيرة إلى حملات كارهة وإلى مؤامرات، خارجية وداخلية لا أراها منفصلة عن الموجة السائدة لتدمير كل الجيوش العربية، بدءا بالجيش العراقى ثم الجيش الليبى وما يحدث الآن للجيش السورى، قبل ببذاءة واستخفاف أن الجيش المصرى أصبح «جيش المكرونة»، وجيش محال الجزارة، وغير ذلك، ثم أثيرت قضية ميزانية الجيش المصرى وضرورة أن توضع، وتكون متاحة على «النت»، رغم أن ميزانية الجيش ليست بهذه الضخامة.

مثلا فى صيف 2010، أقرت ميزانية العام المالى 2010/ 2011، وكانت ميزانية وزارة البترول فيها أكثر من خمسة أضعاف ميزانية وزارة الدفاع، ومع ذلك لم يتساءل أحد عن تفاصيل ميزانية وزارة البترول، ولا أين تنفق، ولا حجم رواتب ومكافآت العاملين بهذا القطاع.

هذا على مستوى الداخل، أما بالمستوى الخارجى فإن ميزانية التسليح للجيش الإيرانى تبلغ ثمانية أضعافها بالنسبة للجيش المصرى، ورغم الإمكانيات المحدودة نسبيا أمام جيشنا، والمضايقات من بعض الدول الكبرى فى التسليح، ورغم الحرب النفسية القذرة فى بعض جوانبها، فاجأ جيشنا العالم كله يوم الأربعاء الماضى فى الشيخ زويد، وقبلها فى الأجواء الليبية.

يخطئ كثيرون فى فهم «معنى» الجيش المصرى، ليتنا نتذكر جيدا أنه فى صيف 1972 اتفق الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة على تهدئة الصراع فى الشرق الأوسط، وكان رأيهما معًا (بريجنيف ونيكسون) أن الجيش المصرى غير قادر بأى حال من الأحوال على الدخول فى مواجهة مع إسرائيل، ويلزمه لتدمير الساتر الترابى على الساحل الشرقى للقناة قنبلة نووية تفوق مرة ونصفا قوة قنبلة هيروشيما ونجازاكى فى الحرب العالمية الثانية، وأن تلك المحاولات إذا قام بها الجيش المصرى، فسوف تكلفه حوالى 80 ألف قتيل، لكن هذا الجيش أثبت للقوتين الكبيرتين خطأ التقدير والفهم، ففى 6 أكتوبر 73 أزال الساتر الترابى بمضخات المياه، وليس بقنبلة ذرية، وعبر القناة بأقل من مائتى شهيد.

إننا نتحدث كثيرا عن ضرورة وأهمية القوة الناعمة لمصر، ويتناسى بعضنا أنه لا معنى للقوى الناعمة دون قوة صلبة أو خشنة، وفى المقدمة منها الجيش. محمد على أقام نهضة صناعية وعلمية، لكن كان فى خلفيتها الجيش، ونفس الشىء فعله إسماعيل باشا، وحين ضعف الجيش المصرى فى حرب 1948، بسبب الاحتلال البريطانى، اهتز عرش الملك فاروق، ولما ضرب الجيش فى يونيو 1967 ضرب المشروع الناصرى والمشروع القومى العربى عمومًا.

الجيش المصرى قيمة كبرى لمصر والمصريين، بل للعرب جميعًا، وكان دوماً جيش مصر والمصريين، ولم يكن يوماً جيش نظام ولا حاكم، ويخطئ كثيرًا فى الداخل والخارج من لا يدرى معنى وقيمة هذا الجيش.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية