لا أدرى ماذا يقول الدكتور زاهى حواس، إذا كان قد سمع أو رأى تمثال نفرتيتى فى سمالوط؟.. ماذا يقول عنها لعشاق فن النحت المصرى فى الغرب؟.. هل يتحدث عن الأسطورة، التى أصبحت أمنا الغولة؟.. أم يلتزم الصمت بعد الفضيحة؟.. الشىء الوحيد الذى كادت تنجزه المنيا فى عهد صلاح زيادة كان بطعم الفضيحة.. ولو أنه جمع حقيبته وغادر فى الحركة الماضية، ما كنا قد عشنا هذه الفضيحة المدوية!
أتذكر بهذه المناسبة مسلة المرحوم ماهر الجندى فى ميدان الجلاء.. كانت مسلة فضيحة أيضاً.. حين أراد المحافظ الراحل أن يضع شيئاً فى الميدان، اخترعوا له مسلة من الجبس، تشبه تمثال نفرتيتى «الفضيحة».. وهنا قامت القيامة.. كيف يحدث هذا فى بلد المسلات؟.. لا المحافظ رجع لوزير الثقافة، ولا استرشد برأى رجال الآثار.. وهاجمنا المسلة الفضيحة فى الوفد، حتى أمرت مؤسسة الرئاسة بإزالتها!
كانت مسلة الإله ماهر الجندى حديث المدينة.. مسلة من الجبس فى محافظة الجيزة، مسقط رأس الحضارة والأهرامات وأبوالهول.. الكارثة أنها على مقربة من برج القاهرة، وفى مواجهة الشيراتون.. وبعد انتفاضة الرأى العام اتصل الدكتور زكريا عزمى بالمحافظ لإزالتها فوراً.. فيما يشبه الاعتذار الرسمى.. وبعد سنوات من الفضيحة، وضعوا تمثالاً للعميد طه حسين مكانها.. لكنه يشبه الخفاش، ولا يعرفه أحد!
هكذا يحدث فى بلد النحت والمسلات والتماثيل والآثار.. الشىء نفسه تكرر هذه الأيام.. رئيس مدينة برتبة لواء يأمر بوضع تمثال «فضيحة» لملكة الجمال.. ثم يقولون إن الإخوان شوهوه.. التمثال قبل التشويه مشوه.. افتكاسة من هواة.. لولا انتفاضة الإعلام لبقى التمثال فى موضعه.. ولولا انتفاضة الرأى العام لكان التمثال الشىء الوحيد، الذى ظهر فى عهد المحافظ.. كل شىء هناك الآن من لمسات أحمد ضياء!
ما قاله رئيس الوزراء محلب يبقى صحيحاً.. هناك محافظون جاءوا غلطة.. محافظ المنيا صلاح زيادة أحد هؤلاء.. جاء غلطة.. قبل الحركة الماضية حمل حقيبته ورحل.. هو يعرف إمكانياته.. مساعدوه يعرفون إمكانياتهم.. لا تتجاوز حكاية التمثال الفضيحة.. الآن يبحثون عن تمثال آخر.. يقولون إنه للموسيقار عمار الشريعى ابن سمالوط.. الفكرة ليست فى الاسم.. الفكرة فى الصنعة أولاً.. فلا تبحثوا عن فضيحة جديدة!
لا ينبغى إهمال الصعيد إلى هذا الحد.. لا تُرسلوا إليه المحافظين والمساعدين بالمجاملات.. حركة المحافظين لا ينبغى أن تأتى فجأة.. مفترض هناك أجهزة تعمل طوال العام، ولا تعمل فى المواسم فقط.. مفترض أنها تبحث من الآن عن بدلاء.. لماذا لا يتم توطين المحافظين؟.. لماذا لا يكونون من أبناء المحافظة، الذين يعرفون مواجعها؟.. هناك محافظون يغرقون فى شبر ميّة.. هناك أيد مرتعشة تشل دولاب العمل فعلاً!
فضيحة تمثال «نفرتيتى» لم تحدث صدفة.. بل كاشفة لأزمة اختيار المحافظين.. تعبر عن طريقة تفكير بهذه الهشاشة.. تعبر عن طريقة إدارة.. تعبر عن حدود أفق المسؤولين.. زمان أزالت مؤسسة الرئاسة مسلة ميدان الجلاء، ثم «أزالت» المحافظ بعده، فى أول حركة.. والآن أعتقد أن صلاح زيادة، ينتظر قراراً مماثلاً فى أول حركة!