الزعيم سعد زغلول لم يولد ثورياً، بل إنه قضى ردحاً طويلاً من الزمن محافظاً، وكان متزوجاً من السيدة صفية ابنة مصطفى فهمى باشا، لكنه فى لحظة تاريخية معينة قرر أن يستجيب لأمانى الشعب وأن يلتحف بأهله وناسه ويرتفع لمستوى أحلامهم، فصار أيقونة ثورة 1919.
على أى حال ليس هذا موضوعنا اليوم، وإنما موضوعنا هو ما صار معروفاً عن زعيم الوفد التاريخى من أنه ورغم كل عظمته وحب الجماهير له، كان كإنسان لا يخلو من نقاط ضعف مثلنا جميعاً، ونقطة ضعفه كانت القمار.. نعم سعد زغلول كان يقامر وقد خسر كثيراً على الموائد الخضراء.. ومرة أخرى ليس موضوعنا هو الضعف الإنسانى الذى يعترى البشر جميعاً بصورة أو أخرى، وإنما ما أودّ التفكير فيه بصوت عال هو فكرة أن يجلس شخص أو أشخاص مع الزعيم لمنازلته فى جولة بوكر أو طقم كونكان.. إن الرجل كان ذا مهابة ولم يكن شخصية خفيفة أو بسيطة وكان سلطانه على القلوب والمشاعر نافذاً إلى أبعد حد، فكيف كان يجلس الشخص من هؤلاء أمام سعد زغلول ليلعب معه ثم يكسبه ويفوز عليه ويسلبه ماله؟
إننا لا نتحدث عن أمريكا أو بريطانيا حيث الديمقراطية مستقرة والناس سواسية وإنما نتحدث عن مصر التى إن رأت الناس تعبد العِجْل فإنها تحش البرسيم وتطعمه!.. مَن هم هؤلاء اللاعبون والندماء الذين جعلوا الزعيم يبيع أملاكه ويعود إلى البيت فى أيام اللعب متكدراً محسوراً؟
نفس الأمر أفكر فيه فيما يتعلق بالملك فاروق الذى كان يقامر فى أوروبا ويقامر فى مصر. بالنسبة لأوروبا لا مشكلة، لكن الرجل كان يذهب إلى الأوبرج فى الهرم ويلعب مع رجال وسيدات المجتمع ويتعرض للمكسب أحياناً وللخسارة فى معظم الأحيان. ومرة أخرى مَن هو صاحب الأعصاب الذى كان يجسر على الفوز على ملك البلاد الذى كان يتغنى عبدالوهاب وتتغنى أم كلثوم باسمه؟ إن هذا السؤال منطقى جداً لأننى شخصياً عندما كنت أجلس زمان مع بعض زملاء العمل لنلعب طاولة على القهوة كنت ألاحظ أن جميع الزملاء يأتون إلى مدير إدارتنا وينهزمون له، ولم يكن منهم من يتجرأ ويلعب بجدية فيفوز.. مازلت أذكر أننى كنت الوحيد من الشلة الذى يهزم المدير دون النظر إلى أى اعتبارات، ومن الطبيعى أن الزمن قد أثبت لى حصافة الزملاء الذين حظوا بالعطف والرعاية، فى حين أننى تعرضت للاضطهاد وخضت معارك ليس هذا أوان روايتها بسبب إصرارى على اللعب الجاد والسعى للفوز، وكانت رؤيتى أنه إذا أراد أن يحصل على فوز وهمى فليلاعب أحداً غيرى!
ومن المؤكد أن كل من يقرأ هذا الكلام يعلم أن الفوز فى الطاولة على المدير هو أمر محفوف بالمخاطر، فكيف بالله كان السابقون يلاعبون معالى رئيس الوزراء سعد باشا زغلول ويشلّحون معاليه، وكيف كانوا ينازلون صاحب الجلالة ملك مصر والسودان وينفضون جيوبه ويعيدونه للقصر وقفا جلالته يقمّر عيشاً؟
من الواضح أن السبب هو أن فترة ما قبل يوليو 52 على كل عيوبها كانت أكثر إنسانية ورحابة وأبعد عن التوحش والنفاق والرعب الذى ملأ حياتنا وجعل الناس لا تجسر على الفوز على حضرة الباشكاتب فى عشرة كوتشينة!