يتمنى المرء لو أن الدكتور زغلول النجار، حاول أن يشغل نفسه، بشىء مختلف، عما هو منشغل به هذه الأيام.. فالرجل يقفز فوق العقل، وفوق المنطق، وفوق الرسالات السماوية، وفوق كل شىء، ويسعى إلى إثبات أن الله تعالى موجود!
وكم كنت أتمنى، ولابد أن غيرى يتمنى أيضًا، لو أن الدكتور النجار، قد انشغل بمجال تخصصه كعالم، بدلاً من انخراطه فى علوم الدين، على الصورة التى يعمل بها الآن.. فلا نحن كسبناه عالمًا، فى ميدان من ميادين العلم، التى نحن أحوج ما نكون إليها، ولا هو قد أضاف شيئًا له قيمة، إلى علوم الدين، فخسرنا على الجبهتين خسارة فادحة!
ولابد أن كثيرين، ممن يتابعون ما يقوله، ويسمعونه، يسألون أنفسهم سؤالاً بديهيًا، هو: إلى من يتوجه الدكتور النجار، بكلامه «وهو يحاول إثبات وجود الخالق سبحانه وتعالى؟!.. فليس بين مشاهديه، من ينكر وجود الله، وليس بين مستمعيه، أو قرائه، من هو فى حاجة إلى إثبات وجود خالق الكون.. لأن الخالق موجود، فى كل شىء، ومتجسد حولنا فى كل مشهد، وليس حولنا منظر من المناظر، فى أى اتجاه، إلا ويشير بكل بيان، إلى أن هناك خالقًا عظيمًا، وراء ما نراه فى كل ركن من أركان الأرض والسماء!
والشىء الغريب حقًا، أن يمارس الرجل ما يفعله، من خلال وسائل إعلام حكومية، كانت فى وقت من الأوقات تفرد له مساحات، لم تفردها لأحد من قبل، وكانت تحتفى به، على نحو لم يحدث مع داعية من قبل، إذا جاز لنا أن نسميه داعية، وأن يؤخذ حديثه، فى إطار ما يجب على الدعاة أن يقدموه للناس!
وجاء وقت، تنبهت فيه الدولة، إلى خطورة ما يبثه، فى ثنايا خطابه، إلى الجمهور، فقلصت المساحة التى يخاطب منها الرأى العام، وراحت تحاصره، وتضيق عليه الخناق، وكأنها تستحى أن تواجهه بحقيقة مضمون ما يقوله، أو كأنها تخجل أن تقول له، بصراحة، إنه إذا كان مصممًا على أن يدعو بين المصريين، فإن عليه أن يعيد النظر فى أفكاره، وفى تصوراته، وفى رؤاه، وفى حصيلته الإجمالية، ثم فى رسالته التى يرى من وجهة نظره، أن عليه أن يرسخها فى أعماق المستقبلين لما يقوله!
ولقد بدا الرجل، فى لحظة من اللحظات، أقرب ما يكون، إلى ولد يعيش حياته كلها، وهو يحلل حامض الـ D.N.A، ليثبت أنه، أى الولد، ابن لوالديه، دون أن يدرى، أن ما يفعله، إن لم يكن نوعًا من العبث، فهو نوع من تحصيل الحاصل!
يضيع الرجل وقته، ووقتنا، فيما لا جدوى من ورائه، ولا عائد حقيقيًا، وفى إثبات قضايا فرغ منها الناس، من زمان، وينسى أن اليقين فى وجود الله تعالى، ليس فى حاجة إلى قمر، ولا إلى شمس، ولا إلى نجوم، أو أفلاك تدور، وسماوات، وأرض، وأكوان، وبدايات البشر، ونهاياتهم، وغيرها.. بل إن السحابة السوداء نفسها، مع قلة حيلتنا أمامها، دليل مباشر أو غير مباشر، على أنه سبحانه موجود فى كل تفصيلة من تفاصيل الحياة!
يبدو الدكتور النجار، أشبه ما يكون، برجل كان يقول إنه شاعر، وكان على جزيرة فى وسط البحر، فسألوه أن يصف حاله، وحال الذين معه، فقال: كأننا والماء من حولنا.. قوم جلوس حولهم ماء!