x

«زي النهارده».. وفاة الروائي والقاص محمد مستجاب 26 يونيو 2005

الجمعة 26-06-2015 07:59 | كتب: ماهر حسن |
الروائي محمد مستجاب الروائي محمد مستجاب تصوير : آخرون

في عام ١٩٣٨ وفي ديروط بأسيوط، ولد الروائى والقاص محمد مستجاب، وعمل في الستينيات في مشروع السد العالى في أسوان، وعمل في مجمع اللغة العربية، وأحيل إلى التقاعد عند الستين في ١٩٩٨وكان قد نشرأول قصة قصيرة بعنوان «الوصية الحادية عشرة»، في مجلة الهلال في أغسطس ١٩٦٩ فجذب إليه الأنظار بقوة، ليبدأ نشر قصصه بانتظام في المجلات الثقافية الدورية والصحف وأصدر أولى رواياته «من التاريخ السرى لنعمان عبدالحافظ»، في ١٩٨٣وحصل عنها على جائزة الدولة التشجيعية عام ١٩٨٤، وترجمت إلى أكثرمن لغةثم مجموعته القصصيةالأولى «ديروط الشريف» في ١٩٨٤.

وتتابعت مجموعاته القصصية ومنها «القصص الأخرى» عام ١٩٩٥ ثم، «قيام وانهيار آل مستجاب» في ١٩٩٩، وأعيد طبعها 3 مرات ثم «الحزن يميل للممازحة» في ١٩٩٨، وأعيد طبعها عدة مرات ثم أصدر روايتين هما «إنه الرابع من آل مستجاب» في ٢٠٠٢ و«اللهو الخفى»، التي صدرت قبل شهرين من وفاته وحولت إحدى قصصه إلى فيلم «الفاس في الراس» ونقف في إبداعاته على أجواء يختلط فيها الحلم بالأسطورة مع واقعية ذات حس ساخر كانت لـمستجاب كتابات صحفية ثابتة في عدد من المجلات والصحف العربية أشهرها زاويته «واحة العربى» في العربى الكويتية وزاويته «بوابة جبرالخاطر»، في أخبار الأدب غير كتاباته في عدد من الصحف والمجلات، وقد جمعها في كتب إلى أن توفى «زي النهارده» في ٢٦ يونيو ٢٠٠٥ تاركاً خلفه ولده محمد على الطريق نفسه.

ويقول الروائي والكاتب الصحفي يوسف القعيد، إن "مستجاب كاتب أصيل لأن العالم الذي قدمه في كتاباته عالم غير مسبوق وكانت رؤيته لهذا العالم طاذجة وجديدة ولم يسبقه إليها أحد وكانت لغته (مستجابية) لا يكتبها سوى مستجاب ولم يكتب إلا تجربة عاشها وبشكل جيد وقدعمل موظفا في مجمع اللغة ثم سافر إلى العراق ولما عاد توفرت له تجربة إنسانية نادرة كتبها على طريقته وبمذاقه ولقد كان أشجعنا جميعا فلم يتخل عن لهجته الصعيدية سواء وهو بيننا أو في أي من أحاديثه الإذاعية والتليفزيونية كما لم يخلع جلبابه واعتبرت هذه قمة الفروسية والشجاعة ولم يكتب إلا عن بلده ديروط الشريف في الصعيد كما نجده في بعض أعماله قد أسند البطولة لحيوانات مثلما في «كلب آل مستجاب».

وقد ترك لنا ولده محمد كاتبا واعدا ومتميزا ونتمني أن يكون امتدادا وإضافة لمسيرة أبيه وقد كتب المقالات في كثير من المطبوعات لكنه استطاع الحفاظ على مستواه في الكتابة ونتحين المناسبة لنورد شهادة الإبن محمد محمد مستجاب عن والده كمبدع وراع وأب وإنسان وهي شهادة حية وحميمة دفع بها إلينا مستجاب الصغير في ذكري أبيه ويقول مستجاب في شهادته لا أعرف واحد في هذا العالم كان يعشق الصورة مثل أبي، فالصورة لديه جزء من حياته، أومكملة ومزينه لهذه الحياة، حياة كاملة داخل صورة صغيرة، حياة تشعر بها وتشمها وتتلمسها وتعرف أهلها من خلال تلك الصورة، أن الصورة لدي- مستجاب الأب -عبارة عن لحظات زمنية مكثفة يريدأن يقبض عليها قبل أن تصبح ذكريات، وكأنه يريد أن تتوقف الحياة عند هذه اللحظة، وهذه اللحظة بالذات، والصورة عند مستجاب الأب صورة غير مرتبة، أي أنها صورة عفوية، المهم هو لحظة التقاط الصورة، الصورة وما بها من اشخاص وتكوينات وجغرافيا مكان في تلك اللحظة، لذا فقد أحببت التصوير، وأحببت أن تكون لي كاميرتي الخاصة، ولحظاتي التي التقطها أو أقتنصها من الحياة.

لقد نشأت في بيت كل حوائطه وأبوابه ونوافذه مزينه بالصور، صور شخصية أو لمناسبات أو للوحات اصلية مستنسخة أو حيوانات كانت تعيش معنا، مثل القطة السيامي التي كتب لها مستجاب أهداء في كتابه حرق الدم: إلى قطَّتنا السعيدة ذات الدم الخفيف، التي – في كل موسم – تلد، وفي كل موسم تسعدنا بالتهام أولادها، أو السلحفاء ظاظا تلك التي رحلت قبل رحيل مستجاب بأيام وكأنها طوطمة الذي كان يحمل رسالة الرحيل غير المعلنة، هذا بالاضافة إلى سخرية الصورة وهذا راجع إلى عفويتها، فستجد صور لنا – واقصد الاسرة- في مواقف وأوضاع مدهشة وغريبة على العين، فلا تستطيع ان تمسك نفسك من الضحك، صور بملابس داخلية أو اثناء الخروج من الحمام أو صورة لميلاد أحد الأحفاد أو صورة أثناء إجراء عملية جراحية لأحد، أو لعب الكرة أو صورة أثناء معركة أو على الغداء أو ونحن نتخاطف اللحم، كل ذلك كان راجع للعفوية التي كان يعشقها مستجاب، فإذا كانت الصورة جزءا من الحياة، فيجب ألا تكون مجّملة أو يتم تهذيبها أو ترتيبها، ومن هنا كانت الصورة مكملة للحياة.

إن الصورة بالنسبة لمستجاب الأب هي الحياة، لذا كانت حقيبه سفره دائماً بها الكاميرا، ولا انسي ثورته وضيقه عندما تضيع الكاميرا أو تتلف، أفهم الآن معنى هذا، ومعني أن تلتقط صورة في لحظة زمنية معنية، أن رؤيه الصورة الان تجعلني اتذكر تاريخ اسرتنا، تاريخ ملئ بالاحداث الكثيرة، وصندوق وألبومات الصور لدي، تحمل حياة شعب كان يعيش في شقة صغيرة الحجم، لكن هذا المنزل الضيق والصغير كان متسع وأكثر رحابة من بيوت كثيرة دخلتها وكانت جدرانها خالية من الصورة، أي خالية من أي روح، ومن أي حياة تعبر عن أهل هذا المنزل، إن الصورة كانت تكمل وتضيف للحياة في شقتنا، صور في جميع الأوضاع والأوقات، والأجمل أنه لم تكن تعنينا أن نرتدي ملابس معينة لالتقاط صورة، كان المهم هو الصورة وبما تعبر.

إن سبب عشقي للصورة هو أبي: لدرجة انني اتضايق عندما يسخر مني أحد وأنا ألتقط صورة لاي شئ، فهو لم يفهم معني الصورة وثقافتها، نعم- ثقافة الصورة لم تصل لعقليتنا بعد، ولكن عندما يمر الزمان وتنظر لهذه الصورة، سوف يعرف هذا المنتقد معناها، أنها هنا تصنع الذكريات، تجعلك تنبش في الذاكرة، وما حدث من تغيرات في جغرافيا وجوه اصحاب الصورة، وأين ابتسامتهم أو أين هذ القميص الان، أو ان هذه البدلة كنت قد اشتريها بكذا، أن الحياة داخل صورة متعة شيقة، رحلة تاريخية للاسرة وللأصدقاء والاقارب والمناسبات، وإلا لما تقام المسابقات لأحسن صورة مثلا، مستجاب كان يعي هذا، ويعي أن الصورة اقوي من الكلمات، وأن الصورة دائما لا تكذب، فقط تقبض على لحظة زمنية لن تعود ولكنك تظل قابضا عليها فعندما يتوقف الزمان، ويرحل من يرحل، تعتصر الذاكرة كي تقبض على لحظات معنية من الزمن، فلا يكون امامك ألا الصورة، ونحن قد تم تربيتنا على هذا، وكأننا نعيش داخل صورة، فلم تكن لنا صور مرتبه أو منمقة اومنظمة، ومستجاب الأب- كان يعشق هذا، وحياتنا كلها مسّجله في صورة، حتي طفحت الصور وكثرت فبدأت تعلو حوائط المنزل وأبوابه ونوافذه، ومع أن منزلنا كان صغيراً إلا أن الشعب الذي كان يسكنه كان مسجلاً على حوائطه، بالاضافة إلى صور تعلق حسب رغبة هذا الشعب لقد ارتبط الصورة بأبي وبيّ فقط دون باقي الاسرة، لذا كنت أنا وهو من نغير جغرافيا الحوائط ونزينها، فعلقنا الصور، الفوتوغرافية ولحيوانات ولوحات مشهورة مستنسخة، وصور لاطفال وصور لمناسبات وصور لمقالات، لم نكن نهتم ان تكون الصورة مع وزير أو رئيس أو تكون في إطار مذهب أو خشبي، كان المهم ان نملأ المساحة الخالية من الحائط بالصورة، وأول صورة ارتبط بذاكرتي كانت صورة للموناليزا، ثم بعد ذلك تتحرك وتتغير الصور حسب رغبتي أو رغبة ابي، إلا ان صور أبي – كانت دائماً تحكي حكاية، تتحدث معي، وصورته وهو في العراق أو في السد العالي، أو مكتبه أو شقتنا أو على المقهي، صورته بجلبابه أو ملابسه الرسمية، صوره في البحر وفي الشوارع، أن الصور في حياتنا تحكي حياتناوهذا وراء عشقِ للصورة، وهو عشق يخصني وحدي، أن حبي للصورة والتصوير هوما جعلني أعرف كيف أكتب مشهداً سينمائياً.

ومع أن الصور التي تجمعني مع أبي قليلة وربما تكون نادرة وذلك سبب أننا كنا (ناقر ونقير) خلال حياتنا، ألا أنني الآن، ارجع لهذه الصور، وكأنه يحيي معي، منذ صغره وزفافه وحياته، ستجد لنا صور في الاهرامات واتوبيسات النقل العام وحديقه

الحيوان وشواطئ البحر في العريش والاسكندرية والغردقة، في النيل وفي الطرقات وعند اسوار اكاديمية الفنون وحدائقها، الصورة حياة، ومن غيرها لا أعرف كيف أعيش وسط جدران صماء، وقد انتقل هذا الحب ليّ، فصنعت جدران شقتي مثلما كان يفعل، صور فقط، ومنها تصنع وتعرف ثقافة وعقلية صاحب هذا المنزل.

لكن الصورة التي لم التقطها، ولكنها ظلت منقوشة في ذاكرتي، محفورة لا تريد أن تغادر إلى الآن، صورة والدي وهو على فراش المرض، كانت الاسلاك والخراطيم والأنابيب تحيط به، وكان وجهه مبتسماً ولم يكن يستطيع الكلام، أول مرة أرِى صورة مستجاب الأب، وهو هكذا، وكأنه كان يوصني بشئ ما، كان يبتسم وكان يريد أن يعود لمنزله كي يموت على فراشه، لكنه غادرنا في اليوم التالي، لكن صورته لم تغادر ذاكرتي حتي الآن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية