تكتب المقالات فى شهر رمضان على خلفية ما يبثه التليفزيون، كل شىء أمام هذا البث المستمر (عالى الصوت) لا يسمع، إذا كانت لمة العائلة ذاتها ضائعة أمام البحث عن الريموت كنترول للحاق ببداية مسلسل هنا أو هناك!
لا شىء جديدا هذا العام فى التليفزيون، مرة جديدة نثبت أننا أسطوات دراما لكن بدون تفكير فى المحتوى، تتشابه أعمال، تصنع مثل كل سنة موضات درامية أو برامجية تشبه بعضها، تتنافس فى الجرأة، بالألفاظ أو الحركات أو الإيحاءات، ثم نجد قفزة جديدة فى عبارات لم نعتد سماعها على الشاشة، فإذا هى هناك، بكل بساطة تحت غطاء «حرية التعبير»!.
حرية الإبداع، معها إلى ما لا نهاية، لكن من قال إن الحرية هى ألفاظ خادشة للحياء وأفكار عارية حتى من ورقة التوت.. فقط!
أكتب عندك من أول السطر أن هناك مسلسلات تكلفت هذا العام حوالى مليار جنيه، تتنافس على نصف مليار جنيه من الإعلانات، معادلة مختلة، تطرح علامات استفهام، تطرح أيضا مساحة للتفكير فى الأسباب التى جعلتها تخرج للنور، هل خرجت للمكسب مثل أى سلعة؟ أم خرجت لبث رسالة ما فى المجتمع؟
فى المسلسلات حتى الآن لا يوجد مسلسل منفرد بقمة، ربما يحدث فيما بعد الأسبوع الأول، النقد مبكر للنص والأداء، لكن تبرز أسماء تمثل بنضج: طارق لطفى (بعد البداية) أحمد السقا (ذهاب وعودة) منة شلبى (حارة اليهود) محمد التاجى (بعد البداية) إياد نصار (حارة اليهود) إنجى المقدم (ذهاب وعودة) غادة عبدالرازق (الكابوس)، هناك آخرون بالتأكيد، مجرد محاولة أولى لكى نؤكد أن لدينا تمثيلا وموهبة، وأن وراء الكواليس يوجد عشرات من المصورين والمخرجين والعاملين فى الصناعة بموهبة.
غياب الكبار هذا العام، مكسب.. وإن كنت على المستوى الشخصى أفتقد بعضهم، لكن فى الغياب فرصة لكى يظهر جيل يستحق فيحصل على مكانة أو مكانه، وكنت تمنيت من الكبار الاقتناع أن دورهم هو الظهور فى أدوار شرف مع الأجيال الجديدة، كما فى هوليوود، لكن هذا لن يحدث، وسوف يدفعون ثمن إصرارهم على البقاء منفردين بأعمال وحدهم.
لا أستطيع حتى الآن تقييم تجربة عادل إمام ويوسف معاطى ووائل إحسان، مبكرة وإن كنت أخشى على المسلسل مطّ الأحداث وتشابهها، ومع ذلك أؤجل لحسن ظنى بهم وهم أصدقاء مبدعون.
لم أتابع مسلسلات فيفى عبده وهيفاء وهبى.. لكن يقال إن لهما جمهورا عريضا فى الشارع وعلى المقاهى الشعبية، هنا يمكن أن نعيد نظراً فى إعجابنا الشخصى بمسلسلات نتصور أنها الأهم، ومسلسلات أخرى يقبل عليها جمهور بسيط وتحقق شعبية مذهلة لا يمكن قياسها من غرف مكيفة، وهذه تحتاج دراسة غير متوفرة للمنتجين الآن.
مازال «رامز» يحقق نسبة مشاهدة عالية لا شك فيها، وسعر الإعلان مدفوع مقدما 120 ألف جنيه للعشرين ثانية، لكنها شعبية تؤكد أن الإفراط فى السطحية والسذاجة تكسب أكثر، وأن المشاهد البسيط أصبح يجد متعة فى المشاهدة والاستماع أيضا إلى بعض النجوم وهم يرتعدون من الخوف ويتبادلون الشتائم بشكل علنى، هذه برامج تكشف عن الحالة النفسية للناس التى وصلت إلى مرحلة من التلذذ فى تعرى نجومهم المفضلين والتشفى فى سقوطهم.
رامز وهانى رمزى وبرنامج آخر (التجربة)، يعتمدون فى المقلب أو المشهد على ما يحدث للضيف فى طائرة، ثلاثة برامح يقال إن تكلفة إنتاجها وصلت مائة مليون جنيه!، دون متعة حقيقية أو ترفيه للمشاهد.
زمان كانت الكاميرا الخفية بطلها الممثل إسماعيل يسرى وبعده الممثل إبراهيم نصر، وكانوا يدفعون خمسين جنيها للمواطن الذى يقبل إذاعة الفقرة الخاصة به بعد تصويرها كمقلب دمه خفيف، الآن الزغزغة بالعافية والضحك مثل البطيخ (ع السكين) أو بالسكين!
يبقى أن حياتنا كلها أصبحت كاميرا خفية، لكنها بدون مواقف ضاحكة، ولا تضحك.