يقضي الآن حياته في المنفى، بعيدًا عن زوجته وأصدقائه، يواجه اليأس والسوداوية، يتمسك بالأمل، ويحلم باليوم الذي سيُعلق فيه بشار الأسد ورجاله على المشانق، منتقدًا كل من تخلى عن شعبه.
ياسين الحاج صالح، مفكري سوري، وأبرز المُنظرين للعلمانية في الوطن العربي، آمن بالثورة قبل أن تبدأ، دفع 16 عامًا من حياته في سجون النظام السوري، نتيجة مواقفه ومبادئه، يُناقش القضايا بجرأة، بعيدًا عن كليشيهات «العادات والتقاليد والثوابت»، ويكتب في العلن ما يؤمن به، وصار الآن يُعرف بـ«ضمير الثورة السورية».
في حواره مع «المصري اليوم» تحدث «صالح» عن حاضر سوريا ومستقبلها، حلل الأسباب التي أدت إلى سيطرة المتشددين الإسلاميين على الثورة، وانتقد موقف العرب مما يحدث في بلاده، ولم ينس أن يُبدي رأيه في تجربة «إخوان مصر» في الحكم، ودعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي لـ«ثورة دينية»، وحال الثقافة العربية.
وإلى نص الحوار:
- مرّت 4 سنوات على الثورة السورية سقط خلالها آلاف الضحايا.. أين الثورة الآن؟
الثورة دُمرت مع تدمير المجتمع والبلد، وما كان بقى من الدولة أيضًا، وبقدر ما كانت الثورة منتشرة اجتماعيًا وجغرافيًا، ودون قيادة سياسية أو عسكرية، فقد جرى تحطيم جسد المجتمع وبتر أطرافه، وتحطيم البلد أيضًا، وتسلميه لقوى أجنبية معادية.
نحن اليوم ما بعد الثورة، وما بعد المجتمع، وربما ما بعد سوريا ذاتها، لدينا بلد محطم، واحتلال إيراني، وصراع سني شيعي مفتوح تُغذيه قوى إقليمية، ولدينا مخاطر انقسام وتوليد كيانات منحطة متقاتلة تضع نفسها تحت حماية قوى إقليمية أو دولية، ولدينا مضخة عنف وطائفية وركيزة للتدخلات الخارجية هي الدولة الأسدية، وفرص سوريا في استعادة قدر من التماسك مرهون بتعطيل هذه المضخة، وبما يمكن أن يطلقه ذلك من ديناميات اعتدال واستيعاب تنافس دنياميات التطرف والتطييف والعنف، وقد تتغلب عليها.
- سيطرة الأصولية الإسلامية على الثورة بعد أشهر من اندلاعها، ثم ظهور تنظيم «داعش»، دفع البعض إلى التراجع عن تأييدها... برأيك من سمح للإسلاميين بالسيطرة؟
أرى أن «الأصوليين» نتاج تحطيم الثورة والمجتمع السوري، وليسوا نتاج الثورة والمجتمع السوري، وبدلا من أصولية، أُفضل الكلام على منظمات عدمية إسلامية، وهي تسلطية سياسيًا أو فاشية، وهذه المنظمات تولدت بالضبط عن دينامية التطرف والعنف والتطييف التي انطلقت بفعل كون النظام مضخة طائفية وعنف، لا تكف عن العمل منذ عقود، واشتغلت بطاقات قصوى بعد الثورة.
احتج السوريون مثل المصريين سلميًا في مواحهة نظام أشد توحشًا من نظام حسني مبارك بما لا يقاس، واستمروا في الاحتجاج السلمي شهورًا، ثم جمعوا بين المقاومة المسلحة والاحتجاج السلمي حتى يوليو2012، أي بعد عام و4 أشهر من الثورة، ثم بدأ النظام باستخدام الطيران في قصف المدن والسلاح الكيماوي وصواريخ سكود، فتوقف التظاهر، ولم يبق ناطقا غير السلاح، فماذا يتوقع من مجتمع مُعنّف أن يفعل؟ يفقد عقله أم يجن، المنظمات العدمية الإسلامية هي مظهر لجنون مجتمعاتنا المعنفة المهانة، وإذا عدت لصيغة سؤالك فإن من سمح بسيطرة الإسلاميين هي الدولة الأسدية.
- هل كان المجتمع السوري جاهز لاحتضان الجماعات المتطرفة؟
لم يكن.. الجماعات المتطرفة نتاج تحطيم المجتمع السوري، وليس نتاج تلقائية المجتمع السوري، السوريون مثل المصريين ومثل غيرهم، أميّل إلى الاعتدال والتسامح في شروط حياة أقرب إلى الطبيعية، لكن اعطني شروط حياة أقرب إلى الطبيعية لأعطك معتدلين.
السوريون عاشوا في ظل أقدم حالة استثناء في العالم، وقُتل منهم عشرات الآلاف قبل جيل، وجمهوريتهم وحدها من البلدان العربية وقعت تحت الحكم الوراثي لسلالة طائفية ضارية، دستورها العميق هو «الأسد أو نحرق البلد»، أي اعتبار البلد ملكًا عائليًا، والسكان مماليك وأتباع، لديك مضخة تطرف وكراهية وعنف تعمل بلا توقف منذ 45 عامًا، من أين يأتي الاعتدال؟.
- في كتاباتك كنت تنتقد الإسلاميين بعقلانية، وتراجعت قليلًا عن انتقادهم مع اندلاع الثورة، ثم انتقدتهم بشكل قاسي.. لماذا غيُرت وجهة نظرك في دور الإسلاميين بالثورة؟
أنا علماني تحرري، الإسلاميون يعرفون ذلك جيدًا، ويعرفه صنف من العلمانيين التسلطيين الذين وجدوا نفسهم في كل وقت أقرب إلى نظم الطغيان التحديثية التي تحتفظ بعلاقة كولونيالية مع عموم لسكان، انتقادي للإسلاميين سابق للثورة، وله أسس ثقافية وقيمية، منحازة إلى المساواة والحرية والكرامة الإنسانية، لكني لم أكن مستعدًا للتطوع في حرب عقائد، عقيدة ضد عقيدة، هذا بينما من كان يقتل كثيرًا ويسرق كثيرًا ويكذب كثيرًا في سوريا طوال سنوات عمري هم غير الإسلاميين.
بعد الثورة، وفي عام 2013 وما بعد بخاصة، يبدو لي أنه جرى تحولان كبيران، الأول صعود تيار السلفيين والإسلام الريفي على حساب التيار الإخواني، والثاني هو تحول الإسلاميين ككل من قوة تغيير إلى قوة استئثار وتسلط، تراقب المجتمع وتعاديه بقدر لا يقل عن معاداتها للنظام، إن لم يكن أكثر، ومع تغير الموقع يتغير الموقف طبعًا، وأظن أن هذا التحول جيلي وعابر للبلدان، يعيد النظر في إشكالية جيل كامل: شراكة علمانية إسلامية في معارضة الطغيان تحت راية الديمقراطية، ورأينا نظائر هذه الإشكالية التي هيمنت على القرن السابق، وزمن الثورات مطلع القرن الحالي، ونرى اليوم نظائر التحول عنها، بصور مختلفة في مصر وفي تونس وغيرها.
أنا شريك في هذا التحول الجيلي، وأحد العاملين على بلورة إشكاليته الجديدة، ورأيي أنه بدل التذمر من الإسلاميين، أو الانضواء تحت جناح نظم تحديثية فاشية وعسكرية، الشيء الصحيح أن نطور أدواتنا الفكرية والأخلاقية والتنظيمية والسياسية، أن نؤسس لذاتية جديدة وقوة اجتماعية وسياسية جديدة.
يبقى أن هناك عنصر شخصي في انفعالي حيال السلفيين بخاصة من الإسلاميين: خطفوا زوجتي وأخي أصدقائي، والتزامي في مواجهة هذه الجريمة التي لا تنسى هو أن أعمل على تحطيم قضيتهم وأمنع جريمة الخطف من التقادم والنسيان.
- البعض يؤيد بقاء بشار الأسد في السلطة بدعوى أن البديل إسلامي.. كيف ترى تلك الرؤية؟
بشار الأسد مجرم تسبب في قتل ربع مليون سوري، وفي تهجير 4.1 مليون حتى نهاية 2014 حسب أرقام الأمم المتحدة، وفوق 7 ملايين من المهجرين داخليا، وفتح البلد لاحتلال خارجي، وكي يبقى في السلطة، أطلق حربًا طائفية قد لا تنتهي لعقود وأجيال، ومارس صناعة قتل منظمة في سجونه، من يؤيد بقاء مجرم كهذا لا يقل عنه إجرامًا في رأيي.
وعلى كل حال، بشار عاجز عن استعادة السيطرة على البلد رغم الدعم الروسي والإيراني والعراق واللبناني، وغيره، وحتى لو دعمه الغرب، وشرّع له قتل ربع مليون آخر أو أكثر، هذا ليس لأنه لا يملك قضية فقط، ولكن لأنه هو ذاته يحتاج إلى أمثال «داعش» وجبهة النصرة، وكي نتخلص من هذه المنظمات العدمية حقًا، لابد من التخلص من بشار ونظامه، ومساعدة السوريين على استعادة أوضاع أقرب إلى العادية، أمنيًا واقتصاديًا وتعليميًا، وعدم الخلط بين مختلف صنوف الإسلاميين، أو استبعاد المعتدلين منهم، لأن هذا سيكون هدية للمتطرفين.
- كيف ترى دور العرب تجاه ما يحدث في سوريا؟.. بصيغة أخرى: من مع الثورة ومن ضدها؟
كل الدول ضد الثورة، بعضها ضد الثورة ومع بشار، وبعضها ضد الثورة وضد بشار، لديك لبنان والعراق وهما مع دولة السلالة الأسدية، وضد المجتمع السوري نفسه، وليس ضد الثورة وحدها، هناك مصر والجزائر والسودان والإمارات مع بشار وضد الثورة، والسعودية وقطر مع مجموعات عسكرية وسياسية تولدت عن الثورة، وقوى استتباع وإفساد لها.
افترض أن أكثر عموم العرب ليس لديهم معلومات كافية عن الوضع في سوريا، وعن جذوره وعن الدولة الأسدية، ولو توفرت لهم المعلومات والشرح الكافي لكانوا دونما شك مع السوريين في كفاحهم، من يعرفون عن سوريا شيئا، الفلسطينيين واللبنانيين خاصة، وقفوا إلى جانب كفاحنا دومًا، يعرفون سوريا أفضل من غيرهم، ويعرفون الدولة الأسدية أكثر من غيرهم.
- وماذا عن الموقف الغربي؟
الغرب قاد مجموعة أصدقاء الشعب السوري التي تشكلت لمساعدة السوريين في كفاحهم من خارج الأمم المتحدة التي عطلها الفيتو الروسي الصيني، قادها إلى الدمار، وإلى مساندة بشار الأسد عمليًا، الأمريكيون اتبعوا القضية السورية بمفاوضاتهم مع إيران، ثم بحربهم ضد «داعش»، وهي حرب تعالج أعراض المسألة السورية، وليس جذورها، وعموما أتصور أن الغرب، وأقصد الأميركيين، ثم الألمان، هندسوا الدمار السوري، وكانت لهم ذرائع منذ البداية لعدم مساعدة السوريين بأية صورة، وبعد صفقة الكيماوي الإجرامية في 2013، أعتقد أن من المشروع القول إن «أمريكا شريكة كاملة الشراكة في تشريع قتل السوريين وقتل سوريا ذاتها».
- هل بدأ نظام الأسد ينهار تدريجيًا؟ وهل هناك بديل علماني قادر على مواجهة الإسلاميين عقب سقوطه؟
أرجو سقوطه طبعًا، تدريجيًا أو فوريًا، لكني متشكك جدًا في أن خسائر النظام الأخير تعني أن الأمور سائرة في هذا الاتجاه، وليس هناك بديل علماني، فمن أين يأتي؟، حين تُجفف السياسة من مجتمع أو تفقره سياسيًا بالقدر الذي عانى منه السوريون، أكثر بكثير من مصر في أي وقت بالمناسبة، فإن أول من يتضرر هو القوى التي تعرف نفسها بالسياسة والكلام الإقناعي والعمل المستقل في المجتمع والنشاط الاحتجاجي في الشارع، أي القوى الديمقراطية واليسارية والليبرالية، أما الإسلاميون يتضررون أقل بحكم شبكاتهم الأقدم وعمقهم الرمزي، والجهاديون منهم لا يتضررون، لأنهم أصلا تشكيلات حرب لا تعنيها السياسة في شيء، تجفيف السياسة و شروط الإفقار السياسي مناسبة لهم بالأحرى.
- ما الذي تأمل إليه كمعارض؟
أن أرى بشار ورجاله على المشانق، وأن تطوى صفحة الإفلات من العقاب في سوريا، سيكون هذا درسًا للطغاة، وبمثابة تأكيد بأن العدالة ستتحقق، وإن بعد حين، وأريد أن أرى أصدقائي ورفاقي خارج الظلام، وأول الجميع، طبعًا، سميرة زوجتي، وفراس أخي، ورزان زيتونة صديقتي، ووائل حمادة وناظم حمادي، وإسماعيل الحامض، وفائق المير وجهاد أسعد محمد أصدقائي.
- هل كانت ثورات الربيع العربي ثورات خبز أم حرية؟ وهل كان الإسلاميون سببًا في فشلها؟
أعتقد أنها ثورات من أجل امتلاك السياسة، أي الحرية، لكن ليس بالمعنى الحقوقي الضيق، بل بمعنى أن يمتلك السكان بلدانهم ويتحكموا بشروط حياتهم ولوازمها، ومنها الخبز.
تجربتنا السورية، حيث استخدم التجويع سلاح حرب، وحيث مات أطفال من الجوع في مخيم اليرموك والمعضمية والغوطة الشرقية، وحيث قتل سجناء جوعًا وتعذيبًا، وهذا في بلد قلما عرف الجوع الأسود في تاريخه المعاصر، هذه التجربة تقول إن الخبز مسألة حرية وامتلاك للسياسة والدولة.
وبخصوص الشق الثاني من السؤال: الإسلاميون متنوعون، لديّ أسباب شخصية وعامة للنفور من جميعهم، لكن نخطئ معرفيًا وسياسيًا حين لا نميز بينهم، ونخدم في ذلك المتطرفين منهم، الإسلاميون الأكثر تشددًا ليسوا سبب فشل الثورات، بل بالضبط نتاج الفشل.
- من خلال كتاباتك عن الإسلام السياسي ومتابعتك للشأن المصري.. لماذا فشلت تجربة جماعة الإخوان في الحكم؟
انطباعي أن الفشل كان محصلة أخطاء الإخوان الوفيرة، ومنها نقص الكفاءة، وضيق القاعدة الفكرية لتفكيرهم بسياسة الدولة والمجتمع، الجماعة ضللت نفسها وغيرها بشعار مُزايِد (الإسلام هو الحل)، ومحاولة أخونة الدولة، لكن أيضًا الفشل نتاج قوة الثورة المضادة في ما يسمى بمصر «الدولة العميقة»، وفي النهاية قُضي على التجربة بقوة من خارجها، ولم تنهار انهيارًا تلقائيًا.
- هناك من يؤكد استحالة إقصاء الإسلاميين وأن أفضل طريقة لمقاومتهم إدماجهم في المشهد السياسي.. كيف ترى ذلك؟
هذا ما أراه أيضا، ولا أعرف مثالا واحد جرى إقصاء الإسلاميين فيه دون أن يجري إقصاء غيرهم، من يساريين وليبراليين، وحركات نسوية وشبابية، وأي حراك سياسي مستقل، والمشكلة كما قلت، أن من يتضرر أعظم الضرر من الإقصاء السياسي هم الديمقراطيون ومن يُوظفون في السياسة أساسًا، ومن يتضرر أقل هم الإخوان الذين يُوظفون في الدين، ومن ينتفعون بالأحرى هم السلفيون الجهاديون الذين يُوظفون في الحرب أساسًا، فإذا أردت الديمقراطية، فعليك دفع ثمنها، ومنه قبول الإسلاميين في المشهد السياسي، هذا يساعد في عزل المتطرفين منهم، لا تستطيع مواجهة متشددي الإسلاميين إلا بإسلاميين معتدلين.
- كيف ترى دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي لثورة دينية؟
الثورة الدينية لا تحدث بأوامر سياسية، أخشى أن فكرة الثورة الدينية ليست غير عنوان جديد لسيطرة أشد إحكامًا على المجتمع والحياة الدينية، وقمع النشاط الاجتماعي والسياسي، ولا أعرف ثورة دينية جاءت من المؤسسة الدينية الرسمية، الثورة الدينية ثورة عليها دوما، والقائمون بها يأتون، حسب ماكس فيبر، من خارج الإكليروس المنظم.
- الطائفية كان سببًا في اندلاع حروب أهلية.. هل يمكن أن نشهد حركة إصلاح ديني في المنطقة؟ وهل العرب قادرون على احتضان الأقليات؟
الطائفية بنت السياسة أكثر ما هي بنت الدين، وما نحتاجه للتخلص من الطائفية هو بالأحرى إصلاح الدولة وليس إصلاحًا دينيًا، وأساس إصلاح الدولة هو منع وتجريم التمييز بين منحدرين من مجموعات دينية أو اعتقادية مختلفة، هذا شأن سياسي وليس ديني، الإصلاح الديني ضرورة لسبب آخر، ضرورة من أجل ثورة في الروح وفي الإيمان والأخلاق، مصلحو الدين هم أناس مؤمنون عميقو الإيمان، يتطلعون إلى دين أكثر وليس إلى دين أقل، لكن إصلاح الدين لا يجعله عقيدة ليبرالية أو ديمقراطية، ستبقى الأديان قبل إصلاحها وبعده مبنية على التمييز، ولا تقبل المساواة.
العرب يحتضنون الأقليات، وقد فعلوا، ولا يحتضنونها، وقد فعلوا، المسألة تاريخية وسياسية، وهي متعلقة بالسلطة والثروة، وبتحسّن تحكم السكان بشروط حياتهم أو تراجعه، وليس لها علاقة بجوهر عربي حاضن للأقليات أو طارد.
- كيف نخلق تيارًا علمانيًا قويًا يُنهي صراع الأنظمة الدينية والعسكرية؟
بأن نبني تحالفًا بين العلمانية والشعب، بأن تكون العلمانية منخرطة في كفاح الناس من أجل امتلاك السياسة والدولة والبلد، وليس وكيلا للطغيان والنخب الفاشية في الرقابة على السكان وتقييد حياتهم السياسية والدينية، العلمانية الخادمة للأنظمة العسكرية لا يمكن أن تلعب دورًا يزيد على دور الخدم، والخدم لا يحلون مشكلات، فهم أحد وجوه الوضع الجائر القائم على الخدمة والتبعية.
في الوقت نفسه، العلماني الحر يقاوم الطغيان الديني ويدافع عن حرية الاعتقاد، بما فيها حرية عدم الاعتقاد وحرية تغيير الاعتقاد، وحق المجتمع في الدين، بما في ذلك حق تخلي من يشاء عن الدين، لا حرية ممكنة دون ذلك، إنها معركتنا، وفرصتنا في كسب جولات منها مرهونة بأن ننحاز للعامة في كفاحهم من أجل امتلاك السياسة والحياة.
- كيف تُقيم حال الثقافة العربية؟
حال ثقافة العرب من حال العرب، وهي ليست بالحال التي تبهج القلب، لكن يبدو لي أن ثقافة العرب رغم كل شيء مجال للإبداعية والمخيلة والحساسية يحوز طاقة عالية على التطور، وفيها كوامن رمزية وروحية وأخلاقية أتصورها كبيرة.
- هل العرب بحاجة إلى ثورة ثقافية؟
نعم، نحن بحاجة إلى ثورات على مستوى الثقافة والدين، وأعتقد أن الأمر يفرض نفسه علينا فعلا، وأن القرن الحالي يمكن، وينبغي، أن يكون قرنا للدين والثقافة، مثلما كان القرن العشرين قرنا للسياسة، وجوهر ما يلزم، في تصوري، هو إنتاح معان ورموز جديدة، والاشتباك الفكري والروحي مع الدين، الذي اعتبره عبء الرجل العربي، أي مشكلته وواجبه الكبير، لا صيغ الاعتناق الحالية تلبي الحاجات الروحية والأخلاقية والوجودية للمؤمنين في العالم، ولا التخلي السلبي عن الإسلام ممكن أو تقدمي أو له أي معنى.
في الوقت نفسه لا أرى أن الإسلام والاشتباك مع الإسلام هو الممر الحصري والوحيد للتجدد الثقافي، هو ممر كبير، لكن لدينا تجربة الوجود في العالم المعاصر وضروب كثيرة من المعاناة وضيق النفوسن الثورة الثقافية هي تغيير النفس، نفس كل فرد ونفوس الجميع، والنفس الجمعية، وسندنا في تغيير النفس هو تحويل معاناتنا العظيمة إلى معان حية.
- ما هو الموقع الصحيح للمثقف؟
موقع المثقف الطبيعي هو مخاصمة السلطة، بل ومعاداتها حين تكون عدوًا للكرامة الإنسانية مثل الدولة الأسدية، يُعرف المثقف أيضًا بحرصه على استقلال مجال فاعليته النوعي، الثقافة، وتحديدًا حيال السلطة، وحيال المال، وحيال الأهل أو الجماعة الأهلية، في المقام الثالث، المثقف مسؤول اجتماعيًا أيضًا، مسؤول أمام المجتمع، وليس أمام السلطة.