x

فى سيناء.. الإفطار على مدافع «آر بى جى»

الإثنين 22-06-2015 11:00 | كتب: خالد محمد |
قبائل في انتظار الافطار قبائل في انتظار الافطار تصوير : آخرون

لا جديد فى رمضان بسيناء، مثله كالشهور التى مضت، وبدلا من صوت مدفع الإفطار سيسمع الأهالى صوت مدافع «الآر بى جى» والهاون والجرينوف، بسبب ما تشهده محافظة شمال سيناء من أحداث إرهابية، تصاعدت وتيرتها فى الفترة الأخيرة، وأسفرت عن استشهاد وإصابة العشرات من قوات الأمن والمدنيين.

ورمضان لدى أهل سيناء يعد شهر الكرم والجود، وشهر نبذ الخلافات القبلية جانبًا، وشهر المودة والرحمة، وله طقوس كثيرة لديهم فى شتى المجالات، سواء المأكل أو المشرب أو العادات والتقاليد والقضاء العرفى.

والسحور لدى أهل الصحراء بشمال سيناء عبارة عن الخبز الطازج الذى يسوى تحت الجمر ويدفن فى الرمال الساخنة، ويسمى لدى أهل الصحراء «اللبة» أو «القرص»، ويتم تفتيته فى اللبن الرايب، ويضاف إليه السمن مطلقين عليه «المرققة»، وهى من أفضل الطعام لدى البدو، وإن كان كثير من العائلات والقبائل يتسحرون فى الوقت الحالى كغالبية أهل مصر.

وتقوم بعض الدواوين والزوايا المجاورة للمساجد داخل التجمعات القبلية بفرض غرامة على المتخلفين عن صلاة الفجر، خاصة فى رمضان عن طريق دفع مبلغ مالى يوضع فى صندوق بمعرفة شيخ القبيلة، ويتم توزيعه على الفقراء قبيل نهاية رمضان، أو عن طريق غرامة عينية مثل إحضار كيلو جرام من السكر والشاى لاستخدامه فى الديوان من أجل المحلية «أصحاب الديوان» أو الضيوف.

ومن العادات الجميلة ببادية سيناء الإفطار الجماعى فى الدواوين والمقاعد، وأول يوم للإفطار يحضره أبناء العائلة جميعهم، ولا يسمح فيه بالتخلف إلا لأعذار المرض أو السفر، فالرجال يتناولون إفطارهم فى المقاعد، والنساء يتناولنه فى المنازل، ويقوم كل فرد من أفراد العائلة بإحضار إفطاره من منزله قبيل أذان المغرب، وبعد صلاة المغرب يبدأ فى تناول إفطاره هو وأولاده ثم يتوزعون على الموائد لمباركة الطعام، وهذه العادة عند بدو سيناء فيها تنوع للطعام الذى يُقدم، فإن كان هناك ضيف أكل من الطعام الذى يفضله دون حرج.

ويرى كثير من أهل سيناء، خاصة بمنطقة الشيخ زويد ورفح، أن هذا العام مختلف عن سابقيه، فبسبب الظروف الأمنية يفضل أغلبهم تناول الإفطار مع الأسرة فى المنزل وعدم الخروج، بجانب عدم التوجه إلى المقاعد والدواوين عقب صلاة التراويح بسبب حظر التجوال المفروض مع آخر ضوء للشمس بتلك المناطق للظروف الأمنية، وللحد من تحركات العناصر المسلحة بتلك المناطق.

ولتناول الطعام فى بادية سيناء آداب وعادات وتقاليد يلتزم بها الجميع، فالأكبر سنا هو الذى يجلس أولا على المائدة، ثم الأصغر سنا، حتى يكتمل العدد المناسب حول المائدة، وبالطبع فإن الضيف يتم تقديمه على الجميع، والأطفال والصبيان لا يتقدمون إلى المائدة إلا بعد فراغ الكبار من الطعام، والأكل يكون مما يليه، ولا يمد البدوى يده أمام غيره، وعدم أكل «بواقى الطعام» لأنها فى العرف البدوى من صفات الحيوان، والبدوى يأكل الطعام بيده اليمنى ولا يستخدم اليد اليسرى فى الأكل لأى سبب من الأسباب، بل إن هناك بعض العادات لقبائل بدوية تفرض وضع اليد اليسرى خلف الظهر عند تناول الطعام، وألا يصدر أى صوت من عملية الأكل والمضغ.

ويحرص صاحب المنزل أو الديوان على تقطيع اللحوم أمام الضيوف وحثهم على الأكل وعدم القيام قبلهم من على مائدة الطعام، حتى لا يحرج الضيف ويقوم جائعا، ومضغ الطعام على جانب واحد، وألا توضع كمية كبيرة من الطعام فى الفم، وعدم أكل الكراش والرأس والأرجل من الذبائح، حيث تعيّر العرب «القبائل» من يأكلها، وعدم مص العظام، وعدم القيام من على المائدة والفم مملوء بالطعام، وعدم نثر الطعام العالق باليدين بعد الفراغ من الأكل، بل يلعق الطعام من على الأصابع، وعند فراغ الضيف من الطعام عليه الدعاء لأهل المكان.

ثم بعد ذلك تتوالى أيام رمضان وتبدأ العائلات والقبائل فى نحر الذبائح وإطعام الضيوف والمدعوين، ويطلق على هذا النوع من الطعام «الرحمة» لأن فيه صلة رحم وتواصلا ما بين القبائل، وتبدأ الزيارات والدعوات على موائد الإفطار فى الدواوين والمقاعد، وبعد الإفطار يجلس الجميع حول النار التى توقد وتجهز من بعد صلاة العصر وتستمر حتى السحور، وتوضع فيها بكارج «جمع بكرج وهو الإناء الذى يصنع فيه الشاى»، ويستمر شرب الشاى والقهوة حتى موعد صلاة العشاء، وصلاة التراويح التى يصليها بدو سيناء فى عشرين ركعة، وبعد صلاة التراويح تقام حلقات الذكر المتصوف، بإقامة حلقة دائرية من وضع الوقوف بالمسجد، ويجلس فى وسطها المرضى وغير القادرين على الوقوف، ويذكرون الله لمدة تقترب من نصف الساعة، ليعود الجميع بعدها إلى الديوان أو المقعد للتسامر وشرب الشاى والقهوة حتى موعد السحور.

وفى الليلة السابقة لآخر جمعة فى رمضان يقوم البدو بنحر الذبائح، ودعوة الأهل والأصحاب والأقارب على الوليمة، وتسمى هذه الجمعة «اليتيمة».

وفى اليوم الأخير من رمضان كانت هناك عادة سيئة وهى إفطار الشباب وعدم الصوم فى هذا اليوم الذى يسمى«عيد الشباب»، حيث يعتبره الشباب عيدا لهم ويذهبون إلى مكان للتجمع يمارسون فيه هوايات ركوب الخيل وسباق الجرى فرحا بهذا اليوم، ومع التطور ووسائل الإعلام الحديثة انقرضت هذه العادة باعتبار أن إفطار يوم من رمضان بدون عذر محرم، وأقلع الشباب عن فطر هذه اليوم بعد الطفرة الدينية التى شهدتها سيناء.

ومن العادات الجميلة لبدو سيناء توقف التقاضى ونبذ الخلافات فى شهر رمضان، فالقضاء العرفى فى إجازة إجبارية طوال شهر رمضان المبارك فى صحراء سيناء، وأى جلسات عرفية يتم تأجيلها لما بعد الشهر الكريم، وبعد «الستة البيض» التى يقوم أهل بادية سيناء بالبدء فى صيامها ثانى أيام عيد الفطر المبارك.

والعقوبات فى الاعتداء على الحقوق خلال شهر رمضان مغلظة لعظمة هذا الشهر، فالحق الذى تصدره المحاكم العرفية التى تعقد بعد رمضان، لاعتداءات وقعت فى شهر رمضان تكون مربعة «أى أربعة أضعاف»، فإذا حكمت المحكمة بجنيه مثلا غرامة يقوم الجانى بدفعه 4 جنيهات، ما لم يتنازل المجنى عليه عن حقه إكراما للحاضرين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية