تقدم «المصري اليوم» إجابات وفتاوى من أرشيف دار الإفتاء المصرية، عن الأسئلة التي تهم الصائمين في رمضان .
واحتوى أرشيف دار الإفتاء على إجابات صادرة من المفتي الجمهورية السابق، على جمعة، ولجنة الفتوى، على أسئلة الصائمين.
ونعرض اليوم لفَتْوَيَيْن من أرشيف الإفتاء لعلي جمعة على النحو الآتي:
السؤال: سمعنا عن بعض اللاعبين أنهم لا يصومون رمضان بحجة مشاركتهم في المباريات أو التدريبات في رمضان لعدم استطاعتهم الصيام مع المجهود المبذول فيها. فما حكم الشرع في ذلك؟.
الجواب: اللاعب المرتبط بناديه بعقد عمل يجعله بمنزلة الأجير الملزَم بأداء هذا العمل، فإذا كان هذا العمل الذي ارتبط به في العقد هو مصدر رزقه ولم يكن له بُدٌّ من المشاركة في المباريات في شهر رمضان، وكان يغلب على الظن كون الصوم مؤثرًا على أدائه فإن له الرخصة في الفطر في هذه الحالة؛ فقد نص العلماء على أنه يجوز الفطر للأجير أو صاحب المهنة الشاقة الذي يعوقه الصوم أو يُضعِفه عن عمله، كما نُصَّ في فقه الحنفية على أن من آجر نفسه مدة معلومة -وهو متحقق هنا في عقود اللعب والاحتراف- ثم جاء رمضان وكان يتضرر بالصوم في عمله فإن له أن يفطر وإن كان عنده ما يكفيه:
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته (رد المحتار على الدر المختار، 2/ 420): «والذي ينبغي في مسألة المحترف... أن يقال: إذا كان عنده ما يكفيه وعياله لا يحل له الفطر; لأنه يحرم عليه السؤال من الناس فالفطر أولى، وإلا فله العمل بقدر ما يكفيه ولو أداه إلى الفطر يحل له إذا لم يمكنه العمل في غير ذلك مما لا يؤديه إلى الفطر، وكذا لو خاف هلاك زرعه أو سرقته ولم يجد من يعمل له بأجرة المثل وهو يقدر عليها; لأن له قطع الصلاة لأقل من ذلك، لكن لو كان آجر نفسه في العمل مدة معلومة فجاء رمضان فالظاهر أن له الفطر وإن كان عنده ما يكفيه إذا لم يرض المستأجر بفسخ الإجارة كما في الظئر؛ فإنه يجب عليها الإرضاع بالعقد، ويحل لها الإفطار إذا خافت على الولد فيكون خوفه على نفسه أولى. تأمل هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم» اهـ.
وقال العلامة الحطّاب المالكي «مواهب الجليل شرح مختصر خليل» (2/441): «وقال البرزلي: مسألة: الحكم في غبار الكتان وغبار الفحم وغبار خزن الشعير والقمح كالحكم في غبار الجباسين قال: وعلى هذا يقع السؤال في زماننا إذا وقع الصيام في زمان الصيف فهل يجوز للأجير الخروج للحصاد مع الضرورة للفطر أم لا؟ كانت الفُتْيَا عندنا: إن كان محتاجًا لصنعته لمعاشه ما له منها بدٌّ، فله ذلك، وإلا كره، وأما مالك الزرع فلا خلاف في جواز جمعه زرعه وإن أدى إلى فطره وإلا وقع في النهي عن إضاعة المال وكذا غزل النساء الكتان وترقيق الخيط بأفواههن فإن كان الكتان مصريًّا فجائز مطلقًا، وإن كان دمنيًّا له طعم يتحلل فهي كذوي الصناعات إن كانت ضعيفة ساغ لها ذلك، وإن كانت غير محتاجة كره لها ذلك في نهار رمضان».
وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي الشافعي في (تحفة المحتاج، 3/429- 430): «(ويُباح تركُه) أي، رمضان، ومثله بالأَوْلى كل صوم واجب (للمريض) أي: يجب عليه.. (و) يباح تركه لنحو حصَّاد أو بنَّاء لنفسه أو لغيره تبرعًا أو بأجرة -وإن لم ينحصر الأمر فيه؛ أخذًا مما يأتي في المرضعة- خاف على المال إن صام وتعذر العمل ليلا أو لم يُغْنِه فيؤدي لتلفه أو نقصه نقصًا لا يتغابن به، هذا هو الظاهر من كلامهم، وسيأتي في إنقاذ المحترم ما يؤيده».
قال الشيخ عبدالحميد الشرواني في حاشيته عليه: «(قوله ويباح تركه لنحو حصاد إلخ) أفتى الأذرعي بأنه يجب على الحصادين تبييت النية في رمضان كل ليلة ثم من لحقه منهم مشقة شديدة أفطر وإلا فلا. نهاية. زاد الإيعاب: وظاهر أنه يلحق بالحصَّادين في ذلك سائرُ أرباب الصنائع المشقة، وقضية إطلاقه أنه لا فرق بين المالك والأجير الغني وغيره والمتبرع، ويشهد له إطلاقُهم الآتي في المرضعة الأجيرة أو المتبرعة وإن لم تتعين، نعم يتجه -أخذًا مما يأتي- فيها تقييد ذلك بما إذا احتيج لفعل تلك الصنعة بأن خيف من تركها نهارًا فواتُ مال له وقع عرفًا» اهـ.
هذا عن المباريات التي لا مناص للاعب من أدائها، أما التدريبات فما دام أنه يمكن التحكم في وقتها فيجب أن تكون أثناء الليل حتى لا تتعارض مع قدرة اللاعب على الصيام، وإذا خالف المسؤولون ذلك مع قدرتهم على جعلها ليلًا فهم آثمون؛ لأنه لا يخفى أن ما جاز للضرورة أو الحاجة القائمة مقامها لا يجوز أن يتعداها، والضرورة تقدر بقدرها، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 173]، فأناط ارتفاع الإثم بعدم البغي والاعتداء. والله سبحانه وتعالى أعلم.
- هل الاحتقان بالحقنة المعروفة في العضدين، أو الفخذين- رأس الإليتين- مفطر للصائم أم لا؟
- نفيد أنه صرح في متن التنوير، وشرحه الدر المختار: أنه لو ادهن أو اكتحل لا يفطر، ولو وجد طعمه في حلقه، قال في رد المحتار عليه: «أي: طعم الكحل أو الدهن، كما في السراج، وكذا لو بزق فوجد لونه في الأصح. بحر. قال في النهر: لأن الموجود في حلقه أثر داخل من المسام الذي هو خلل البدن، والمفطر إنما هو الداخل من المنافذ؛ للاتفاق على أن من اغتسل في ماء فوجد برده في باطنه أنه لا يفطر، وإنما كره الإمام الدخول في الماء والتلفف بالثوب المبلول؛ لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة». وبالجملة، فالشرط في المفطر: أن يصل إلى الجوف، وأن يستقر فيه، والمراد بذلك: أن يدخل إلى الجوف، ولا يكون طرفه خارج الجوف، ولا متصلًا بشيء خارج عن الجوف، وأن يكون الوصول إلى الجوف من المنافذ المعتادة لا من المسام ونحوها من المنافذ التي لم تجر العادة بأن يصل منها شيء إلى الجوف، ومن ذلك يعلم أن الاحتقان بالحقن المعروف الآن عملها تحت الجلد، سواء كان ذلك في العضدين أو الفخذين أو رأس الإليتين أو في أي موضع من ظاهر البدن؛ غير مفسد للصوم؛ لأن مثل هذه الحقنة لا يصل منها شيء إلى الجوف من المنافذ المعتادة أصلًا، وعلى فرض الوصول فإنما تصل من المسام فقط، وما تصل إليه ليس جوفًا ولا في حكم الجوف.