x

يوم الصحافة المؤثرة: فى الهند.. النساء يصنعن الشمس

الأحد 21-06-2015 11:40 | كتب: اخبار |
تدريب الهنديات على صناعة الألواح الشمسية تدريب الهنديات على صناعة الألواح الشمسية تصوير : اخبار

بقلم نيلانجانا بوميك

يؤدّى طريق ترابى غير معبّد، تحدّه من الطرفين شجيرات ونباتات شائكة، إلى الحرم الجامعى المترامى الأطراف، وإلى قاعة الصفّ الواسعة المملوءة بالألواح الشمسية والمعدات ذات الصلة بالطاقة الشمسية. هنا، وقفت مؤخّراً جيتا ديفى، وهى سيّدة فى سنّ الخامسة والأربعين، ترتدى السارى الأحمر المطرّز، وفى أنفها حلق فضّى، تشرح دائرة كهربائيةً، تبدو معقّدة للوهلة الأولى، لمجموعة من النساء المذهولات اللواتى تحلّقن حول طاولة عمل تكدّست عليها الدوائر الكهربائية والمصابيح.

ديفى هى مهندسة طاقة شمسية. أو بالأحرى، هى مهندسة طاقة شمسية تخرّجت فى كلية «بيرفوت كوليدج»، شأنها شأن مئات النساء فى العقد الثالث أو الرابع من عمرهن (وأغلبهن أصبحن جدّات)، اللواتى أتين من أكثر المناطق الهندية نأياً، وقد تم تدريبهن فى «بيرفوت كوليدج» على صنع الألواح الشمسية وتزويد قراهن بالكهرباء، لأن تغطية الشبكة الكهربائية التقليدية لا تشملها.

إلى جانب إيصال التيار الكهربائى إلى القرى، أصبح البرنامج أداةً مهمّةً لتمكين النساء الريفيات، وهن بغالبيتهن أمّيات. وهكذا، تغيّرت حياة ديفى تغيّراً جذرياً. ففى الماضى، لم تكن شخصاً مثيراً للاهتمام، إذ اقتصرت حياتها على زراعة الأرض ورعى الماشية والاهتمام بعائلتها. أما اليوم فقد أصبحت مستقلّةً مادّياً بفضل دورها التعليمى فى الكلّية، حيث تتقاضى راتباً شهرياً زهيداً. وبذلك، كسبت احترام أفراد مجتمعها وأصبحت امرأةً يسعى الآخرون للأخذ برأيها. علّقت ديفى على هذه النقطة قائلةً «اليوم، أصبحتُ ذات شأن».

البرنامج يهدف إلى تمكين النساء الريفيات

وتجدر الإشارة إلى أنه تم تأسيس «بيرفوت كوليدج» فى مطلع السبعينيات، على يدّ الناشط الاجتماعى سانجيت «بانكر» روى، لتعليم كيفية توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية منذ العام 1989. ويقع المعهد فى تيلونيا، وهى بلدة صغيرة هادئة، تتّسم بالحقول الخضراء الباهتة والروابى المرصوفة فى صحراء ولاية راجستان، على مسافة مائة كيلومتر تقريباً من عاصمتها جايبور. لقد تركت كلّية «بيرفوت كوليدج» بصمتها على النساء المحليات أولاً، ومن ثمّ وسّعت نشاطها ليطال باقى المناطق الهندية، وقد امتدّ اليوم هذا النشاط إلى 64 دولة أخرى. وبالتالى، بات للكلّية حرم فى سيراليون خارج نطاق نشاطها الأساسى، وحرم جديد فى زنجبار، وثمّة خطط لافتتاح المزيد فى كلّ من جنوب السودان، وتنزانيا، وبوركينا فاسو، والسنغال، وليبيريا وجواتيمالا. وأفاد روى قائلاً، «إن سياسة بيرفوت كوليدج، حسبما جاء على لسان مهاتما غاندى، هى أن تطال أبعد رجل أو امرأة على وجه الأرض».

ما زال عدد روّاد الكليّة هو الأكبر فى تيلونيا، ففى كلّ عام، تُدرّب الكلّية 100 امرأة من الهند و80 أخرى من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، على دفعتين تمتدّ كلّ منهما لفترة ستة أشهر. وفى العام 2008، اعترفت الحكومة الهندية بالبرنامج التعليمى، وهى منذ ذلك الحين تغطى كلفة تدريب الطلّاب ونفقات سفرهم. أما وزارة الشؤون الخارجية فى الهند، فتدفع حوالى 150 ألف روبية (أى ما يعادل 2500 دولار أمريكى) بالإضافة إلى تكاليف السفر لكل جدّة أجنبية، فى حين تدفع وزارة الطاقة الجديدة والمتجددة حوالى 70 ألف روبية لكل متدرّب محلّى. ويساعد التمويل من الأفراد والمؤسسات الخاصة على تسديد كلفة المعدات الخاصة بالطاقة الشمسية وغيرها من النفقات.

وفى هذا السياق، تتعلّم كلّ جدّة كيف تصنع الألواح الشمسية وتجمعها وتصلّحها وتقوم بصيانتها. وعندما يسمح الوقت، تتعلّم أيضاً كيف تصنع الفوط الصحيّة والناموسيات والشموع. ويبقى بعض الطلاب المحليين وقتاً أطول ليتعلموا كيفية تصنيع الأفران وسخّانات المياه التى تعمل بالطاقة الشمسية.

تمتدّ كلّية «بيرفوت كوليدج» على حرمين- والأحدث بينهما مزوّد كلّياً بالطاقة الشمسية- وقد استهلّت نشاطها بتعليم النساء والرجال على حدّ سواء. ولكن فى العام 2005، لاحظ روى أن النموذج قد يحقق نجاحاً أكبر إذا تم تدريب النساء وحدهن. وقد شرح وجهة نظره قائلاً، «لحلّ مستدام على الأمد الطويل، وجدنا أن تدريب النساء فى سنّ متقدّمة هو استثمار حكيم فى الموارد البشرية. فجلّ ما يردن هو العيش بالقرب من الأرض وأولادهن والحيوانات، بالإضافة إلى نقل مهارتهن إلى الجيل الأصغر سناً».

يدرس الطلاب الأجانب فى الحرم القديم، الذى يقع على بعد كيلومتر واحد من الحرم الجديد. وقد أتت جوسلين ماتيو دياز، من جمهورية الدومينيكان إلى الهند فى ربيع العام الجارى لتتعلّم كيف تمدّ قريتها بالطاقة الشمسية، بعدما تم تزويد القرية المجاورة بالكهرباء مؤخراً. وقالت والابتسامة لا تفارق ثغرها، «لقد نسيتنا الحكومة، وأمنيتى الوحيدة أن أدرس مع أحفادى فى الليل».

قريباً، تحقق جوسلين أمنيتها، هى التى تعلّمت القراءة بنفسها، فلا تجد صعوبةً فى متابعة الدروس التى تُعطى بلغة إنجليزية مبسّطة، باستخدام دوائر كهربائية ملوّنة ولغة الإشارات. وعندما تعود إلى ديارها، سيدفع لها سكان القرية مرتّباً شهرياً رمزياً لتغطية كلفة خدماتها، إلى جانب مكوّنات الألواح الشمسية وقطع الغيار. وأردف روى قائلاً «لقد تركنا نموذج (بيرفوت) بسيطاً ليتمكّن أفراد المجتمع من إدارته والتحكّم به وامتلاكه بأنفسهم».

ثمة 1.3 مليار نسمة فى العالم لا تصلهم الطاقة الكهربائية، ومنهم 300 مليون نسمة يعيشون فى الهند، حيث يبلغ معدّل تغذية المناطق الحضرية بالطاقة الكهربائية 75%، فى حين لا تتعدّى تغذية المناطق الريفية 67%. أما الأمر الذى يثير القلق فعلاً فهو أن حوالى 800 مليون هندى ما زالوا يعتمدون على الوقود الملوّث الذى ينبعث منه الكربون. وحتى الآن، تخرّج ما يناهز 750 جدّة من كلية «بيرفوت» للطاقة الشمسية حول العالم، وقد جلبن الكهرباء إلى 1160 قرية تقريباً. وفعلياً، تساهم هذه الخطوة بتقليص انبعاثات الكربون بواقع 13 طنا متريا تقريباً يومياً، وتوفّر 500 ألف لتر كيروسين سنوياً.

أما الأهم من ذلك فهو أنه بالعمل لساعات أطول، بفضل الإضاءة التى توفّرها الطاقة الشمسية، يمكن للعائلات الفقيرة اليوم أن تزيد دخلها. فالقرى الهندية التى تصلها الطاقة الكهربائية التقليدية لا يمكنها أن تعتمد على تغذية بالتيّار الكهربائى على مدار الساعة. ويقول روى «فى القرى التى تتم تغذيتها بالطاقة الشمسية لا تنقطع الكهرباء أبداً».

وفى الحرم الجديد، أشارت ديفى إلى النساء المتحلّقات حول الطاولة، وبعضهن ما زال ينظر بغرابة إلى الألواح المتعددة. وقالت «دائماً يسألننى: هل سأتمكّن يوماً من القيام بذلك؟ فأجيب: لقد فعلت قبلكن، لذا، يمكنكن النجاح أيضاً».

لمزيد من المعلومات

الموقع الإلكترونى: http://www.barefootcollege.org/

الفيديو:http://www.sparknews.com/en/video/barefoot-college-helps-women-become-solar-engineers

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية