قبل عامين من الآن، قررت اليونان إغلاق مبنى ماسبيرو عندها، وفى 11 من هذا الشهر أعادت افتتاحه، وما بين الإغلاق وإعادة الافتتاح دروس حية لنا، حتى لا يأتى وقت تجد حكومتنا فيه أنها مضطرة لإغلاق ماسبيرو المصرى، الذى يطل على النيل، وتتجاهل الحكومات المتعاقبة مشاكله، حتى وصلت ديونه إلى 22 مليار جنيه؟!
الشىء اللافت حقاً، أنه بامتداد العامين لم تكن لدى اليونان أى محطة تليفزيون أو إذاعة تابعة للدولة، التى ظلت تعتمد على القنوات الخاصة فى التواصل مع مواطنيها، والتى لم تتردد لحظة فى إغلاق جميع محطاتها التليفزيونية والإذاعية، عندما تبين لها أن هذه المحطات عبء على الميزانية العامة!
سألت سفيرنا فى اليونان، السيد أحمد البديوى، فعرفت منه أن ماسبيرو اليونانى يتكون من 5 محطات تليفزيون، و15 محطة إذاعية، وأن تمويله يأتى من رسم قيمته 4.25 يورو، يجرى تحصيله شهرياً على فواتير الكهرباء للمنازل والأنشطة التجارية والخدمية.
هذا الرسم كان إلى لحظة إغلاق المبنى يغطى 88٪ من تكاليفه، وكانت الحكومة تتكفل بالباقى، إلى أن جاء وقت اكتشفت اليونان فيه أنها عاجزة عن توفير 12٪ من تكلفة عمل ماسبيرو بمحطاته العشرين، فأغلقته تماماً!
ويعرف المتابعون للشأن الأوروبى أن اليونان قد جاء عليها وقت، قبل أعوام ثلاثة، أو أربعة من الآن، كادت فيه تعلن إفلاسها كدولة، وأنه لولا أن الاتحاد الأوروبى قد راح يتكفلها، باعتبارها عضواً من بين أعضائه، لكانت الآن قد انهارت بالكامل!
ولقد جاء عليها وقت آخر، لم تجد اليونان أمامها سوى التفكير تحت وطأة أزمتها الاقتصادية فى بيع بعض الجزر التابعة لها، لدول مجاورة!
وعندما قرر الاتحاد دعمها، من أجل إنقاذها، فإنه فرض عليها روشتة إصلاح لا تعرف الهزار، وكان أن جاءت ثلاث جهات، هى المفوضية الأوروبية، والبنك المركزى الأوروبى، وصندوق النقد الدولى، فألزمتها بخريطة إصلاح اقتصادى قاسية، ولم تكن تملك إلا أن تلتزم بها، لأن البديل الآخر هو انهيار اقتصاد الدولة بكامله!
وكانت خريطة الإصلاح تتضمن تقشفاً حكومياً حقيقياً، فى الإنفاق العام، وليس تقشفاً من النوع الذى نعرفه، والذى يتيح لمحافظ الإسكندرية، مثلاً، أن يشترى سيارة جديدة بنصف مليون جنيه، قبل أن يقدم أى شىء للمحافظة، رغم أن جراج المحافظة ذاتها عنده يضيق بالسيارات الموجودة فى داخله!.. والحقيقة أن العيب ليس على الرجل، وإنما العيب على المسؤولين الأعلى، الذين يرون ذلك وغيره، منه، ثم يسكتون، وكأن إهدار نصف مليون جنيه، فى سلوك واحد، لا يعنى أحداً منهم فى شىء!
عاد ماسبيرو اليونانى إلى العمل، قبل أسبوع، ولكن بعد أن قررت الحكومة خفض رسوم فواتير الكهرباء التى يجرى تحصيلها لصالحه إلى 3 يورو، وبعد أن جعلت عودة البث مصحوبة بخطة من ثلاثة بنود: تطوير قدرات موظفيه وعامليه البالغ عددهم 2656 شخصاً، تخفيض أجور القيادات العليا وامتيازات المستشارين، ثم دمج بعض محطاته!
ماذا عن ماسبيرو المصرى؟!.. لا شىء سوى النزيف الدائم للإنفاق العام هناك، وأخشى - إذا دام الحال على ما هو عليه هكذا - أن يأتى يوم لا تجد فيه الحكومة أمامها غير البديل اليونانى!