أسر «٣٥٢٥» سجيناً عاشوا ساعات من الفرح والدموع أمام 42 سجنا صباح أمس. حضروا منذ الصباح لاستقبال أبنائهم وذويهم المفرج عنهم بقرار العفو الرئاسى بمناسبة ثورة 23 يوليو.. ما بين فرحة السجناء ودموع أسرهم سجلت «المصرى اليوم» تلك اللحظات أمام سجن مزرعة طرة بالقاهرة.. سجين خرج ليشاهد رضيعه الذى ولد بعد القبض عليه، وآخر خرج ليجد خطيبته فى انتظاره وبصحبتها أسرتها وأسرته ومأذون ينتظرهم بمنزلهم فى كفرالشيخ لإتمام الزواج.. وأم حضرت بمفردها بعد أن توفى زوجها وشقيقها لتنتظر ابنها الوحيد وابن شقيقها وتخبرهما بخبر الوفاة وسط فرحة الخروج، وربة منزل انتظرت وطفلاها زوجها على باب السجن. حلمت بأن تشاهده أمام عينيها ليحميها من بطش الحياة الصعبة ولكن حلمها تبخر لعدم انطباق الشروط عليه.. التفاصيل فى السطور التالية.
من محافظات مختلفة ومن مناطق عديدة بالقاهرة تحركت أسر المساجين فى الاتجاه إلى سجن مزرعة طره وسجون أخرى، منهم من ركب القطار أو الميكروباص أو حضروا بسيارات خاصة ووصلوا فى تمام الساعة السادسة صباحاً.. وقفوا أمام الأبواب بابتسامات ارتسمت على وجوههم وزغاريد أطلقوها قبل أيام بعد أن أخطرتهم إدارة السجون بإشراف اللواء عاطف الشريف، مساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون، بأن أبناءهم سيتم الإفراج عنهم بعد قرار العفو الجمهورى الذى أصدره رئيس الجمهورية احتفالاً بعيد الثورة.حضروا فى الصباح وهم يحملون حقائب ممتلئة بالملابس الجديدة والطعام والشراب ليقدموه للمعفو عنهم فور خروجهم وعودتهم إلى الحياة بعد أيام قضوها خلف أسوار السجن. ساعتان قضتهما الأسر أمام بوابة السجون يمنون أنفسهم بخروج أبنائهم وينظر كل منهم فى ساعته وينتظر أن تصل عقارب الساعة إلى الـ10 وهو الموعد المحدد للخروج..
جلسوا يتذكرون الأيام الصعبة التى قضوها دون أبنائهم أو أشقائهم أو أزواجهم وهم محبوسون داخل السجن، روى البعض منهم تفاصيل الأيام الماضية لبعضهم.. تقول سيدة عجوز وتجلس بجوارها ابنتها وتحتضنها بقوة وترتدى ملابسها السوداء: «ابنى الوحيد محمد صلاح سيفرج عنه اليوم.. علمت منذ أسبوع بعدما اتصل بى هاتفياً أحد ضباط العلاقات العامة بالسجن وأخبرنى بقرار العفو.. حضرت لاستقبل ابنى الأكبر الذى انتظر أن يحمينى من بطش الأيام السوداء التى نعيشها.. فبعد القبض عليه مات والده بأيام قليلة.. كنت أنام وأخشى من بطش جيراننا الذين يحاولون إجبارنا على الخروج من منزلنا»..
بجوارها جلست فتاة فى العقد الثانى من العمر بمفردها بعيداً عن أسرتها وأسرة خطيبها تتذكر أحلامها التى رسمتها مع حبيبها وجارها «إبراهيم» الذى قبض عليه منذ عامين فى قضية تعاطى مخدرات تقول الفتاة ودموعها لا تتوقف: «ارتبطت بقصة حب قوية مع إبراهيم الذى يعيش مع أسرته منذ 20 عاماً.. كنت أحلم معه بحياة رسمتها معه فور إعلان خطوبتنا ولكنه تعرف على مجموعة من أصدقاء السوء، حاولت إبعاده عنهم ولكنى فشلت وقبض عليه فى قضية تعاطى مخدرات.. فور صدور الحكم حصلت على إذن بالزيارة، يومها وعدته بانتظاره حتى إنهاء مدة عقوبته الـ5 سنوات.. ولكن قرار العفو أنهى آلام الانتظار التى تحملتها طوال العامين الماضيين، واليوم نعيش فرحتين.. الأولى بخروجه والثانية بالزواج فى المساء داخل منزلنا بكفر الشيخ».
المشهد لم يكن مختلفاً وراء أسوار السجن وبالتحديد خلف البوابة المخصصة لخروج المساجين.. جلس المفرج عنهم بملابسهم الزرقاء يصفقون ويغنون ويرقصون فرحاً بقرار العفو.. يصبرون أنفسهم على تلك الساعات القليلة التى تفصل بين خروجهم إلى الشارع. التى سينتهى معها «تعليمات وأوامر وسجن وسجان وبوابات حديدية فى السجن» جلسوا وسط زملائهم من المسجونين فى الانتظار.. لم ترى فيها أعينهم النوم. يتحدث سجين «يارب كمل فرحتى على خير وعايز أخرج أشوف ابنى.. ابنى الذى لم أره وولد بعد دخولى إلى السجن.. ابنى الذى منعت زوجتى من إحضاره معها أثناء الزيارة حتى لا يفصل بينى وبينه سور حديدى يمنعنى من مداعبته وملامسته بيدى».
مرت اللحظات سريعاً على الجانبين حتى دقت الساعة التاسعة صباحاً، وأمر اللواء عمر الفرماوى، مدير الإدارة العامة لسجون المنطقة المركزية، بفتح أبواب السجن الخارجية وإحضار «الطفطف» الخاص بالأهالى لنقلهم إلى داخل السجن والوقوف أمام بوابة السجن الداخلية المخصصة لخروج المعفى عنهم، ووسط حفل صغير تم تنظيمه بإشراف العميد حاتم أبوزيد، مدير إدارة العلاقات العامة بالسجن، رقص الأهالى وغنوا على أصوات الفرقة الموسيقية التى أحضرتها إدارة السجن للمشاركة فى الاحتفال.
مرت اللحظات سريعاً حتى أمر قيادات السجن الحرس بفتح الأبواب ليخرج المسجونين ويقف الأسر ينادون على أسماء أبنائهم بأعلى أصواتهم لتأتى الردود «أيوه أنا خارج.. خلاص هانت»، حتى يظهر المسجونين وفى دقائق يصلون إلى المنطقة المخصصة للقاء أسرهم ويحتضن كل منهم أسرته، وتسقط أمهات مغشياً عليهم فرحاً بخروج أبنائهم ويواصل الجميع الرقص والغناء، ولكن آخرون لم يستطيعوا منع دموعهم فرحاً بعودة الغائبين، ووسط الفرحة تتحول أنظار الجميع إلى سيدة وقفت بمفردها وهى تحتضن ابنها وابن شقيقها وتصرخ بعدما يسقط الشابان مغشياً عليهما بعدما علم كل منهما بخبر وفاة والده.
وبعد ان أطمأنت جميع الأسر على أبنائهم من المسجونين حضر «الطفطف» مرة أخرى ليصطحب الأسر والسجناء المفرج عنهم إلى الخارج إلى الحياة الجديدة والحرية، وتركوا أسراً حضرت على أمل لقاء أبنائهم المحبوسين ولكنهم فوجئوا بعدم تطابق الشروط عليهم.. وفى طريق «الطفطف» إلى البوابة الخارجية يواصل بعض السجناء غنائهم ورقصهم والبعض الآخر يهتف بأعلى صوته. هتافات باسم الرئيس الذى أصدر قرار عفواً أبنائهم.. يصل القطار إلى بوابة السجن ويسجد السجناء فرحاً بالخروج يلوحون إلى الضباط وهم يعدون أنفسهم بعدم العودة مرة أخرى إليهم.