انتفضت مصر في 25 يناير ومن بعدها 30 يونيو، أملا في الخروج من حالة الترهل والفساد الذي ضرب عصب الدولة ومؤسساتها في كل القطاعات، دب الأمل فينا لتغيير حقبة زمنية مريرة عانينا منها جميعا، انتظارا لحياة أفضل ومستقبل أكثر اشراقا يمحو من الذاكرة حالة القهر والتردي التي عاشها المواطن لعقود، وكانت مع الوقت بمثابة الحياة الأفضل له دون غيرها طالما لم يطرأ البديل، ولم تسنح الفرصة لتحسينها، وتآلف الجميع مع وضع قائم كان تغييره دربا من المستحيل.
وفى حقبة التغيير الجديدة التي يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى ووعوده المتكررة بأن الأولوية والاهتمام ستكون لمصلحة المواطن، جلسنا على دكة الانتظار والاستعداد والترقب أن نتلمس أي تغيير في حياتنا!! ومن واقع تجربة عايشتها بشكل شخصي بحت، أشعر بأن التغيير يحتاج إلى عقود أخرى، يتعاقب عليها جيل بعد جيل، ربما يحمل بذرة التغيير والأمل في غد أفضل. فما حدث أنني قبل شهرين تقريبا كنت أبحث على موقع وحدة المرور الذي أتبعه للاستفسار عن شيء خاص بالسيارة، ففوجئت أثناء البحث بمخالفة مسجلة، الحد الأقصى لها 2500 جنيه والأدنى 800، وسبب المخالفة «عدم اتباع إشارات المرور والتعدي على رجل المرور»!! والحقيقة أن هذه المخالفة كانت كيدية بامتياز فلم أتجاوز إشارات المرور غير الموجودة أصلا! ولا تعديت على رجل المرور! وأسباب الواقعة أن أمين الشرطة الذي كان يقف في مكان المخالفة في حينها كنت أستفسر منه عن سبب إغلاق الشارع للجهة المقابلة وأن ذلك تسبب في إطالة الطريق بشكل غير مبرر ودون سابق إنذار، فرد بازدراء واعتبر أن هذا شجار وتعطيل وقال بالحرف سأحرر لك مخالفة، فقلت له إننى لم أخالف مطلقا، رد: اثبتي ذلك! تركته وانصرفت معتبرة أن ذلك مجرد تهويش لن يتعدى حدود الموقف البسيط الذي حدث، لكن ظني خاب حينما وجدت المخالفة الملفقة فعلا، الأمر الذي أغضبنى بشدة وقررت الذهاب إلى الإدارة العامة للمرور بهدف تصحيح الموقف رغم أن الترخيص مازال ساريا وأمامي وقت طويل للتجديد، وهناك صممت على مقابلة رئيس النيابة الكلية شخصيا بعيدا عن تقديم طلب للتظلم، وبعد إلحاح قابلت الرجل الذي استقبلني بأدب جم وشرحت له ما حدث وأنا في قمة الغضب، تفهم رئيس النيابة الموقف وعالجه بحكمة.. انصرفت من مكتبه على إثرها راضية بعد حالة الاستياء الشديدة التي كنت أشعر بها.
الغريب في الموضوع أنني تفقدت موقع المخالفات مرة أخرى حينما عجزت عن التسجيل لبطاقة الكارت الذكي الخاص بالبنزين اعتقادا مني أن هناك خللا ما، وكانت المفاجأة أنني وجدت نفس المخالفة بتاريخ جديد لكنها مجهولة المكان إذ اكتفى محرر المخالفة بحرف «ق» مكان الواقعة؟! وحينما استفسرت عن «ق» هذه ماذا تعني قيل لي القاهرة؟! فأين تمت المخالفة وفى أي حي في القاهرة ومتى؟! إذا كنت في هذا الوقت بالذات طريحة الفراش في إجازة مرضي!! طبعا الموضوع بالنسبة لي كان كوميديا على قدر الغضب الذي اعترانى، فليس من المعقول أن كل مخالفة سنذهب لتصحيحها، وليس من المعقول أيضا أن ننتظر حتى يحين وقت الترخيص فتصبح حقا مكتسبا للدولة يجوز التظلم عليه فقط حتى لو لم يرتكبها مالك السيارة!! لكنني صممت على الذهاب مرة أخرى لرئيس النيابة الذي قابلته في الواقعة الأولى، وفى الوقت ذاته توجست ريبة في اقتناعه هذه المرة، إذ ليس من المنطق أن أذهب اليه في كل مرة ويقتنع بأنني بريئة منها، وقد كان.. فقد أصاب حدسي ورغم محاولتى لإقناعه بأنني لم أقم بهذه المخالفة ولا أحد غيري يركب سيارتي إطلاقا وأنني كنت مريضة في هذا الوقت ولدي ما يثبت ذلك، إلا أنني شعرت أن كلامي غير مقنع بالنسبة له، وأن الأدلة التي بحوزتي غير كافية وقال لى: اعملي معارضة، ورغم يقيني أنني لن أواصل في هذه المهزلة، غير أن فضولى جعلني أتابع الإجراءات التي أوصلتني إلى مكتب وكيل نيابة شاب حديث التخرج حتى يحدد لى موعدا للمثول أمام قاضي المعارضات، ولما شرحت له الموقف قال باستخفاف إنه بحاجة إلى أدلة على ما أقول.. الأمر الذي شعرت معه بإهانة بالغة، فما الذي يجعلني أصر على الذهاب لإثبات أنني لم أخالف قبل موعد الترخيص بكثير وللمرة الثانية، قلت له بغضب هل تصدق أمين شرطة مطالبا بملء دفتر المخالفات وفى كثير من الأحيان تكون خاطئة وتكذبني؟ حقيقة إن حجتي كانت ضعيفة رغم أنني أعلم بنفسي ولا أدعي كذبا، لكن أسلوب وكيل النيابة استفزني حينما بادر بالقول :«كل يوم بيعدي علينا عشرات بتقول البقين دول..» استشطت غضبا من التعبير وشكرته على مضض وخرجت، أدركت حينها أن لا شيء تغير أو هناك أمل في التغيير، وشعرت بعدها أنني أغلقت الباب ورائي بعنف خاصة أنه أثناء المقابلة كانت نبرة التعالي واضحة عليه، وجاءه تليفون رحب فيه محدثه بحفاوة تدل على أنه زميل أو أعلى رتبة ودار بينهما حديث حول مخالفة قيمتها عشرون جنيها؟!! وياللعجب كانت لديه القدرة حينها أن يحل ما عجز عن حله لي، فكل شيء بالقانون!!
الامتثال للقانون الذي تطالب به الدولة وبالذات قوانين المرور بحاجة إلى إعادة النظر في طريقة تحرير المخالفات وتحصيلها، حتى لا يقع على المواطن شبه ظلم، فلا ضرر ولا ضرار، هناك أساليب حديثة متبعة لتحرير المخالفات لا يشوبها أي شبهات كان ينبغي على الدولة الالتفات لها، كما أن الطرق تعاني فعلا من إشارات المرور، ومازال رجل المرور هو الذي يسير الشارع وليس إشارات المرور، ويا للكارثة إذا لم يكن هناك رجل مرور ينظم حركة السيارات، فلا إشارات مرور يمكن اتباعها، ولا شيء وقتها يمكن أن يقوض حالة الفوضى العارمة التي تصيب الشارع، تلك ثقافة استمرت سنوات واستمرأها المواطن وكرسها رجل المرور وتسببت في حالة من الفوضى والرشاوى والفساد نعاني منها الآن ونتهم بسببها، ولا يفرق بين الحق والباطل في هذه الحالة فالكل مدان والكل كاذب، وما يحاول السيسي إنقاذه وتصحيح مساره تغرقه مستنقعات الفساد والعادة، التي أصبحت ثقافة لا نستطيع تغييرها مهما حاولنا!! فرفقا بنا وبأحوالنا.. المرور بحاجة إلى ثورة حقيقية تطهره مما سكنه من فيروسات أصبحت مستعصية على الحل!!