هى من أصدقاء الطفولة. أعتقد أنها أكبر منى. سنة على الأكثر. كنا فى المدرسة ذاتها. كانت تسكن نفس الحى ولذلك سهل التواصل بيننا. كنت أُدعى إلى منزل عائلتها. حيث الإخوة والأب والأم. عندما ذهبت للمرة الأولى أُصبت بذهول. رُقى من يقومون على الخدمة. ملبسهم. بدلات السموكنج. كيف يقدمون الشاى وما بجانبه من حلوى أو شطائر. المائدة ونظامها. نظام التقديم والخدمة.
وإذا ما انتقلنا إلى المصيف. كان بيتهم أو قل قصرهم بجوار منزلنا فى بولكلى. البيت يطل مباشرة على الكورنيش. وبه حمام للسباحة. وقل ما شئت بعد ذلك. طبعاً لن أتكلم عن السيارات وأنواعها. لن أذكر الزخارف. ولكن إذا كان لى أن أعطى انطباعاً. فالأب كان مزارعاً على أعلى مستوى. والأم فنانة ترسم. والأخلاق والحنان سمة البيت فى معاملة الجميع العاملين به والضيوف وأهل البيت.
■ ■ ■
دارت الأيام. جاءت الحراسات ونزع الملكيات. مات الأب. بيعت كل مظاهر الترف بأبخس الأثمان. تُركت البيوت. انتقلوا إلى منازل على أقل تقدير متواضعة. يبدو أن الله كان يدخر لهم لطفاً من لديه. شرَّفنى أن يكون لطفه من خلالى. ساعدتهم فى إيجاد عمل. للصديقة وأخيها الأصغر.
■ ■ ■
جاءت مرحلة ثالثة. مرضت الصديقة. مرض أعاقها عن العمل. قلت لها: لا عليك. سيتكفل الله بما تحتاجينه من خلالى. مرت أعوام سبعة. كلمتنى بالأمس. تخبرنى بأن أتوقف عن العون الشهرى فوراً. أصابنى الجزع. ظننتها غاضبة من أمر ما صدر منى وجرح إحساسها. فاجأتنى جزلة ضاحكة بأن المحاكم أنصفتها وأخاها. انفرجت أساريرى. سألتها- ليس فقط من باب الفضول- ولكن ليطمئن قلبى: مبلغ التعويض كام؟ راوغتنى. أصررت على سؤالى: كام والنبى؟ أجابتنى بأنها عدة ملايين كثيرة. ستضعها جميعاً كوديعة. تصرف من ريعها. ريعها أضعاف ما تتطلبه نفقاتها. قلت لها ممازحاً. الآن بعد أن انقلبت الموازين. لماذا لا تودعى هذا المبلغ أديره أنا لك بمعرفتى؟ ضحكت وقالت: يا سلام. من عينيا. انتهت القصة. انتهى الامتحان. نجح الجميع.
لكن يبقى المعنى، وهو أن هناك الكثيرين لم يستردوا حقوقهم بعد أكثر من نصف قرن.. فهل هذا هو العدل؟!