x

اخبار عندما يبتسم العرق اخبار الخميس 11-06-2015 11:47


طفل صغير يرقد فى مهده، وجهه إلى السقف، عيناه مغمضتان، ليس هناك ما يشغله، لكن البحث العلمى يأبى إلا أن يقلق راحته. قطعتان صغيرتان من القطن، متماثلتان لوناً وحجماً وشكلاً، تُرفعان على جانبى وجهه، واحدة إلى يمينه والأخرى إلى يساره، تفصلهما عن أنفه مسافتان متساويتان. لا يكاد الطفل يقوى على الحركة، لأنه رضيع لم يكمل أسبوعه الأول، ومع ذلك تراه يحاول الالتفات يميناً، حتى ينجح فى تحريك رأسه. ملليمترات قليلة، لكنها واضحة قاطعة. السر فى ذلك أن قطعة القطن الموجودة جهة اليمين تحمل نفحة من عرق أمه، أما القطعة اليسرى فتحمل عرق امرأة أخرى، عمرها يناظر عمر أمه، ولديها رضيع فى نفس عمره أيضاً. لم يحرك الطفل رأسه بالصدفة، لأنك إذا بدلت موضعى القطعتين سوف ترى الطفل يبدل اتجاهه نحو اليسار، مقرباً أنفه من رائحة أمه، ومبتعداً عن رائحة المرأة الغريبة. هكذا عرف العلماء أن الشم هو أول وسيلة تعارف يستخدمها الإنسان، وأن الرضيع يهتدى إلى أمه عن طريق رائحتها، فهل معنى ذلك أن لكل فرد رائحته الخاصة؟ أجل، فالكائنات الدقيقة التى تستوطن جلدنا تحلل ما يوجد فى العرق من مركبات كيميائية إلى مواد متطايرة تشكل الرائحة المميزة لكل منا. قد تتغير رائحتنا قليلاً أو كثيراً بتقدم السن، أو بتأثير المرض، لدرجة أن هناك أمراضاً يمكن تشخيصها اعتماداً على رائحة الجسم. لكن هذه التغيرات لا تنال من تفرد الرائحة، فتبقى إلى نهاية العمر بصمة كيميائية خاصة بصاحبها، تماماً كبصمات الأصابع، يستحيل على المرء إخفاؤها أو تزويرها مهما أسرف فى الاغتسال أو استخدام العطور. لهذا السبب تستطيع الكلاب البوليسية تعقب الأشخاص اعتماداً على روائحهم، كما يمكن لكثيرين من البشر، إذا تشمموا قميصاً قطنياً سبق ارتداؤه لعدة ساعات، أن يعرفوا جنس وعمر الشخص الذى كان يرتديه.

عرق الإنسان السعيد يشبه الابتسامة المعدية

ولكن هل لرائحة الإنسان وظائف أخرى غير الوشاية بصاحبها؟ قبل نصف قرن تقريباً أعلنت باحثة أمريكية شابة أن مواقيت الحيض عند المرأة تتغير إذا استنشقت رائحة عرق امرأة أخرى بضع مرات. بدا ذلك وكأنه اكتشاف واعد، فقد أنعش الحلم بإمكانية تخليق مادة تشمها المرأة فتغنيها عن الوسائل التقليدية لمنع الحمل. غير أن التجارب اللاحقة أثبتت خطأ بعض استنتاجات الباحثة، ومع ذلك لم تذهب الفكرة الأساسية أدراج الرياح، فسرعان ما تبين أن رائحة العرق هى رسالة كيميائية، تنتقل من فرد إلى آخر، فتحدث فى جسم المتلقى تأثيرات لا يملك التحكم فيها. من ذلك مثلاً تغير مستوى بعض الهرمونات فى دم المرأة بعد أن تشم عرق امرأة أخرى، وازدياد الرغبة الجنسية عند النساء بعد تعريض أنوفهن لرائحة عرق مأخوذ من نساء مرضعات حديثات الوضع. تجدر الإشارة هنا إلى أن العلماء لهم أدواتهم التى تمكنهم من قياس هذه الأمور، فبقراءة الرسم الكهربائى لعضلات الوجه مثلاً، تمكن العلماء من معرفة ما يعتمل داخل المرء من مشاعر، ووجدوا أن كثيراً من الانفعالات والعواطف مثل الخوف أو الاشمئزاز أو التوتر، تتسرب من فرد إلى آخر بواسطة العرق، فرائحة العرق المأخوذ من شخص أثناء مروره بظرف حرج تبعث فى وجه من يشمها علامات التوتر والقلق. وفى بحث حديث لفريق من العلماء بجامعة أوتريخت بهولندا، تم جمع العرق من مجموعة من الأشخاص أثناء مشاهدتهم فيلماً من أفلام الرعب، ومن مجموعة أخرى أثناء مشاهدة فيلم عادى، ومن مجموعة ثالثة أثناء مشاهدة فيلم مبهج وسعيد. بعد ذلك طُلب من نساء متطوعات أن يستنشقن روائح العرق المأخوذ فى الحالات الثلاث، بينما كان العلماء يرصدون خلجات وجوههن، فتبين أن رائحة عرق مشاهدى الفيلم العادى لا تحدث أثراً، بينما تبعث رائحة عرق مشاهدى الفيلم المخيف ملامح الخوف فى وجوه النساء، أما رائحة عرق الذين شاهدوا الفيلم السعيد فقد أدى استنشاقها إلى ظهور ملامح السعادة فى وجوه الفتيات والسيدات، إذ نشطت فى وجوههن العضلات ذاتها التى تنشط لحظة الابتسام، وهو ما عبر عنه أحد العلماء الذين أجروا البحث بقوله إن عرق الإنسان السعيد يشبه الابتسامة المعدية التى تشيع البهجة والسرور. لعل ذلك أيضاً أحد أسباب شعورنا بالارتياح عندما نلتقى شخصاً مرحاً متفائلاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية