x

نادين عبدالله زيارة ألمانيا نادين عبدالله الثلاثاء 09-06-2015 21:39


نجحت زيارة الرئيس إلى ألمانيا ليس فقط فى تحقيق صفقات اقتصادية ناجحة، مصر بحاجة إليها، لكن أيضًا فى إعادة تطبيع العلاقات المصرية مع إحدى أهم دول أوروبا اقتصاديًا. بالتأكيد، أى نجاح يدر فائدة علينا كمصريين نفرح له ونبتهج. فمصر الآن فى لحظة بالغة الصعوبة والدقة، وحلمنا هو أن تنهض من كبوتها وتنطلق كعادتها. ولكن الحق يقال: لا يبدو أن هذه الزيارة قد نجحت بسبب طبيعة الوفد الذى ذهب هناك، أو قدرته على إقناع الألمان أن الإدارة السياسية ناجحة فى مصر، بل ربما أقنعهم النحو الذى سارت عليه الأمور، أثناء الزيارة، بأن العكس هو الصحيح.

فأغلبية ما تناقلته وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعى عن محادثات بعض أعضاء الوفد عكست جهلاً كبيراً بـ«الكود» الثقافى الذى يمكن للمجتمع الألمانى أو الأوروبى فهمه أو استيعابه. فلغة الحوار التى استخدمها البعض بهدف شرح حقيقة ما يجرى فى مصر كانت على أقل تقدير منفرة، والأسانيد المقدمة كانت شديدة البعد عما يجول بخاطر النخبة الألمانية ويقلقها. أما حالة التهليل والتصفيق المبالغ فيها، التى صاحبت أغلب فعاليات الزيارة، لم تعط انطباعًا بشعبية زائدة للرئيس، بقدر ما أعطت تصورًا عامًا بأن ذلك نظام مرتعد يسعى إلى التحرك بمؤيديه، ويهتم بتواجد «هتيفة» فى مؤتمراته.

لذا لست متأكدة أن الصورة الذهنية التى بنتها النخب الألمانية عن بعض النخب المجتمعية المصرية كانت عظيمة، ولست واثقة أن أى أحد صدق ولو بنسبة قليلة أن مصر بلد ديمقراطى يستمتع بالحريات. ولكنى لا أتشكك فى أن ذلك لن يغير الكثير فى موقف الدولة الألمانية تجاه الدولة المصرية. صحيح أن النخب الألمانية (مراكز أبحاث، صحافة، قيادات حزبية، منظمات مجتمع مدنى) لديها - بعكس مثيلتها المصرية- قدرة تأثير معنوى على صانع القرار فى ألمانيا حتى لو لم تستطع دائمًا تحويلها إلى قدرة تأثير مادى. فالموقف الغربى المناهض مؤخرًا لمصر تم اتخاذه بناءً على ضغوط هذه النخب وقدرتها على إقناع صانع القرار بأن النظم السلطوية لو حققت الاستقرار لفترة ما، فإنها لن تستطيع ضمان استمراره على المدى الأطول. ولكن من ناحية أخرى، العلاقات السياسية بين الدول لا تحكمها المثاليات والشعارات الرنانة بل بالأحرى المصالح الاقتصادية والسياسية. فمن السذاجة تصور أن الشركات الكبرى فى ألمانيا أو أوروبا ستضيع فرص شراكة اقتصادية مع مصر، لو مصلحتها اقتضت ذلك، كما أنه فقط من قبيل المثالية المفرطة تخيل أن الدول الأوروبية ستفرط فى دعمها لبلد بحجم مصر فى لحظة يشتعل فيها الشرق الأوسط وتطرق أبواب أوروبا ملايين المهاجرين العرب.

فهل ليس من مشكلة إذن؟ بالطبع لا. النظام المصرى يدرك أهمية القوة الناعمة وقدرة التأثير المعنوية. لذا فهو لم يكن بحاجة إلى مهللين وهتيفة بل كان بحاجة فقط إلى إثبات أن مصر الساعية إلى الشراكة الاقتصادية راغبة أيضًا فى الدفاع عن القيم السياسية. والحقيقة هى أن إجراءات قليلة وصغيرة، على غرار فتح المجال العام وعدم مصادرة المجال السياسى، وعدم إصدار قوانين مقيدة، وإعطاء مجال أوسع للرأى والرأى الآخر- كانت كفيلة لإثبات ذلك. وهو، للأسف، ما لم يحدث، ولكننا ما زلنا نأمل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية