«الطريق إلى الحقيقة يبدأ بالشك»، تبدو الجملة بعيدة الأثر في مسيرة فرج فودة الفكرية، التي انتهت باغتياله في 8 يونيو 1992، على يد متطرف إسلامي، عقب تحريض «الوسطيين» ضد رجل لا يحمل إلا قلمًا وعقلًا مشتعلًا في طريقه الوعر للبحث عن «الحقيقة الغائبة».
اعتبر «فودة»، المولود 20 أغسطس 1945، أن القاعدة الفقهية «لا اجتهاد مع النص» تخالف التاريخ الإسلامي، وحاجج مخالفيه بسيرة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، الذي يجله كـ«أفضل رجل دين ودولة في التاريخ الإسلامي»، وبين أنه عطل أحكامًا وحدودًا في «عام الرمادة».
وعارض فرج فودة، الخلافة، باعتبارها فكرة بالية تجاوزها الزمن، أورثت المسلمين حكمًا جبريًا طوال قرون، موضحا مفاسد الخلفاء من الأمويين والعباسين، ودافع عن العلمانية باعتبارها الفكرة الأكثر جدوى للدول الطامحة في التقدم، «ليست العلمانية إنكاراً للأديان، إنما هي إنكار لدور رجال الدين - بصفتهم رجال دين - في إدارة سياسة الدولة أو توجيهها».
ويمكن اعتبار أن المناظرة التي جرت في معرض الكتاب، يناير 1992، حول الدولة المدنية والدينية، بين فرج فودة، وأحمد خلف الله، من جهة، ومحمد الغزالي ومأمون الهضيبي، المرشد الأسبق للإخوان، ومحمد عمارة، من جهة أخرى، السبب الرئيسي في واقعة اغتيال فرج فودة، بعدما أظهر الأخير ثقافة دينية عميقة، وحجة واثقة لا تلين في مواجهة متخفيين في زي «الوسطية».
وبعد واقعة مناظرة معرض الكتاب، أفتى محمد الغزالي، في برنامج «ندوة للرأي» عبر التليفزيون المصري، «من يدعو للعلمانية مرتد»، وقال في 27 مايو 1992، في ندوة بنادي هيئة التدريس بجامعة القاهرة، «إن فرج فودة وفؤاد زكريا يرددون كلام أعداء الإسلام في الخارج، ربنا يهديهم، وإن ماهداهمش، ياخدهم».
فيما نشرت صحيفة النور، أول يونيو 1992، قبل أسبوع من حادثة الاغتيال، بيانا لما يسمى بـ«ندوة علماء الأزهر»، يُكفر فرج فودة، حتى جاء دور عمر عبد الرحمن، مفتي الجماعة الإسلامية، في الحملة التكفيرية، وأفتى بكفر صاحب «حوار حول العلمانية».
وفي 8 يونيو 1992، أطلق عضوا الجماعة الإسلامية، أشرف سعيد إبراهيم وعبد الشافي أحمد رمضان، النار على فرج فودة، أمام الجمعية المصرية للتنوير، وكان معه ابنه أحمد، الذي أصيب إصابات طفيفة، وروى الحاضرون لحظة احتضار المفكر التنويري، أنه قال «يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني».
وكانت المفارقة، أنه أثناء التحقيق أقر عبد الشافي رمضان، أنه أمي، لا يقرأ ولا يكتب!، والمفارقة الأخرى أنه في عام 1991، قبل الاغتيال بسنة واحدة، منح محمد الغزالي، جائزة الدولة التقديرية لدوره في توعية المتطرفين، كونه أحد الوسطيين.