كشفت مجموعة من التسجيلات السرية للجنود الإسرائيليين عن ارتكاب الجيش الإسرائيلى جرائم حرب ضد الأسرى المصريين فى حرب يونيو 1967.
وتضمنت الجرائم، التى ورد ذكرها على لسان جنود إسرائيليين ممن شاركوا فى الحرب آنذاك، قتل الأسرى والمدنيين الأبرياء، وطرد سكان العديد من القرى من خلال هجرة قسرية حولتهم إلى لاجئين بموجب قرار واحد، وفى لحظة واحدة.
وورد جانب من هذه الشهادات التى كان الجيش الاسرائيلى يفرض السرية عليها، ومنعها من النشر طوال السنوات الماضية، فى سياق فيلم وثائقى بعنوان «حديث المحاربين: الشرائط المخفية» للمخرجة الإسرائيلية مور لوشى، تم عرضه فى إطار مهرجان «دوكافيف» للأفلام الوثائقية فى إسرائيل.
وبعد مرور 48 عاما على حرب يونيو، التى يسميها الإسرائيليون «حرب الأيام الستة»، تأتى هذه الشهادات لتظهر جانبا تم إخفاؤه عمدا أثناء الحرب وبعدها، حتى لا تنال من صورة إسرائيل المنتصرة على جيرانها العرب فى حرب صنعت أسطورة الجيش الإسرائيلى وروجت لها على مستوى العالم.
كانت التسجيلات الأصلية لشهادات الجنود قد جمعها المؤرخ والصحفى الإسرائيلى أفراهام شافيرا، بمساعدة عدد من الأشخاص، كان على رأسهم الأديب الإسرائيلى عاموس عوز.
وبحسب صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، تم جمع اعترافات الجنود الإسرائيليين بعد أسبوع من عودتهم من حرب يونيو، فى 200 ساعة تسجيل على أسطوانات. ويقول شافيرا إنه تم تقديم هذه التسجيلات إلى الرقابة العسكرية للحصول على موافقة بالنشر، ولكن بالطبع تمت مصادرة الأسطوانات وتم منعها من النشر «لعدم الإساءة إلى صورة الدولة».
وتظهر بعض التسجيلات التى يتضمنها الفيلم الوثائقى - وقد تعرضت لحذف الكثير من المقاطع ووضع العلامات السوداء على كثير مما ورد فى التصوير - الأهوال التى ارتكبها الجيش الإسرائيلى فى تلك الحرب. وفى أحد المشاهد يقول جندى إسرائيلى: «صدرت لنا الأوامر خلال الحرب بتنفيذ ما سموه (إخلاء السكان)، وكان هذا النقل الذى نفذناه عبارة عن قيامك بأخذ هذا العربى المتجذر فى قريته وتحوله إلى لاجئ، فأنت ببساطة تطرده من هناك، وطبعا لم نفعل ذلك مع واحد أو اثنين أو ثلاثة، وإنما نقوم بإخلاء، كما يسمى، (تم حذف عبارة قد تكون «تطهيرا عرقيا» أو «تهجيرا قسريا»).. وعندما ترى أن قرية كاملة تسير كقطيع من الأغنام إلى حيث تقوده أنت ولا توجد أى علامة مقاومة، تعرف حينئذ ماذا تعنى الهولوكوست والمحرقة النازية (التى تعرض لها اليهود فى الحرب العالمية الثانية)».
وفى مشهد آخر يقول جندى إسرائيلى آخر: «فى اليوم التالى نقلنا آخر الأسرى، وقوات المظليين (الإسرائيلية) سمحت بدفنهم، وفى الليل قتلنا ما يقرب من 50 أسيرا. وسمحوا للجنود بدفن الجميع، وعندئذ جاء ضابط واختصر بقية السجناء فى هدوء، بدون مشاكل».
وفى مشهد ثالث، يقول جندى إسرائيلى: «قابلنا قافلة كبيرة فى الطرق الترابية الداخلية، وفتشناها وتحققنا منها، ولم يكن معها أى شيء وسمحنا لهم بالعبور، وواصلنا السفر، ولكن ونحن فى طريق عودتنا وجدنا قوة مع خمسة جنود اعتقلوا الـ.. (هناك عبارة حذفتها الرقابة العسكرية الإسرائيلية من التسجيل).. وعرفنا بسرعة طبعا أن هذه هى نفس القافلة التى قابلناها بحميرها وخيولها، إنها نفس القافلة التى أوقفناها من ساعة، ولكنهم أوقفوها، واعتقلوا كل الرجال الموجودين بها، وسمحوا برحيل القافلة مع النساء والأطفال والقطيع. وما إن ابتعدوا بمسافة 100 متر فقط، توجه الجنود (الإسرائيليون) شرقا وأطلقوا النار على 15 رجلا كانوا مع القافلة فسقطوا قتلى.. أطلقوا عليهم النار ببساطة، ونحن أتينا ورأينا جنديين يحملان الجثث من اليدين والقدمين، وألقيا بها خلف جدار من الحجارة.. وانشغلت المجموعة التى كانت هناك بسؤال واحد: كيف أمكن حدوث ذلك؟ وعندما تحدثوا مع نائب قائد اللواء، قال ببساطة: عندما نقطع الأشجار تتطاير القشور».
وفى مشهد مختلف، يقول جندى إسرائيلى: «كانت هناك لحظة ما، صعدت إلى طريق أريحا، بينما كان اللاجئون ينزلون من عليه، توحدت مشاعرى معهم دون إرادة منى وأنا أرى هؤلاء الأطفال الذين يسحبهم آباؤهم من أياديهم، ورأيت نفسى حين كان أبى يسحبنى من يدى أيضا.. تحديدا فى تلك اللحظات من الإحساس بمعاناة الآخر، بالإحساس بمعاناة العرب الذين خرجنا لقتالهم، والذين يتعرضون فى الواقع لأهوال تشبه تلك الأهوال التى تعرضنا لها فى سنوات الحرب (العالمية الثانية)».
وتقول المخرجة الإسرائيلية مور لوشى إن شهادات الجنود الإسرائيليين تضمنت نبوءات للمصير الكارثى الذى واجهته إسرائيل فى حرب أكتوبر، مشيرا إلى قول أحدهم إن حرب 1967 لم تحل مشاكل إسرائيل وإنما زادتها تعقيدا، لأنه سيكون من الصعب جدا التخلص من آثارها. وقال آخر يدعى أفيشاى جروسمان: «فى الجولة القادمة، ستكون الحرب المقبلة أكثر وحشية لأننا نقيم فى أراض عربية ونتحكم فى السكان، ولا شك عندى فى أن الحرب التالية ستقع قريبا، وسيكون ثمنها أكثر فداحة من حرب الأيام الستة».
وقالت «لوشى» إن الجيش الإسرائيلى أوهم الجنود بأنهم خارجون للحرب من أجل الدفاع عن أنفسهم وعن بلادهم وعن عائلاتهم، وإنهم ذاهبون إلى حرب عادلة، لكنهم عادوا من تلك الحرب وقد أصيبوا بانهيار أخلاقى، يبدو واضحا من حديثهم عن التهجير القسرى وجرائم الحرب التى ارتكبوها بأوامر من الضباط.
وكشفت «لوشى» أنها وضعت فى الفيلم الوثائقى 3 أو 4 شهادات فقط عن قتل الأسرى، بينما فى الشهادات الأصلية للجنود الإسرائيليين هناك 30 أو 40 شهادة عن جرائم قتل الأسرى. ومع ذلك قالت المخرجة الإسرائيلية إنه كانت هناك مواد «متطرفة وصادمة للغاية»، لكنها لم تعرضها فى الفيلم، انطلاقا من «الشعور بالمسؤولية»، التى تقول إنها مسؤولية تنبع من كونها مخرجة ومدنية تمنعها من كشف مثل هذه الأمور.
أما صحيفة «معاريف» الإسرائيلية فركزت الأضواء على مجموعة من الوثائق السرية المتعلقة بكواليس الحرب، والتى أفرج عنها الجيش الإسرائيلى منذ يومين، بمناسبة الذكرى الـ48 للحرب التى احتلت فيها إسرائيل أراضى من 4 دول عربية.
وتكشف الوثائق الإسرائيلية أن أكبر المخاوف التى سيطرت على قادة إسرائيل قبل الحرب بأيام قليلة تمثلت فى أن يقوم سلاح الطيران المصرى بمهاجمة مفاعل ديمونة الإسرائيلى.
ومن بين الوثائق محضر اجتماع سرى عقد فى 2 يونيو 1967، ضم وزراء الكابينت أو المجلس الأمنى المصغر، واستغرق ساعتين ونصف الساعة، وسيطر التوتر على أجوائه. وشارك فيه موشيه ديان الذى كان قد مر يوم واحد فقط على توليه وزارة الدفاع الإسرائيلية، بعد أن اضطر رئيس الوزراء ليفى أشكول للتنازل عن المنصب بضغوط من الرأى العام، بعد حديث إذاعى مرتبك.
وشهد الاجتماع عرض تقرير لرئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) أهارون ياريف، تضمن التحذير من احتمال شن الطيران المصرى هجوما يوجه خلاله ضربة قاصمة لتدمير مفاعل ديمونة وعدد من المطارات الإسرائيلية. وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن إسرائيل حينها كانت تملك قنبلة ذرية واحدة على الأقل آنذاك.
وبحسب محضر الاجتماع، قال قائد سلاح الجو الإسرائيلى، مردخاى هود، إن الطائرات الحربية المصرية نجحت فى التغلغل عدة مرات إلى الأجواء الإسرائيلية وقامت بتصوير مواقع مختلفة فى محيط مدينة إيلات، ونجحوا فى تصوير هدف آخر، حرص مسؤولو الرقابة العسكرية الإسرائيلية على تسويده وإخفائه لعدم الكشف عن هويته فى تلك الوثيقة.
وقال «ياريف» إن الولايات المتحدة لا تعتزم التدخل لتغيير الوضع فى أزمة غلق مضائق تيران ومنع الملاحة إلى إيلات. لكنه فى نفس الوقت قال إن الولايات المتحدة تتفهم ضرورة أن تتخذ إسرائيل إجراء ما، مشيرا إلى أن خبراء أمريكيين يعتقدون أن بوسع إسرائيل أن تنتصر فى المعركة. وأكد قائلا: «لدينا عدد ليس بالقليل فى أماكن مهمة بالولايات المتحدة يرون أن عملية إسرائيلية (ضد مصر) ستكون حلا مريحا للولايات المتحدة للخروج من تلك الورطة».
وحضر الاجتماع رئيس الأركان آنذاك إسحاق رابين بعد أن تغيب ليوم واحد بسبب التوتر النفسى، الذى تم وصفه بـ«تسمم النيكوتين»، وأكد أن مرور الوقت دون أن تفعل إسرائيل شيئا يعزز الثقة العربية، مشيرا إلى أن الطيران المصرى ما زال على أهبة الاستعداد فى سيناء، ويزداد الوضع صعوبة بمرور الأيام، محذرا من أن العرب يتحدون وبدأوا ينظمون قواتهم ويترسخ التعاون فيما بينهم، وهو ما يفاقم التهديدات على إسرائيل. وقال إن الحلقة السياسية والعسكرية تضيق حول إسرائيل، وأكد بوضوح رغبته فى شن إسرائيل الحرب قائلا: «بوسعنا أن ننتصر، خاصة إذا كانت المبادرة بأيدينا».
وبحسب الوثائق الإسرائيلية، استفسر عدد من الوزراء الإسرائيليين حول إمكانية أن تتدخل روسيا فى الحرب لصالح مصر، وهو ما استبعده «رابين» طالما أن الأمريكيين لن يتدخلوا فى الحرب لصالح إسرائيل.
وفى الاجتماع، استعرض قائد سلاح الجو الإسرائيلى موقف القوات الجوية بين مصر وإسرائيل، لافتا إلى أن القاهرة تمتلك طائرات حربية أقل مما تمتلكه تل أبيب.
وبدا من النقاش أن ليفى أشكول رئيس الوزراء ما زال حائرا ومترددا ويخشى إصدار الأوامر بشن الحرب. وهو ما استدعى تدخل العميد أرييل شارون الذى قال إن التردد واستهلاك الوقت كبد إسرائيل خسائر فادحة تمثلت فى فقدانها سلاح الدرع فى مواجهة العرب.
وتقول الوثائق إن موشيه ديان أكد أن هدف الحرب هو إنهاؤها خلال 6 أيام فقط، يتم خلالها تدمير القوة الأساسية للجيش المصرى، ثم احتلال شرم الشيخ. وانتهى الاجتماع دون اتخاذ أى قرار. ولكن بعد يومين اتخذت حكومة أشكول قرارا بشن الحرب، فحدث ما حدث.
وتبين وثيقة أخرى أن وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه ديان أصدر أوامره فى تمام الساعة السادسة والربع من صباح 7 يونيو 1967، إلى العميد عوزى نركيس، قائد القيادة الوسطى للجيش الإسرائيلى، بمحاصرة القدس واقتحامها واحتلالها دون التحرك إلى المسجد الأقصى أو حائط البراق.
وتشير وثيقة أخرى إلى بلاغ عسكرى وصل قيادة الجيش فى الساعة العاشرة و8 دقائق صباحا تقول: «الحرم القدسى بأيدينا».
وفى 8 يونيو، دار النقاش حول هل يتوجب على إسرائيل البقاء على قناة السويس، وفى الضفة الغربية تم تقسيم القيادة الوسطى إلى 6 قطاعات فرعية، تعمل حتى يومنا هذا، وإقامة حكم عسكرى هناك.
وتشير الوثائق إلى أنه فى 9 يونيو، وتحديدا فى الساعة 5 و45 دقيقة اكتملت المهمة فى مصر. وورد ذلك فى برقية من يشعياهو جافيش، قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلى، إلى مكتب رئيس الأركان الإسرائيلى: «يسعدنى أن أبلغك بأن قواتنا تقبع الآن على ضفاف قناة السويس والبحر الأحمر، وباتت شبه جزيرة سيناء فى أيدينا، تهانئى لك ولكل الجيش الإسرائيلي».
وتتضمن الوثائق تقريرا استخباراتيا عن محادثة بين الزعيم جمال عبدالناصر والرئيس السورى، أعلن فيه عبدالناصر خسارة العرب الحرب، ونصح بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار مع إسرائيل. وفى الفترة بين الساعتين 6 و7، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلى أوامره إلى الجيش الإسرائيلى باحتلال هضبة الجولان السورية.. وفى يوم 10 يونيو تراجع عبدالناصر عن قراره بالتنحى.
وتشير الوثائق الإسرائيلية إلى أنه فى اليوم نفسه فى الساعة الثانية ظهرا، بدأت الولايات المتحدة فى الضغط على إسرائيل من أجل إجبارها على وقف الحرب، خشية أن تواصل القوات الإسرائيلية تقدمها إلى العاصمة السورية دمشق. واقترح وزير الدفاع الإسرائيلى على رئيس وزرائه أن يبلغ الإدارة الأمريكية بأن إسرائيل لا تعتزم احتلال دمشق.