وقف جورجيو كيليني يتحسس تلك الندبة في كتفه أمام مرآته وعقله لا يستطيع التوقف عن التفكير في القرار الذي اتخذه، قيل عنه أنه مقاتل شجاع لا يهاب شيئًا، وهل من الشجاعة أم الجنون أن تقف أمام القطار، أو تلقي بنفسك في الهاوية أو أن تعيد مقابلة دراكولا.
كان اللقاء الأول داميًا، في بلاد بعيدة، قيل أنها بلاد المتعة فما كانت لي سوى بلاد الألم. لم أعلم حين وطأت قدماي هناك أني على موعد مع أشهر مصاصي دماء العالم الذي اخترت أن أدخله بقدماي، لم يكن هو ككل مصاصي الدماء في السينما الأمريكية في أفلام توايلايت ونوسفيراتو، ولم يكن حتى كمصاص الدماء المصري الذي يغني.. ماذا كان اسمه؟ «أداوية» تقريبًا، كان رائعًا هذا الرجل واستحق الأوسكار على دوره فأن تصنع من شخصية مرعبة كوميديا بهذا الشكل ليس بالأمر الهين.. خاصة إذا لم تكن تقصد.
حين قالوا أننا سنقابل منتخب الأوروجواي في المونديال كان الجميع يتحدث عن القدرات الخارقة لهذا المهاجم، ليست قدراته فقط على أرض الملعب، بل وفي ليالي ظلماء يتحول فيها مع اكتمال القمر إلى.. كفا مبالغة يا أخي ما هذا الهراء الذي تفكر فيه، ليس هو بدراكولا وليس هو بمصاص دماء، هو فقط «عضاض» من الدرجة الأولى ذو سمعة عالمية جعلت منه قدوة لمصارعين محترفين في الحلبة، يذكر اسمه في أكبر العروض السنوية Wrestlemania حين عض مصارع الآخر، أي أن ملوك العنف يستشهدون بقدراته العضاضية. هو فقط لويس سواريز الذي سيقابلك مجددًا بعد عضة أولى في البرازيل ليعضك مجددًا في برلين.
مع تذكره عضة المونديال انتابت قشعريرة جسد المدافع الإيطالي وشعر برجفة، تذكر الألم الذي صاحبه لأيام طويلة، ما هذه الأسنان يا رجل هل تغسلها كل يوم بسانسوداين؟ يقال أن جميع أطباء العالم ينصحون به لكني لم أجربه بعد. هل يجب أن أجربه؟ ولم أجربه وشخص أخر يجربه في؟ لا لن أسمح بتكرار ذلك لن ألعب اللقاء ولو على جثتي، نعم هو نهائي دوري الأبطال لكن «العمر مش بعزقة» كما قال لي زيدان المصري حين لعبنا في 2009 بعدما سألته عن سر تجنبه التدخل معي أو مع جاتوزو في ألعاب مشتركة.
«هل أنت جاهز ليوم السبت يا صديقي»، أتاه صوت قائده جيانلويجي بوفون من الخلف، فاستدار ونظر إليه ثم أمسك بقدمه اليسرى فجأة: «قدميييييييي آه»، هرع إليه «بوفون»: «ماذا حدث؟»، ليصرخ «كيليني»: «أعتقد أن لدي إصابة عضلية ربما لن أستطيع أن ألعب النهائي». ابتسم حارس اليوفنتوس وقال بهدوء: «إنها فوبيا سواريز مجددًا، لقد سمعتك وأنت نائم في حافلة الفريق تتمتم (لا يا سواريز لا يا سواريز معندكش إخوات رجال)، قم يا رجل لا تكن جبانًا، لم تكن أبدًا هكذا».
عدل «كيليني» من جلسته: «نعم، لن ألعب أمام هذا الوحش، إذا كان اللقاء قبل عدة سنوات لما كنت قد خشيت مواجهته، كان بجانبي جاتوزو، يكفي أن ينظر إليه فقط ليرتعش، أما اليوم فعذرًا بوفون من سيدافع عني.. موراتا؟!».
لحظات توقف فيها عقل بوفون عند مشهد دفاع موراتا عن كيليني أمام سواريز.. لا ليس مشهدًا منطقيًا أبدًا حقًا، «لكن لا تنسى يا صديقي أن لدينا أحد أكثر المشاغبين في العالم تيفيز، لا تقلق حين يعتدي عليك سواريز، وسيعتدي بالتأكيد، سيكون تيفيز متحفزًا، سأوصيه عليك».
مد «بوفون» يده لزميله ليقف مجددًا على قدميه ويهموا بالرحيل معًا، وما أن وطأت قدما كيليني خارج الغرفة حتى صرخ مجددًا: «أه قدمييييي»، نظر إليه «بوفون» مرة جديدة، ليبتسم إليه «كيليني» معتذرًا: «أسف». أومأ القائد برأسه ورحل وهو يتمتم لنفسه: «معذور يا صديقي فأنا نفسي أفكر في عدم لعب اللقاء، إني سأواجه ميسي وليس من المحبب لي الإحراج في أخر أيامي في الملاعب».