x

يوسف معاطي بالنسبة للرئاسة يعنى... يوسف معاطي الخميس 04-06-2015 21:59


اطمئنوا تماماً.. لا لن أترشح لرئاسة الجمهورية ولن تجدوا اسمى أبداً بين المرشحين فى أى انتخابات رئاسية قادمة.. رغم أن هذا حقى الدستورى كمواطن قام بثورتين متتاليتين.. وقد اتخذت قرارى هذا- الذى يبدو أنه أسعدكم كثيراً- مستنداً إلى حقائق تاريخية وعلمية، وأرجوكم ألا تحاولوا إثنائى عن هذا القرار وأن تساعدونى عليه..

فطبيعة عملى، التى هى الكتابة واللت والعجن والهرى، تتناقض تماماً مع طبيعة عمل رئيس الجمهورية، فإذا أضفنا إلى ذلك أننى أحاول منذ ثلاثين عاماً أن أكون كاتباً كوميدياً.. أجرى دائماً وراء «الإفيه» والنكتة والتعليق الساخر..

فهذا بالتأكيد سيكون له أثره السلبى فى مسألة علاقتنا بالدول الأخرى.. حينما يزور بلادنا ضيف كبير، رئيس أذربيجان مثلاً، سأذهب لاستقباله فى المطار بين حرس الشرف والموسيقى العسكرية تعزف السلام الوطنى الأذربيجانى.. أنا أعرف ما سيجول بخاطرى لحظتها، وبصراحة شديدة لن أمسك نفسى وسأقول الإفيه اللى ربنا ح يبعته وقتها.. مما سيؤثر بالتأكيد على دعم أواصر المحبة بين الشعب المصرى والشعب الأذربيجانى.. أو أن يأتى إلى الزيارة رئيس قصير جداً يمشى إلى جوارى ونحن نستعرض حرس الشرف، فيبدو كأنه ابن أختى وموديه الملاهى.. وربما همست له.. عاجبك حرس الشرف يا بابا؟! مبسوط؟.. وربما يأتى إلى الزيارة الرسمية زعيم أفريقى طويل جداً، أمشى إلى جواره محتمياً بظله من أشعة الشمس الحارقة فى هذه الضهرية اللعينة.. ثم إذا جلس بجوارى فى مائدة العشاء الرسمى.. وطلب أن يتعشى قرداً مشوياً.. ماذا سيكون رد فعلى؟!.

يا سيدى ياكل قرود زى ما هو عاوز.. هذه ليست المشكلة.. إنما.. هل سأصمت.. هل سأمسك لسانى؟!. وماذا إذا حدث يعنى وزارنا فخامتلو الرئيس أوردغان.. وكان لسه فى الحكم طبعاً بعد أن توليت وتمشينا أنا وعظمتلو لنستعرض حرس الشرف.. ماذا إذا خطر ببالى وقتها يوم أن كان يستعرض جنود الدولة العثمانية بملابسهم التاريخية الملونة وقبعاتهم العالية وسيوفهم الشاهرة وهو يمشى أمامهم فى خيلاء مشية عسكرية عجيبة تشعرك بأن إسماعيل ياسين وثريا حلمى سيغنيان فوراً مونولوج.. أمان.. أمان.. أمان.. أمان.. يكووا طربوشك على كستبان؟.. وماذا حدث لو فطست على روحى من الضحك أثناء التشريفة والاستقبال.. وأنا راجل فشتى عايمة؟!!.

باظت علاقتنا مع تركيا أكثر ما هى بايظة.. أما إذا أتت لزيارتنا السيدة هيلارى كلينتون، بعد أن تتولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، أنا أعرف أننى لن أمسك لسانى هذا اللى يستاهل قطعه وسأقول لها.. وأخبار كلينتون إيه؟. والنبى تطمنينى عليه.. أنا عارف قعدة الراجل فى البيت بتبأه رزلة، خصوصاً لما الست بتاعته تكون شغالة وهو فى الباركينج.. سايق عليكى النبى يا شيخة ما تتعصبى عليه.. هوه زهقان ومخنوق خلقة.. المهم تحافظوا ع البيت.. لأ مش قصدى البيت الأبيض.. أنا بأتكلم عن البيت اللى إنتى شقيتى وصبرتى سنين لغاية ما وقفتيهم على رجليهم وعمرك ما فى يوم إشتكيتى ولا غضبتى عند أهلك.. ولا قلتى طلقنى!!.

وأثبتتى إنك ست قوية زى الجبل ما يهزك ريح.. ده كفاية موضوع مونيكا.. أهو ده لو كان حصل عندى فى البيت.. كانت السيدة الأولى مراتى علقتنى من رجليا قدام الشعب كله.. وخللى بالك.. إوعى تقعدى فى المكتب البيضاوى إنتى وأى حد لوحدكوا، خصوصاً الشباب المز اللى بيتدربوا فى البيت الأبيض.. إسمعى منى.. كلينتون ح يبأه شكاك.. وح تلاقيه داخل خارج عليكى كل شوية.. ما هو اللى تقرصه الحية من ديلها يخاف.. أنا عاوزك تفوقى لشغلك كده وللبلاد اللى بتخربوها وبتقسموها.. ده الجزار لما بيقطع الدبيحة مايحبش حد يقربله.. وربنا يهدى سركوا.

طبعاً هذا الكلام من شأنه أن يقطع المعونة الأمريكية تماماً.. ويقضى على التحالف الاستراتيجى مع حليفنا الأمريكى.

صدقونى يا أعزائى.. الكتاب لا يصلحون لرئاسة الدول.. وأنى لاهتف بزملائى من الكتاب والإعلاميين وملوك الكلام أن يتنازلوا مثلى عن هذا الحلم.. رغم اعترافى بدورهم فى قيادة الأمة وإشعال الثورات.. إنما.. دى حاجة ودى حاجة، ثم عودوا للتاريخ.. واذكروا لى اسم كاتب واحد صار رئيساً أو ملكاً.

عندك تشرشل مثلاً، الذى حصل على جائزة نوبل فى الأدب.. وكان كاتباً لا يشق له غبار، وهو السياسى والعسكرى الوحيد اللى حصل عليها.. متى حصل عليها؟.. بعد أن خلع من منصبه وقعد فى البيت يضرب السيجار الفاخر.. وكباية الشاى الإنجليزى وفاضى بأه.. وهتلر مثلاً.. حينما ألف كتابه «كفاحى» لم يكن الكتاب ذا قيمة وكان أسلوبه ركيكاً هابطاً، إنما بعد أن صار هتلر يحكم ألمانيا ويغزو أوروبا.. صار الكتاب إنجيلاً جديداً وقرروه على كل المدارس.. وقد كتب إلى عشيقته «إيفابراون» يقول.. فكرت كثيراً فى أن أكتب قصصاً طويلة، ولما كنت لا أقبل أن يكون مكانى فى الأدب أقل من مكان أعظم الأدباء.. فقد انصرفت عن هذا المطلب مؤقتاً «يبدو أن تسيير الجيوش وفواجع الحروب أسهل على الطغاة من كتابة قصة!!».

وقد كنت يوماً عند الفنان الكبير عمر الشريف.. وأخرج لى سيناريو فيلم يعرضونه عليه.. كان السيناريو اسمه «ظلم»، قصة وسيناريو وحوار معمر القذافى.. ولا أنكر أننى شعرت بتلك الغيرة المهنية تجاه الأخ العقيد.. الذى قرأت له بعد ذلك مجموعة قصصة كتب لها المقدمة أستاذ دكتور متخصص فى النقد الأدبى.. وأشاد بها إشادة كبيرة، حيث أكد أن الأخ العقيد قد تجاوز فى تجربته الأدبية الفريدة هذه ما بلغه كبار الكتاب أمثال تشيكوف وأندريه جيد وموباسان.. وقد قرأت إحدى هذه القصص.. واسمها «الفرار إلى جهنم».. وهى قصة حاكم زهق من شعبه ويريد أن يغيره.. حاكم يثور ضد الشعب!!. وربما هذا الذى جعله حينما قامت الثورة ضده انتفض يخاطب الثوار قائلاً.. أنا قائد الثورة دى.. وصار هو الحاكم الوحيد فى التاريخ الذى قاد ثورة ضد نفسه!!!.

إن وضع الكاتب يختلف تماماً عن وضع الحاكم.. وانظروا إلى التماثيل الفرعونية القديمة تجد الكاتب جالساً القرفصاء مربعاً رجليه.. على الأرض.. أما الحاكم فتماثيله كلها إما جالساً بعظمة فوق عرشه، أو واقفاً بشموخ ممسكاً برمحه وصولجانه.. ح تجيب اللى متلقح طول عمره على الأرض تقعده فوق العرش.. ما تجيش طبعاً.

ويحكى أن ملكاً أراد أن يتعلم كل شىء.. العلوم والرياضيات والفلك والهندسة.. وكانوا يأتون له بأفذاء العلماء ليعلمونه.. إلى أن أراد أن يتعلم الشعر.. فأتوا له بأكبر شاعر فى البلد، وقال له الملك.. علمنى الشعر!!. فرد عليه الشاعر بكل ثقة.. إلا الشعر يا مولاى.. وتلك الإجابة الصادمة المؤلمة لهذا الشاعر البجح تؤكد أن الأدب والسلطة لا يلتقيان أبداً.. شىء آخر جعلنى أتخذ قرارى بعدم الترشح للرئاسة.. وهو أن شعبنا غدار.. لا تنكروا ذلك.. كل سنة يتحمق فجأة كده.. وشيل وحط وإخلع وإعزل.. وأنا يعنى كنت سايب اللى ورايا واللى قدامى، إن كان فيلم هنا ولا مسلسل هنا.. عشان أقعد لى كام شهر فى الاتحادية وألاقى الشعب طالع لى بالملايين؟!.

وأنا كرجل مهنتى الكتابة أتعرض كثيراً للنقد والهجوم، ولكن ليس بهذا الأسلوب الجارح الذى يتعرض له الرؤساء.. وكثيراً ما كتبت أعمالاً فاشلة ولم يتجاوز الأمر أكثر من مقالة تنتقدنى هنا وعمود يشتمنى هناك.. أحدهم يتهكم.. وآخر يتهمنى بالسطحية والتفاهة أو أن العمل مسروق من عمل أذربيجانى.. وأشياء من هذا القبيل، لكن إن حد يجيب سيرة أمى!!. هذا لم يحدث إطلاقاً.. والنقاد رغم قسوتهم أرحم بكثير من الثوار.. ثم إن شتيمة النقاد لها حل، كما قال عنها أمير الشعراء أحمد شوقى لعبدالوهاب، ضع الجرائد والمجلات التى تهاجمك فوق بعضها.. ثم قف فوقها.. ستعلو هامتك وقامتك.. أما الهجوم الذى يتعرض له الرؤساء هذه الأيام لو وقف عليها سيقع على جدور رقبته!!.

الشىء الثالث الذى شجعنى على اتخاذ قرارى هو مشهد النهاية.. الموت يعنى.. وهو مكتوب على الجميع.. على الرؤساء.. وعلى الكتاب أيضاً.. تأملوا معى كيف مات صدام حسين؟!. مشنوقاً فى أول يوم فى العيد الكبير.. وبيد من؟!. بيد شعبه.. وكيف مات الزميل معمر القذافى؟!.

كلنا نذكر ذلك.. مضروباً ومهاناً وبيد شعبه.. والرئيس الراحل أنور السادات.. كلنا يذكر كيف قتل؟!. وبيد شعبه أيضاً.. وللمقارنة.. أن شارون ظل حياً موضوعاً على جهاز التنفس بعد أن مات بإتناشر سنة!!. طيب أنا راضى بحكمكم.. هل أنا مخبول حتى ألقى بنفسى إلى هذه التهلكة؟!.

ويحلو لكثير من الزعماء أن يتفوهوا بكلمة أخيرة.. وهم على سرير الموت.. كقفلة مشهد لتلك الحياة العبثية.. فنابليون مثلاً قال «إلهى.. فرنسا.. قائد الجيش».. ومات.. ونلسن، قائد موقعة أبو قير البحرية، ماذا كانت كلمته الأخيرة «أنا عملت اللى عليا» ومات.. وجورج واشنطن قال لسكرتيره فى اللحظة الأخيرة «ماتنزلونيش القبر إلا بعد يومين من موتى أحسن ترد فيا الروح وأنا تحت فى الصندوق.. ونفسى يتكتم»، ويقال إن الرئيس السادات أشار نحو قاتله الذى نزل من السيارة موجهاً نحوه مدفعه.. «الولد ده بيعمل إيه.. أمسكوه» وأسلم الروح.. أما القذافى فكانت جملته الأخيرة.. «بأه أنا قائد الثورة تعملوا عليا ثورة يا جرذان!!. من أنتم؟!».

وهذه النهايات المأساوية مختلفة تماماً عن نهايات الكتاب والمفكرين.. فسقراط مثلاً قال عند وفاته جملة واحدة قالها لأحد أتباعه.. ماذا قال؟!. «أنا سالف من جارى مبلغ صغير كده ياريت تبأة تدفعهوله.. أنا مش ناقص وجع دماغ !!» ومات.. وأوسكار وايلد، الكاتب الإنجليزى الشهير، قال عند موته.. «هكذا أموت كما عشت حياتى.. نفقاتى أكثر من دخلى».. وهذا يؤكد أن الفلوس تظل هى القضية الأساسية التى تشغل رأس الكاتب حتى آخر لحظة فى حياته.. وذلك ما جعلنى أفكر فى تلك الجملة التى سأقولها لحظة موتى.. سأقولها وأنا أحتضر بوهن للمدام الواقفة إلى جوارى تبكى.. إبأى إدفعى قسط الجمعية يا أم محمود!!. هنا ستصرخ المدام قائلة.. إنت لسه مادفعتوش؟!. أمال وديت الفلوس فين؟. ذلك السؤال الذى لن تحصل أم محمود على إجابة له أبداً.. لأننى سأكون بأتحاسب فعلاً على كل حاجة..

ولكل هذه الأسباب.. فإننى أتراجع تماماً ونهائياً عن فكرة الترشح لرئاسة الجمهورية، وإنى لأدق ناقوس الخطر هنا.. فلابد أنكم لاحظتم بالتأكيد أن مئات من الشخصيات العامة رفضوا أن يتولوا الوزارة أو يعينوا كمحافظين!!. هذا الكلام لو قلته منذ خمس سنوات فقط لظننى القراء قد جننت.. ولكن هذا حدث أمام أعيننا ولا يمكن إنكاره.. إذا ظللنا على هذا الحال سيتراجع الجميع مثلى عن الترشح للرئاسة.. وسيأتى وقت لن نجد فيه رئيساً.

وخذوا حذركم.. الإخوان يتحرقون شوقاً لكى يأتى هذا اليوم وينتظرونه بفارغ الصبر، وعندها لن يرشحوا لنا رئيساً فقط.. وإنما كالعادة سيرشحون رئيسين!!.

* تليفونى زى ما هوه.. ما اتغيرش

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية