لو أن برشلونة وفلسفتها الكروية ديانة، فإن يوهان كرويف هو الرب، وبيب جوارديولا هو الرسول، بينما لويس إنريكي هو رجل الدعوة الجديدة الذي لا يحبه الأتباع والسلف، لكن يزكيه الرب والرسول.
بداية الدعوة
بنى يوهان كرويف فلسفته الكروية من فترة لعبه في نادي أياكس أمستردام الهولندي حين لعب الفريق بطريقة الكرة الشاملة، ونقل جزءًا من تلك الفلسفة عندما كان لاعبا في صفوف برشلونة، قبل أن يحول برشلونة كليًا بتدريبه للفريق في التسعينيات وفوزه بأول لقب لدوري أبطال أوروبا مع الفريق كمدرب ووضع دستور لأكاديمية النادي للناشئين «لا ماسيا»، فصنع الهولندي «ديانة» جديدة لبرشلونة، الاستحواذ، الكرة الهجومية، بناء الفريق الأول يبدأ من تعليم أطفال «لا ماسيا» الاستحواذ والسيطرة على الكرة لمنع الخصم من الحصول عليها.
كانت تلك هي مقومات الدين الجديد في البرسا، قبل أن يأتي أول رسول لها في صورة بيب جوارديولا، ناشيء «لا ماسيا»، لعب تحت قيادة «كرويف»، كان قائد للفريق، ثم مدربًا للفريق الثاني قبل أن يفوز مع الفريق الأول بأربعة عشر بطولة في سنوات هي الأفضل للبرسا، ثم رحل.
تعاقب رجال بنفس مفاهيم «كرويف» وعقيدته بداية من تيتو فيلانوفا، مساعد «الرسول» بيب في رحلته التدريبية، ثم جاء عام تاتا مارتينو الذي لن يتذكره أحد بعد اليوم، قبل أن تبدأ مرحلة جديدة في تاريخ البرسا بوصول لويس إنريكي.
ابن خيخون vs ابن «لا ماسيا»
إنريكي لعب كرته الأولى في خيخون، ولد في أستورياس وليس كاتالونيا، لعب في خيخون كناشيء وليس «لا ماسيا»، قضي خمس سنوات في ريـال مدريد الغريم الأزلى للبرسا، لم يحقق دوري أبطال أوروبا ولم يكن قائدًا للفريق، لعب فقط أربع سنوات في البرسا.
على عكس جوارديولا النحيل الذي لم يشتهر يومًا بقدراته البدنية، فإنريكي كان لاعب ديناميكي، حتى اليوم يخوض سباقات اختراق الضاحية، يركض لمسافات طويلة 50 كيلومتر في فرنسا، و200 كيلومتر في جنوب إفريقيا، وسباق آخر لأكثر من 250 كيلومتر في المغرب، يحافظ على لياقته البدنية ويعتبرها ميزة لا يجب التخلي عنها، بينما فلسفته الكروية تتمحور حول الكرة المباشرة ومباغتة الخصم.
جوارديولا يزكي إنريكي
عندما طلب نادي روما من جوارديولا أن يتولى قيادة الفريق، اعتذر الأخير ورشح لهم لويس إنريكي، لا يوجد سبب معلن غير أن جوارديولا رأي في إنريكي نموذج يناسب الكرة الإيطالية أكثر منه مع وجود جزء من فلسفة برشلونة داخله.
لكن بوجود إنريكي على رأس قيادة برشلونة تغير الأمر كثيرًا، فتعليق جوارديولا الأول على فريق برشلونة كان «الفريق ينفذ أفضل هجمة مرتدة في العالم»، قد يري البعض أن هذا مدح، فيما متعصبي برشلونة لا يرون أن مديح في وصف فريقهم بالقادر على تنفيذ الهجمة المرتدة، ففلسفة الفريق تعتمد بالأساس على الاستحواذ.
الدين الجديد
بدأ إنريكي موسمه بشكل عادي، حقق الفوز في تسع مباريات وخسر أهم لقاء أمام ريـال مدريد، كانت الأمور غير مستقرة في الفريق حين لم يلعب بأي تشكيلة ثابتة لمبارتين متتاليتين لأكثر من 25 مباراة، حتى جاءت مباراة ريـال سوسيداد في الأنويتا، إنريكي قرر ترك ميسي على مقاعد البدلاء، حتى جوارديولا لم يقدر أن يفعل ذلك، فهبة الرب الأرجنتينية لا يجب أن تعامل بهذه الطريقة، قابل ميسي الفعل برد فعل مماثل، لم يحضر التدريب السنوي المفتوح لجماهير البرسا، كانت الخلافات بين الإثنين تؤكد أن رحيل إنريكي مسألة وقت، وكان تعليق المدرب واضحًا في المؤتمر الصحفي، قال للصحفيين بعد الهزيمة ان موسم القنص بدأ يمكنهم أن ينتقدوه كيفما يحلو لهم، لكن موسم قنص إنريكي لم يستمر كثيرًا بعدما استطاع أن يفرض دينه الجديد على كل متابعي الفريق.
حول إنريكي ميسي جهة اليمين، وجعل سواريز رأس حربة كلاسيكي، الفريق يلعب كرة مباشرة، يفوز على مدريد من كرة طولية يتسلمها سواريز ويسجل، أعمدة ديانة برشلونة القديمة تنهار، الفريق يلعب بارتكازي دفاع في آخر عشرين دقيقة للحفاظ على الفوز، وجماهير برشلونة لا تمتلك من أمرها شيء سوى تشجيع الفريق ليمر من عقبة مدريد.
أمام بايرن يخسر برشلونة الاستحواذ ويسجل ثلاثية نظيفة، لثاني مرة خلال 442 مباراة بعد مباراة الفريق أمام رايو فايكانو العام الماضي تحت قيادة تاتا والتي فاز فيها الفريق برباعية نظيفة.
ربما يفرح الكثير من متابعي البرسا بنتائج الفريق، فهو على بعد خطوة من الفوز بثلاثية تاريخيه لم يحققها سوى الرسول الأول، لكن متتبعي الفريق القدامى يواجهون مشكلة كبيرة مع طريقة لعب إنريكي، يرون أنه غير ملتزم بتعاليم الرب فيما الرب نفسه يمدحه ويمدح قدرته على دمج ثلاثة لاعبين كل واحد فيهم يتشكل حوله منتخب وطني، هذه المعطيات هي أحد أسباب رفض إنريكي الحديث عن التجديد، ربما هو لا يحب أن يكون ورقة انتخابية، ربما لا يجد في البرسا أفضل مكان لتطبيق فلسفته الكاملة، ربما يشعر بضيق من توارد الأخبار في منتصف الموسم أن الإدارة تبحث عن مدرب جديد، لكن الأكيد ان إنريكي يغير من عقلية برشلونة يطورها بشكل مختلف، النجاح يساعده في التطبيق لكن قريبًا جدًا سيدخل في صدام جديد مع سلفيي البرسا.