x

يسري الفخراني أين تذهب تبرعات رمضان؟ يسري الفخراني الثلاثاء 02-06-2015 21:14


صدق أو لا تصدق، ويجب أن تصدق، أن مصر (بكل فقرها وفقرائها) أكثر دولة فى العالم يتداول فيها عمل الخير فى شهر رمضان الكريم. على بعد أيام من الشهر الفضيل أجد أن مراجعة أرقام عن فعل وأعمال الخير فيه وفى بلد نسبة الفقر فيه ضاربة فى العمق.. وقفة جميلة تستحق، ما سر هذا الوطن الذى يقتسم اللقمة والطبق والجنيه متجاوزا كل منطق، إلا اتفاقية سرية مع الله سبحانه وتعالى لكى يسود الخير منتصرا على الشر شهرا فى السنة؟!

من فضلك، عندى رغبة فى أن تصدق أكثر المعلومات التالية: 1 ـ حصيلة التبرعات المدفوعة نقدا إلى مؤسسات خيرية ومساجد ودور أيتام ومستشفيات تبلغ حوالى 7 مليارات جنيه. 2 ـ نسبة المتبرعين من أصحاب الدخول البسيطة تصل إلى أكثر من 85 فى المائة من حجم التبرعات. 3 ـ عدد من يفطر على موائد الرحمن فى مصر يصل إلى مليون ونصف المليون محتاج. 4 ـ تتراوح شنط رمضان التى يتم توزيعها من 20 إلى 30 مليون شنطة تصل إلى حوالى 5 ملايين بيت وعائلة 5 ـ يتم توزيع ما يقرب من 500 طن بلح على الصائمين وقت الإفطار فى المساجد والشوارع.

يمكن أن أكمل، غير أن المقال محاولة للإجابة عن سؤالين: الأول هو البحث عن سر هذا التغيير الذى يحدث فى المجتمع المصرى خلال شهر رمضان إلى درجة يصعب مقارنتها بكل شهور السنة، الثانى هو قدرتنا على تنظيم كل هذا العطاء الخيرى فى شكل يتجاوز سد الجوع إلى خلق فرص عمل ومشروعات تدر دخلا ثابتا مستقرا طوال العام لمن هم تحت خط الستر.

الأول ليس له إجابة، إنما إجابات، أحدها أن الإنسان المصرى مهما تجاوز فى علاقاته بالناس، يجد أن الحائط الوحيد الذى يمكن أن يستند إليه فى مهام حياته الصعبة لكى يمضغ عيشه وعيشته ويمضى هو علاقته بفعل خير. لاحظ النذور ومواقيت الانتخابات والمرور بأزمة أو اختبار صعب، لكن هذه ليست الإجابة الأولى ولا الأخيرة. إن شهر رمضان يحمل فى مصر وحدها طقسا غير أى بلد آخر، طعما مصريا خالصا، بكل التفاصيل التى أصبحت جزءا من الحياة الرمضانية، فعل الخير أحدها، حتى وإن لم تتوقع من يفعلها.

فى تقديرى أن شهر رمضان يكشف عن معدن حقيقى خفى للمواطن المصرى، معدن فيه طيبة وجدعنة وشهامة وتدين، مهما اختلفت الظروف أو اختلت، هو كذلك، مسلم أو مسيحى، وإن حاولت أجهزة إعلام وأخرى أن تدعى على الإنسان المصرى غير ذلك، أو هو أظهر- على سبيل القوة أو القدرة على الحياة- صورا مختلفة عنه، صح ما أقول أو تختلف معه، شهر رمضان يجلو النفس أو يصل لنقطة بعيدة فينا، فنكتشف أن داخلنا نبع ماء عذب ولو كنا لا ندرى.

يمكن أن أترك لك مساحات أخرى فارغة لتكتب المزيد عن السر فى حالة التغيير، لأنتقل للسؤال الذى يطاردنى سنوات بعيدة: هل يمكن بالفعل أن تتحول التبرعات التى تصل إلى مؤسسات اجتماعية إلى مشروعات؟ أعتقد أن السنوات الثلاث السابقة تقريبا فعلت ذلك، وقادتها مؤسسات مثل الأورمان وبنك الطعام ومصر الخير، من فعل الخير إلى صناعة مستقبل، لكن تابعت وأعتقد أن هذه المؤسسات وغيرها يجب أن تتطور فى إقامة مشروعات تضمن دخلا محترما وثابتا، فتقيم مشروعات إنتاجية صغيرة وليست مجرد كشك أو بقالة صغيرة كما يحدث، وأن تعتمد هذه المشروعات والصناعات على ما يليق بكل قرية أو مدينة لاستغلال الموارد الطبيعية فيها، مثل صناعات تعليب البلح وصناعة الخيش والجريد فى رشيد مثلا، مطلوب نضج المشروعات التى تقيمها هذه المؤسسات وجديتها، أما مؤسسات أخرى قائمة على صحة الإنسان مثل مستشفى السرطان ومستشفى مجدى يعقوب ومعهد الأورام، فهى تقوم بدور إنسانى رفيع يجب أن يجد دعما أكبر من رجال الأعمال فى توفير الإمكانات ومن الدولة لتوفير الأماكن التى يقام عليها فى كل مدينة مستشفى.

على عتبات الشهر الكريم، أعود وأرجو منهم جميعا رجاء كل عام الذى لا يتحقق، لا تتاجروا من فضلكم فى إعلاناتكم بفقر الفقراء ولا آلام المرضى ولا جوع المحتاجين، لا تناضلوا بما فعلتم، المسألة أبسط من ذلك، التبرعات لن تزيد مليما صدقونى بإعلانات القهر والخوف والصراخ، ولن تقل إذا حجبتم هذه الإعلانات، أو على الأقل الاكتفاء بإعلان قصير عن جهة التبرع والغرض منها والوسيلة لها، عيب أن نتاجر لنبتز المشاهد، وعيب أن تكون صورتنا التى نصر على تصديرها أننا شعوب جائعة، وعيب أن تدفع المؤسسات والجمعيات مليار جنيه وأكثر ثمنا لإعلاناتها على حساب المتبرع.

الرغبة فى التبرع والمساعدة والمساندة موجودة.. لا تنتظر إعلاناتكم، إلا إذا كان فى الخلفية رزق للوكالات الإعلانية يتم اقتسامه مع السادة المعلنين!

مصر جميلة، وستظل، حافظوا عليها.. ورمضان كريم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية