x

صلاح السقا.. الرجل الذى حوّل العرائس من «لعب عيال» إلى «سياسة»

الأحد 26-09-2010 17:30 | كتب: نجلاء أبو النجا |
تصوير : طارق وجيه

صباح السبت 25 سبتمبر، وفى مستشفى الشروق، انتهت رحلة مخرج «الليلة الكبيرة» و«عقلة الأصبع» و«الشاطر حسن» و«الأطفال يدخلون البرلمان» و«الوزير سعدون»، رحل فارس مسرح العرائس ورائد هذا الفن فى مصر والدول العربية الفنان محمد صلاح الدين السقا. وإذا كانت الأجيال الجديدة تعرف هذا العملاق بأنه والد أحمد السقا نجم السينما، فالأفضل والأجدر أن تعرف أن أحمد ابن رجل مهم لم ينل ما يستحقه من تقدير فى حياته، فهو المحامى الذى ترك القانون ليلعب بالعرائس ويصنع منها فنا وفكرا وعلما، ولأنه كان من جيل لا يعترف بالهواية فقط، قرر أن يثقل حبه لفن العرائس، فدرس على يد الأب الروحى لفنانى العرائس فى العالم «سيرجى أورازوف» فى رومانيا وحصل على دبلوم الإخراج المسرحى تخصص فن تحريك العرائس، وعاد إلى مصر ليستكمل الدراسة فى هذا التخصص ويحصل على ماجستير فى فن العرائس أواخر ستينيات القرن العشرين.

تميز السقا بعشقة للأطفال، ورغبته فى إحداث انقلاب فى فن العرائس الذى أخرجه من حيز «لعب عيال» إلى منطقة أخرى تعتمد على ثقل عقول الأطفال والمراهقين وتنمية أفكارهم، كما أصر أن يقدم الثقافة والسياسة والوعى والأخلاق، وكانت العرائس وسيلته لتوصيل أفكاره، وتعمد اختيار مسرحيات لا تخلو من التثقيف غلفها بإطار فنى ترفيهى ممتع يستخدم فيه كل أدواته وحرفيته وموهبته وخفة ظله، فأصبح الأب الروحى لهذا الفن الذى جعله لا يقل فى تأثيره عن السينما والتليفزيون والمسرح.

وجد السقا ضالته أواخر الستينيات فى أشعار صلاح جاهين وألحان سيد مكاوى، فقدموا معا أقوى عمل فى تاريخ مسرح وفن العرائس وهو أوبريت «الليلة الكبيرة» الذى حقق انقلابا فى تاريخ مسرح العرائس المصرى والعربى، خاصة أن القيمة الفكرية فى العمل لم تقل عن القيمة الترفيهية، واختلفت الأقوال حول الإسقاطات السياسية للمولد الشعبى الذى نصبه الثلاثى السقا وجاهين ومكاوى، ومدلول الشخصيات التى قدموها مثل الأراجوز وبائع البخت والقهوجى والمنشد والفلاح. كما تعاون مع عدد كبير من أبرز الشعراء أصحاب الأفكار المهمة، فتعاون مع عبدالرحمن الأبنودى وسيد حجاب فى بعض المسرحيات الناجحة. فى حياة السقا محطة مهمة لا يمكن اغفالها، عندما حضر الرئيس جمال عبدالناصر أحد العروض المسرحية التى أخرجها السقا، وكان ذلك يوم 3 مارس عام 1960، ومن شدة إعجابه بفن العرائس قرر إنشاء مسرح خاص للعرائس، وبالفعل تم بناء مسرح العرائس بالأزبكية وأصبح السقا مديرا له عام 1969، بعدها تقلد عددا من المناصب منها رئاسة البيت الفنى للمسرح ورئاسة المركز القومى للمسرح والفنون الشعبية والموسيقى، وتكريما لإنجازاته حصل على عضوية الهيئة العامة لفنون ومسارح العرائس، وجوائز من معظم دول العالم وعلى رأسها أمريكا وإيطاليا وألمانيا والنمسا.

السقا حمل على عاتقه مهمة تأسيس مسرح للعرائس ليس فى مصر فقط بل فى الدول العربية ومنها سوريا والعراق والكويت وقطر وتونس.

لم يكن الراحل عاشقا للمادة ولا للشهرة، ولم يسع يوما وراء إغراءات العروض التجارية التى انهالت عليه طوال حياته، بل عاش زاهدا فى المادة، نهما فى حب الفن فرحل وترك اسمه كأبرز وأعظم رائد لفن مسرح العرائس فى مصر والعالم العربى، ويكفيه أنه أدخل مادة مسرح العرائس لتدرس بالمعاهد الفنية المتخصصة.

ورغم ما وصل إليه فى كل دول العالم، إلا أن الفلاح الموجود بداخله بحكم مولده ونشأته بقرية أجا بمحافظة المنصورة ظل مسيطرا عليه ومتحكما فى حياته الخاصة وطريقة تربيتة لابنيه الوحيدين أحمد وفاطمة، لذلك ورث أحمد من أبيه اخلاق وطباع وتقاليد الفلاحين حتى بعد أن أصبح من أشهر نجوم السينما المصرية، وكان ينتهز الفرص ليحكى فى جلسات الأصدقاء والمقربين عن علاقته الوطيدة بأبيه، وكم تأثر به وبطباعه وأخلاقه،

 فقال إن الدرس الأول من السقا الكبير للصغير أن يكون فلاحا وابن بلد جدع يشبه رجل الشارع العادى ولا يغره المال ولا الشهرة، وعلمه أن يعتمد على نفسه، فعندما دخل أحمد معهد الفنون المسرحية، كان يعلم أن أباه سيرفض الوساطة، وسيتركه مثل أى شاب يحاول الحصول على فرصة، لذلك دخل المعهد دون أن يطلب من ابيه المساعدة، وتحدى نفسة ليثبت لأبيه أنه تعلم معنى الرجولة، ونجح فى أن يكون الأول دائما على دفعته، كما حكى أحمد أن أباه كان السبب فى عشقه للحيوانات خاصة الحصان فنشأ حبه للفروسية، وقال له أبوه ذات مره: «إذا كنت تركب حصانا لتحصل على لقب فارس، فالأولى أن تكون فارسا فى أخلاقك وإلا فلا تركب هذا الحصان»، وأهم ما علمه السقا لابنه ألا يغلبه حب المال وأن الرضا هو الغنى الحقيقى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية