فوجئت إسرائيل، كما يحكى موشيه ديان، بإعلان الرئيس السادات استعداده الذهاب إلى البرلمان الإسرائيلى. «وبعد أن فكر بيجين ملياً، طرد كل شك ورحب بالزيارة، إذ كان يدرك أهميتها كخطوة أولى فى السعى لإقرار السلام». غير أنه لم يتم الإعداد بعناية للمباحثات عقب وصول السادات. ولذلك يقول ديان- وهو عسكرى عملى: لم أكن أشعر بالارتياح لما يصل إلى مسامعى من القاهرة، فقد بدا أن المصريين يتوقعون أن تعلن إسرائيل بكرم سخى التزامها بالانسحاب من كل الأراضى التى تحتلها.
■ كان أول اجتماع مع السادات اشترك فيه ديان فى اليوم التالى لوصوله إلى القدس على الغداء بحضور ستة.. السادات، ومصطفى خليل (وكان وقتها سكرتيراً للحزب الحاكم، وفيما بعد أصبح رئيساً للوزراء ووزير الخارجية) وبطرس غالى، ومناحم بيجين، وييجال يادين، نائب رئيس الوزراء، وديان. وقد دعا بيجين السادات لافتتاح المناقشة ووافق السادات وأخذ يروى لنا كيف أنه فى كل زيارة للكرملين كان السوفيت يقولون إن مهمة الضيف هى البدء بالحديث، إلا أنه سرعان ما تمكن ببراعة من إعادة الكرة إلى مسامعنا قائلا: إنكم تعرفون بالفعل كل ما لدى، فقد أعربت علانية عن آرائى. وسأله يادين عما يرغب فى أن يقوله لنا علاوة على ما أعلنه، فتدخل مصطفى خليل فى الحديث قائلاً إن علينا فهم أنهم لا يرغبون فى ترك الانطباع فى مصر بأنهم يجرون مفاوضات مباشرة معنا. وكان يوجه هذه الملاحظة إلى بيجين الذى اقترح فى بداية الغداء إقامة خط ساخن بين القدس والقاهرة على غرار الخط المقام بين واشنطن وموسكو. كذلك طلب منا خليل عدم إثارة أى مقترحات قد تنم عن رغبة المصريين فى توقيع سلام منفرد. عندئذ أدلى بيجين ببعض الملاحظات العامة، قائلا: لقد حان الوقت لإقرار السلام، وإن المشاكل التى تواجهنا عديدة ومعقدة، ومن ثم لابد لنا من أسلوب ووسيلة لإجراء المناقشات.
ظهر السادات- يقول ديان- كما لو خاب أمله، فما كان يرغب فى الإجراءات وإنما فى الجوهر. وكانت كلماته واضحة لا تحمل غير معنى محدد، وقد سألته مباشرة عما إذا كان يرغب خلال زيارته الحالية فى مناقشة مسائل جوهرية مثل المشكلة الفلسطينية ومرتفعات الجولان والاتفاق مع الأردن. وكان رده إيجابيا تماما، فقد أتى إلى القدس لهذا الغرض بالذات. قلت: ألا يرغب فى ترتيب معين يتعلق بالإجراءات، كتشكيل لجنة مشتركة على سبيل المثال، حتى يتسنى لنا مواصلة المباحثات؟ فقال على نحو غير متوقع: لا.. لا ضرورة لمثل هذه اللجنة، لابد لنا من مناقشة جوهر الأمور. وكان ذلك يعنى أنه كان يريد أن يعرف منا ما الذى نحن على استعداد لتقديمه.. وانتهى غداء العمل دون اتخاذ أى قرارات عملية، غير أن ما هدف إليه السادات من وراء زيارته- يقول ديان- أصبح واضحاً، وهو الحصول على استجابة منا لمشروعه للسلام عند طرح هذا المشروع على الكنيست بعد ظهر ذلك اليوم الذى سيتحدث فيه إلى الكنيست، معتقدا أن الكنيست- ولم نكن قد تلقينا مقدماً نسخة من نص خطابه- سيقتنع بكلماته ويقبل مقترحاته.
■ ■ ■ ■
كان خطاب السادات فى الكنيست- يقول ديان- خطاباً موفقاً، ولقى آذانا صاغية. وكانت مطالبه شديدة الوضوح فى تنازلات إسرائيل عن الحدود والقدس والدولة الفلسطينية. «ورغم مطالبه المتطرفة، فقد شعرت أنه صادق فى إنهاء سلسلة الحروب مع إسرائيل». وعندما خفّت حدة التصفيق له جاء الدور على مناحم بيجين لاعتلاء منبر الخطابة، وقد اتسم خطابه بالإيجاز والطلاقة. وقد تجاهل بيجين المسألة الفلسطينية، وركز على القدس، مشيراً إلى أنه منذ توحيدها فى ٦٧ وحرية الدخول إلى الأماكن المقدسة مكفولة لجميع الأديان. أما عن الحدود مع مصر، فحث السادات على عدم استبعاد أى موضوع، بزعم أنه غير قابل للتفاوض، فالحكومة الإسرائيلية ترى أن كل شىء قابل للتفاوض وينبغى ألا يضع أى طرف شروطاً مسبقة.
على العشاء فى الثامنة مساء ذلك اليوم، كان هناك ثلاثون من الإسرائيليين والمصريين، وقد جلس بيجين إلى جانب السادات وجلست أنا- يحكى ديان- إلى الجانب الآخر، وقد سألته عن زيارته بعد أن تناولنا الطبق الأول من الطعام فى صمت، فأجاب بأنه شعر بإحباط شديد، ولا سيما من خطاب بيجين، وأنه يعتزم التصريح بذلك فى المؤتمر الصحفى المشترك الذى سيعقد فى اليوم التالى. قال إننا رفضنا كل مقترحاته للسلام. فقلت له إن هذا ليس صحيحاً وإنه ما كان ينتظر أن يقول له بيجين نعم يا سيدى لكل مطالبه، فما اقترحه بيجين إجراء مفاوضات دون شروط مسبقة. وسألته ما إذا كانت المباحثات ستستمر، فأشار إلى ما توصل إليه مع بيجين فى الليلة السابقة من أنه سيلتقى حسن التهامى فى المغرب، أو فى رومانيا، بناء على بادرة من تشاوسيسكو. أما بالنسبة لما ذكره بيجين عن احتمال ذهابه إلى القاهرة لإلقاء خطاب بدوره فى البرلمان المصرى، قال السادات إنه لا يمكنه الموافقة على ذلك، طالما نحن نحتل سيناء وهى أرض مصرية.