x

«الحارة».. تفاصيل حقيقية تنبض بالحياة

الخميس 23-09-2010 08:35 | كتب: نجلاء أبو النجا |
تصوير : other

رغم تقديم الحارة المصرية فى أعمال سينمائية وتليفزيونية لا تحصى، فإن معظمها كان يظهر جانباً واحداً فقط من الواقع، لكن مسلسل «الحارة» الذى عرض فى رمضان قدم الحارة المصرية الحقيقية بكل تفاصيلها السعيدة والحزينة وبشكل أكثر تأثيرا وواقعية من حيث الحكايات والأبطال والديكور والإضاءة والملابس، فخرجت حارة «لحم ودم» بدءا من السيناريو المتشعب للمؤلف أحمد عبدالله والذى نفذه المخرج سامح عبدالعزيز بواقعية وطريقة تصوير أقرب إلى الشكل التسجيلى بمساعدة مهندس الديكور ومصمم الملابس إسلام يوسف الذى نقل تفاصيل وروح حوارى الأباجية والحطابة وملابس قاطنيها دون تكرار فشاهدنا حارة بكل ما تحمل الكلمة من حياة.

أحمد عبدالله: بعد أن وفرت «لقمة العيش».. حان وقت الكتابة الجادة

عاش سنوات يكتب فى أفلام السينما، فحصد الممثلون النجومية والشهرة، وحصد هو أشواك النقد والتجريح والاتهامات بالسطحية والركاكة وإفساد الذوق العام.

أحمد عبدالله الذى ارتبط اسمه بالأفلام الكوميدية الخفيفة، بدأ رحلة تغيير «جلده» بفيلمى «كباريه» و«الفرح» اللذين كانا مفاجأة، وفى مسلسل «الحارة» أثبت أنه من أثقل المؤلفين الذين كتبوا للدراما والسينما بسيناريو عن المهمشين والمعدومين وهمومهم وأحزانهم وأفراحهم.

أحمد عبدالله تحدث فى حواره مع «المصرى اليوم» عن حكايته مع «الحارة» وأهلها وإلى نص الحوار..

■ لماذا كتبت مسلسلا عن طبقة المهمشين رغم أنك تعرضت لهم فى فيلمى «كباريه» و«الفرح»؟

- نعم تعرضت لتلك الطبقة وهؤلاء الناس فى السينما لكنى كنت أعلم جيداً أنهم ربما لا يستطيعون أن يقطعوا تذكرة سينما حتى لو كانت درجة ثالثة لأنهم لا يملكون ثمن رغيف العيش، وبالتالى فالسينما ليست فى قائمة أولوياتهم، فقررت أن أذهب إليهم فى بيوتهم المتواضعة حتى يشاهدوا أنفسهم.

■ وما الفائدة من أن يشاهدوا أنفسهم؟

- حتى يشعروا أن المجتمع والتليفزيون والفن يعرفونهم جيداً ويهتمون بهم وينظرون إليهم بصورة متكاملة أى بمميزاتهم قبل عيوبهم، وتتبدل الصورة السلبية فى الفن التى اعتادت تصوير هؤلاء الفقراء فى شكل بلطجية وهمج وشحاتين.

■ لماذا تسيطر هذه الطبقة على كتاباتك فى الفترة الأخيرة؟

- كنت أنتظر الوقت المناسب للحديث عنها باستفاضة، ولا أنكر أن طبقة البسطاء المعدمين الذين يعيشون تحت خط الفقر تسيطر على تفكيرى وتحركنى وتطاردنى لأنها تمثل 80% من الشعب المصرى، وإذا أمكن تغييرها للأفضل فهذا يعنى أننا يمكن أن نغير البلد كلها، فنحن نقابل مشاكلهم بإهمال شديد فأصبحوا ضحايا الفقر والجهل وظلم الحكومات المتعاقبة، ولو تغيرت المعاملة، وشعروا بأهميتهم سيتحولون إلى طاقة إيجابية مذهلة تفيد المجتمع.

■ كيف رصدت أدق التفاصيل الشكلية والإنسانية فى حياتهم؟

- هؤلاء الناس يعيشون بيننا ونقابلهم كل يوم فى حياتنا، ومعظم الشعب المصرى ينتمى فى الأساس للعشوائيات بحكم التركيبة السكانية فى القاهرة مع استثناءات ضئيلة.

■ ما الاختلاف الذى تحقق عندما تناولت تلك الطبقة؟

- لا أدعى شرفاً لا أستحقه، ولن أقول أحدثت اختلافا، لكن الناس وصلها بقوة ما أريد أن أقوله عن هؤلاء البسطاء لسبب مهم جداً وهو أننى لم أتناولهم فى الأعمال الأخيرة بشكل ظالم مثلما حدث فى معظم الأعمال السينمائية والتليفزيونية التى قدمتهم بشكل غير واقعى ودون عمق، أما فى «الحارة» وكانت صورة هؤلاء الناس واقعية، ولأول مرة يشعرون أنهم يرون أنفسهم دون مبالغة أو تسطيح لدرجة أن البعض منهم قال لى: «المسلسل يشبه العمل التسجيلى الحقيقى» لأنه رصد التفاصيل الحقيقية للشخصيات والمكان والبيوت والملابس.

■ كيف تعاملت درامياً مع 150 شخصية بحكاياتها؟

- المسلسل فيه أكثر من 150 شخصية منها 35 بطلاً فعلياً، ولكل شخصية حدوتة وخط درامى، لكن الجميع يجتمعون فى النهاية فى تكوين واحد وهو «الحارة» رغم اختلافهم فى الأهداف والمبادئ والأخلاق، وقد يكون هذا التعدد الكبير شديد الإرهاق فى الكتابة والتنفيذ، إلا إننى كان هدفى التمرد على الملل والسخافة والرتابة التى تعانى منها الدراما المصرية والتى تجعلنى أهرب من مشاهدة أى مسلسل مصرى، وكان عندى حلم واحد قبل دخول الدراما وهو أن أختلف عن الجميع وأقدم شخصيات كثيرة وحواديت متعددة يتابعها الناس ويشعرون بالتغيير.

■ هل صحيح أنك تكتب من خلال ورشة كتابة تساعدك فى الشخصيات والأحداث؟

- رغم أنى لست ضد الورش، لكن لم ألجأ فى حياتى لأى ورشة ولا مساعدة من شخص فى الكتابة لأنى أخاف بشدة على روح الحوار والشخصيات ولا أثق فى أن يكتبها شخص غيرى.

■ هل كل هذه الشخصيات والحكايات من خيالك أم رصدتها من الواقع؟

- لم أتعمد رصدها ولم أذهب لمكان معين لأسجل تفاصيل وحكايات هؤلاء الناس، فأنا أعتبر نفسى «راجل شوارعى» لا أعيش فى أجواء المؤلفين وأحبس نفسى فى صومعة حتى أخرج كنوز الإبداع كما يقولون، وأنا باستمرار فى الشارع أجلس على المقهى وسط الناس، وأجهز نفسى دائما لأسمع كل كلمة وحكاية وحوار وتفصيلة وموقف منهم، وأسجل كل ذلك فى خيالى، وعندما أكتب أجد هؤلاء يقفزون على الورق دون أن أدرى.

■ ولماذا تعرضت لكل هذه القضايا مثل التطرف الدينى وتجارة الأدوية ونفاق رجال الدين والخيانة والانتماء وغيرها؟

- لم أتعمد ذلك، لكن طبيعى بما أنى أقدم 150 شخصية أن أمر على عدد كبير من القضايا، ولو قدمت شخصيات أقل كان يمكن أن تكون القضايا أقل، لكن أنا سعيد بهذه التخمة من القضايا التى شعر الناس أنهم يمرون عليها بعمق ودون تعقيد، وأعرف أن هذا كثير على مسلسل، لأن أى مؤلف كان يمكن أن يدخر هذه القضايا «ويعمل عليها 500 مسلسل» لكن لو اختزلت القضايا كان يمكن أن أقدم مسلسلاً عادياً، ومن أجل إثراء ثلاثين حلقة بأحداث جديدة وإيقاع سريع ومواقف مختلفة كان لابد أن نحشد قضايا وشخصيات.

■ اقتربت بجرأة من بعض المحاذير مثل رجل الدين الذى يقع فى الخطيئة والفتنة الطائفية ورجل السلطة المستغل لنفوذه، هل حسبت هذا الاقتراب؟

- تعمدت الاقتراب من كل الشخصيات فى الواقع كبنى آدمين، وليس كشخصيات دينية أو أصحاب مهن، فهم من لحم ودم وفيهم عيوب ومميزات، ومن يخطئ يعاقب بشكل إنسانى، وهكذا تعاملت مع المحاذير ولم أخف من أى شىء لأن الصدق فى التعبير أفضل من الخوف والمرور بشكل منافق من تلك الرموز، فرجل الدين الذى قام بدوره صلاح عبدالله رجل طيب وصالح لكن به بعض النفاق، وهناك مواجهة بينة وبين غرائزه بحكم أنه إنسان، وكان هدفى أن أقول لماذا نعاقب بشراسة رجل دين صالح لمجرد أن له خطأ إنسانياً فى حين نترك أشخاصاً شديدى الفسق والفجر.

أما شخصية أمين الشرطة المتسلط فيعكس الوجه القبيح للسلطة والقمع الذى تمارسه فى بعض الأحيان، فجاء باسم السمرة فى دور رجل السلطة الواثق من نفسه بحكم سلطته وهذا نموذج حقيقى فى الواقع ومن ينكر وجوده كاذب.

■ هل ستكتب جزءاً ثانياً للعمل؟

فعلا نفكر فى جزء ثان، ولا أخاف فكرة التكرار لسبب واحد وهو أننا يمكن أن نستعرض نفس الشريحة بأوجاع إنسانية مختلفة، ولا أريد أحكاماً جاهزة واتهاماً بالتكرار دون مشاهدة الجديد خاصة أنهم اتهمونى بالتكرار بعد فيلمى «الفرح» و«كباريه» وعندما شاهدوا «الحارة» تراجعوا عن الاتهام.

■ ما ردك على اتهام أحد الكتاب لك باقتباس المسلسل والشخصيات من رواية هو مؤلفها؟

- لأول مرة أسمع هذا الاتهام، لكن عموما لا أهتم لأن هناك أشخاصاً يحاولون التعلق بأى شىء ناجح.

■ فى رأيك، لماذا تأخر الاعتراف بك ككاتب جيد إلا بعد «كباريه» و«الفرح» و«الحارة»؟

- أعترف بأننى تعرضت سنوات طويلة «للشتيمة والبهدلة والمسخرة» من النقاد، وكنت أتمنى وقتها أن أقول للنقاد: «يا جماعة أنا بعرف أكتب.. أنا مش راجل تافه استنوا عليّا»، وأعترف لأول مرة بأننى كتبت فيلم «الفرح» قبل أول أفلامى «عبود على الحدود»، لكن لم يكن الوقت مناسبا لمثل هذه النوعية، وكان جيل نجوم الكوميديا أصدقائى ويصعدون بسرعة الصاروخ لذلك خضعت لعدة اعتبارات أهمها ظروف السوق واحتياجى المادى لأتزوج وأكون أسرة وأعيش، كما أنى أحب الكوميديا ولا أراها بضاعة رخيصة، لكن عموما لم أتعجل نوعية الكتابات الجادة، وقد جاءت فى وقتها بعد أن استقرت حالتى المادية، وأصبح الوقت ملائما لأن أحقق أحلامى الفنية دون خوف من حسابات السوق ولا خطر «لقمة العيش».

لعب الديكور والملابس وتفاصيل الشخصيات الشكلية فى مسلسل «الحارة»، دورا مهما، ولم يقل مجهود إسلام يوسف، مهندس الديكور، ومصمم الملابس عن جهد المؤلف أو المخرج أو الأبطال، بل كانت كلمة السر فى نجاح المسلسل هى الواقعية والاستغراق فى التفاصيل الحقيقية التى لولا دقة الديكور والملابس والمكياج لخرج العمل ناقصا مهما كان محكم التأليف والتمثيل والإخراج.

إسلام يوسف صمم ديكور وأزياء حوالى 33 فيلما سينمائيا، فهو متخرج فى معهد السينما قسم هندسة المناظر الذى يعنى بدراسة الديكور والأزياء معا، وهو، تقريبا، الوحيد فى أبناء جيله الذى جمع بين المجالين، فعادة يكتفى خريجو هذا القسم بالعمل فى مجال منهما، وكان آخر من جمع بين المجالين هما الراحلين شادى عبد السلام وولى الدين سامح. «إسلام» تحدث عن ديكورات مسلسل «الحارة» ووجه الاختلاف بينها وبين فيلم «الفرح» الذى كان الديكور الأساسى فيه حارة شعبية.

إسلام يوسف: زرت حوارى الحطابة والأبجية.. ونقلت تفاصيلها وروحها دون تجميل

قال إسلام: أهم ما كان يشغلنى بعد نجاح «الفرح» أن أقدم حارة مختلفة تماما، كما كان من الضرورى أن أبنى الحارة كما هى موجودة فى الحقيقية، خاصة أن المسلسل يدور فى ثلاثين حلقة، والموضوع أكثر خطورة من الأفلام، كما وضعت فى اعتبارى أن يكون هناك توافق بين شكل بيوت الحارة من الداخل، وشكلها من الخارج، حتى يكون متاحا للمخرج أن يتعامل بسلاسة داخل البيوت وخارجها، وقد ذهبت لمنطقة الأباجية وشاهدت حواريها، وبنيت حارة المسلسل بنفس شكل الطوب والمبانى والسطوح والروح العامه، وتعمدت وجود حميمية وتواصل بين البيوت حتى لا تفصل الديكورات المتباعدة الممثلين، ففى الحوارى البلكونات والشبابيك الصغيرة بجانب بعضها، والناس يقفون ويتحدثون من البلكونات، لذلك صممت الديكور بهذه الطريقة حتى يمكن تصوير مشاهد فى الديكور الخارجى والبلكونات ولا يقتصر الحوار على البيوت فقط.

«إسلام» لم يهتم بجماليات الصورة والبريق فى الشكل، بقدر الاهتمام بالتفاصيل الواقعية، بل لم يحرص على تجميل التفاصيل، وقال: نقلت شكل أعمدة الإنارة فى الحوارى الحقيقية بتشوهاتها وأسلاكها المتربة والمتشابكة، كما حرصت على وجود دجاج وبط وإوز أطلقتها فى الحارة أثناء التصوير، لأن سكان الحوارى يطلقون الطيور الداجنة فى الحارات، كما حرصت على وجود غيات الحمام فوق الأسطح فى المشاهد الواسعة والمجمعة، وحتى ديكور البيوت الصغيرة جدا كان مطابقا لما هو موجود فى الواقع، فأحضرت «كنب بلدى» وقلل ومناضد، صغيرة يوضع عليها التليفزيون الصغير.

كان شكل وملابس الممثلين والممثلات من أهم العناصر التى لفتت الأنظار، خاصة أن ملابسهم كانت بسيطة ومشابهة للواقع، والممثلات ظهرن دون مكياج، وبشكل لم يظهر من قبل على الشاشة، وعن تلك التفاصيل قال «إسلام»: التعبير بدقة عن الجانب الشكلى لهؤلاء الناس غاية فى الخطورة، لأننا نراهم يوميا فى المواصلات والشارع، لذلك فأى مبالغة فى الشكل سيتم اكتشافها وستقلل من صدق الشخصية، خاصة أن معظم الأعمال التى تناولت هذه الطبقة، أظهرت شكلها بصورة شديدة المبالغة، لذلك تعمدت أن يكون شكل الأبطال طبيعيا جدا ودون أى مكياج، حتى لا تفصل المساحيق المشاهد عن وجه الممثلة أو الممثل، وبصراحة الجميع تعاونوا معى بشكل مذهل ودون أى شروط، فظهرت الممثلات دون نقطة مكياج، وحتى الشعر تركنه دون أى تصفيف، بل الأغرب من ذلك أن نيللى كريم مثلا طلبت منها أن تجعد شعرها ليظهر بشكل غير منظم أو مبهر وطلبت منها أن تضفره ضفائر صغيرة وتتركه يجف حتى يصبح مجعدا، دون استخدام أى وسائل تصفيف، أما الملابس فكان أكثر ما يخيفنى أن تظهر كل سيدات المسلسل بملابس متشابهة مثل العباءة البلدى، لذلك صممت دولاب ملابس لكل شخصية يختلف عن الشخصية الأخرى تماما، رغم أن الملابس محدودة جدا فى كل دولاب، لكن هناك ذوقا مختلفا لكل شخصية فى ملابسها.

«إسلام» يرى أن نجاح ديكور الحارة يرجع إلى أن الديكورات الشعبية أتاحت له فرصة التعبير عن إمكانياته، كما أن أغلب المصريين ينتمون لتلك الطبقة، لذلك كانت نسبة المتابعة كبيرة جدا، بالإضافة إلى أن ملابس الطبقة الشعبية وديكورات تلك المناطق، عانت كثيرا من المبالغة والاستسهال فخرجت فى كثير من الأعمال بشكل غير واقعى، وبالتالى لم يصدقها الناس أو يضعوها فى اعتبارهم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية