x

ضياء رشوان حذار.. التشريعات الصحفية والإعلامية فى خطر ضياء رشوان الأحد 24-05-2015 21:30


فى أقل من ثلاثة شهور، استطاعت لجنة الخمسين لتعديل الدستور إنهاء أعمالها ووضع الدستور ربما الأفضل فى التاريخ الدستورى المصرى، وخصوصاً على صعيد الحقوق السياسية والاجتماعية، بالرغم من قصور هنا أو تقصير هناك. واحتوى الدستور للمرة الأولى على الغالبية الساحقة من الحقوق والحريات التى ناضل المصريون، وفى مقدمتهم الجماعة الصحفية، للحصول عليها فى مجال الصحافة والإعلام وحرية الرأى والتعبير وتنظيمه المؤسسى. وفى خلال الفترة التى مرت منذ إقرار الدستور فى يناير 2014 وحتى اليوم تشابكت أوضاع الصحافة والإعلام وتداخلت أدوارهما مع بقية أطراف ومؤسسات المجتمع والدولة بصورة أعطت انطباعات جادة بوجود حالة من الفوضى تسيطر عليهما.

وفى الفترة نفسها وفى الصيف الماضى وقبل عام تقريباً قامت قطاعات من الصحفيين والإعلاميين ومؤسسات معبرة عنهما، فى مقدمتها نقابة الصحفيين، بأخذ زمام المبادرة للقيام بتحويل النصوص الدستورية الجديدة إلى تشريعات قانونية تحولها إلى واقع حقيقى لحرية الصحافة والإعلام وتنظيمهما المؤسسى. من هنا تشكلت للمرة الأولى «اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية» التى أنيط بها، دون غيرها، وبتشكيلها المستقل تماماً وضع مسودات كل القوانين اللازمة لإعادة تنظيم المجال الصحفى والإعلامى المصرى. وعلى الرغم من المحاولات التى بذلتها بعض الجهات الحكومية من جهة، وبعض أصحاب المصالح والأوزان المالية لتشكيل كيانات أخرى موازية خاضعة للحكومة أو تابعة لهذه المصالح، فقد نجح الصحفيون والإعلاميون فى الحفاظ على انفراد لجنتهم المستقلة دون غيرها بإعداد جميع التشريعات الصحفية والإعلامية الجديدة، وحصلوا على ضمانات بهذا من كل مستويات الدولة وأعلاها، على أن يلتزموا بإنهاء صياغتها بأفضل طريقة وبالسرعة التى تستلزمها الأوضاع الحالية المضطربة للصحافة والإعلام فى البلاد.

وعملت اللجنة من خلال أغلبية أعضائها طوال شهور متعاقبة بدأب حقيقى لإنجاز أفضل شكل للتشريعات الصحفية والإعلامية الجديدة، عبر لجانها الفرعية الخمس، وبأوسع دائرة ممكنة من التشاور مع أصحاب الشأن المباشر من الصحفيين والإعلامين، وقطاعات النخبة والرأى العام المتصلة به. وعلى الرغم من توالى تسريب أخبار حول وجود تشريعات أخرى موازية تضعها جهات غير مستقلة قريبة من الحكومة أو المصالح المالية الخاصة، فقد واصلت اللجنة أعمالها بلا تردد لتنهى، فى منتصف يناير الماضى، المسودات الأولية لأبواب وموضوعات القانون الموحد لحرية الصحافة والإعلام وتنظيمهما. كما أن اللجنة تخطت كثيراً من العقبات الداخلية التى واجهت انتظام عملها سواء بتغيب بعض أعضائها عن اجتماعاتها أو بتعثر الدعوة لهذه الاجتماعات فى بعض الأحيان. الخلاصة أن لجنة مصغرة للصياغة انتهت قبل أكثر من أسبوعين من صياغة المشروع النهائى للقانون الذى يتكون من 167 مادة، بعد عمل استغرق نحو شهرين.

وبقى بعد ذلك الجهد الكبير الذى بذل خلال ما يقرب من العام أن يتم إخراجه بصورة نهائية لتقديمه للحكومة، لإصداره فى قرار بقانون بأن تجتمع اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية بكامل أعضائها للتصويت على الصياغة المقترحة وإقرارها نهائياً. إلا أن اللجنة وعلى الرغم من دعوات عديدة علنية ومتكررة لعقد اجتماع فورى لها، لم تنعقد حتى الآن ولم توجه أى دعوات لاجتماعها فى أى وقت محدد. والحقيقة أن تأخر اجتماع اللجنة بهذا الشكل سيعطى رسائل مغلوطة لجهات عديدة، وستترتب عليه مخاطر حقيقية على مستقبل الصحافة والإعلام وتنظيمهما، وحرية الرأى والتعبير فى مصر، فى وقت هما فى أمس الحاجة فيه للحريات وللتنظيم المؤسسى.

ولعل الرسالة الأبرز والأخطر هى تلك التى ستصل لكل من لا يرغبون فى أن يستقل الصحفيون والإعلاميون بوضع تشريعات مهنتهم، بأنهم غير قادرين أو غير راغبين فى هذا الاستقلال، وأنهم سيتركون لجهات غيرهم، حكومية أو مالية خاصة، الانفراد بوضعها وفرض ما يعكس مصالحهم فيها، وهو باليقين ليس نفسه مصالح الصحفيين والإعلاميين، ولا ما ناضلوا من أجله طويلاً من حريات وتنظيم مستقل. وتكتمل هذه الرسالة الخطيرة بأخرى لا تقل خطورة موجهة إلى المجتمع المصرى بأن الصحفيين والإعلاميين حريصون على بقاء الأوضاع الحالية للصحافة والإعلام شديدة الاضطراب والفوضى، والمؤثرة بصور سلبية كثيرة على المجتمع والدولة كما هى دون تغيير، وهو الأمر الذى من شأنه فى ظل هذه الأوضاع أن يضيف خصماً جديداً من ثقة الرأى العام المصرى فى وسائل الإعلام والصحافة، ويحملها وزر كل ما يحدث فى البلاد من سلبيات.

ولا شك أن تلك الرسالة الأخيرة سوف يترتب عليها الخطر الأول الذى ينتج عن تأخير إصدار التشريعات المستقلة للصحافة والإعلام فى ظل الفوضى الإعلامية والصحفية، وهو عزل أبناء المهنتين وقت التفاوض الجاد حول هذه التشريعات لإصدارها رسمياً عن مساندة الرأى العام، الذى هو القاعدة الصلبة التى لا يمكنهم الاستغناء عنها للوصول إلى أفضل صياغات ممكنة. وإذا حدث هذا، فسوف تكون مهمة التفاوض شديدة الصعوبة، وستكون اتجاهات الرأى العام المرشحة للتصاعد فى ظل الأوضاع الحالية مضادة لما يريده الصحفيون والإعلاميون من حريات أوسع لممارساتهم المهنية واستقلال أكثر لمؤسساتهم، وهو ما يمكن أن يجهض كل الجهد الذى بذل طوال عقود طويلة من أجل هذا وبما فيه تفريغ مواد الدستور من مضمونها.

وليس هناك من شك فى أن المخاطر الأخرى التى ستترتب على تأخير صدور التشريعات الصحفية والإعلامية، أو خروجها بغير الصورة التى تجب أن تكون عليها، ليست بغائبة عن أبناء مهنتى الصحافة والإعلام. فالأوضاع شديدة السوء التى تمر بها الصحافة القومية والإعلام القومى على الصعيد المالى والإدارى والمهنى، تهدد بصورة جدية وجودهما ذاته وتمس أعمال وأرزاق عشرات الآلاف من العاملين بهما، فضلاً عما يمثله هذا من إهدار حقيقى وفادح لمؤسسات عامة تمثل أحد أركان الأمن القومى للبلاد. وليست الأوضاع بأفضل بكثير على مستوى القطاع الخاص فى الصحافة والإعلام، فالانكماش والتقليص للمشروعات والمؤسسات التى واصلت تمددها خلال الفترات الماضية أضحى هو المميز لها خلال الشهور الأخيرة، وتواصلت الخسائر المالية الفادحة، وأضحى مصير الآلاف من العاملين بها من الصحفيين والإعلاميين والفنيين والإداريين فى مهب رياح الفصل والبطالة التى هبت بقوة عليها.

إن أحداً، مواطناً أو صحفياً أو إعلامياً، لا يمكنه الصمت تجاه تلك الرسائل وهذه المخاطر، وإلا عد ذلك تواطؤاً منه. ومن هنا فإن جميع الزملاء من أعضاء اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية مدعوون لتحمل مسؤوليتهم التاريخية لاستكمال إنجازهم الكبير، والاجتماع فوراً للتصويت على ما انتهت إليه لجنة الصياغة المصغرة فى ضوء ما انتهوا إليه هم فى المسودات الأولية التى قدمت إليها، وإقرار المشروع النهائى لقانون حرية الصحافة والإعلام الموحد تمهيداً لإصداره. إن أى تأخير آخر فى عقد هذا الاجتماع سيفاقم المخاطر وسيجعل المسؤولية عنها موزعة على الجميع، وسيكون حكم التاريخ قاسياً عليهم، وستكون وقائع الحاضر والمستقبل القريب عاصفة بالجميع بدون أى تفرقة.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية