x

23 يوليو 1952 حركة.. أم انقلاب.. أم ثورة؟

الجمعة 23-07-2010 00:00 |

 ما من ثورة بطول التاريخ الإنسانى تعرضت لكم هائل من الجدل والمجادلة مثلما تعرضت ثورة 23 يوليو عام 1952 فى مصر، ربما لتعاظم أعداد مؤيديها ومعارضيها على السواء، فالمعارضون كانوا بحكم الواقع هم الكثرة الغالبة عندما وقعت الثورة التى تم الإعداد لها فى سرية بالغة ومن ثم نعتوها بأنها ليست ثورة، ولكنها حركة بنص وصف البيان الإعلامى لها، بينما أكد آخرون أنها انقلاب عسكرى بكل المقاييس، ومن ثم راحوا يشككون فى شرعيتها!

ولم يستغرق الأمر تاريخيا سوى 72 ساعة شكلت المدة الزمنية بين قيامها وبين تنازل الملك عن العرش وخروجه من مصر، وظلت الآراء تتراوح بين انقلاب وثورة حتى بين كبار علمائها ورموز مفكريها حتى حسم أديب مصر الجليل نجيب محفوظ الأمر بقوله: «بدأت حركة لا يعلم مصيرها إلا الله ثم تحولت باستيلاء الثوار على قيادة الجيش إلى انقلاب لتصبح ثورة بكل مقوماتها نتيجة التأييد الشعبى الجارف لها»..

 وشرع الثوار فى تطبيق مبادئ ثورتهم الستة التى تباينت درجات تحقيقها نتيجة عوامل داخلية وخارجية، لعل من أهمها أن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة لم يتعمق بالقدر الكافى فى الأسباب والدوافع التى حدت بالضباط الأحرار للقيام بثورتهم، وتعامل معهم من منطلق أنهم مجموعة من الشباب المتحمسين الذين يمكن احتواؤهم بسهولة وممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية عليهم بربط تسليح الجيش بالانضمام لحلف عسكرى للدفاع عن الشرق الأوسط وسحب عرض تمويل بناء السد العالى، الأمر الذى جعل أحد كبار مسؤولى الولايات المتحدة وهو ينظر للسد بعد إتمام بنائه إلى القول: «لقد ارتكبنا أخطاء سياسية فادحة»!!..

 وثورة 23 يوليو لها إيجابياتها العظيمة التى لا يمكن حصرها فى مقال بهذا الحجم.. كما كانت لها أخطاؤها التى فى عظمة إيجابياتها، وأزعم أن حكم التاريخ سوف يسجل لها أنها كانت تجربة إنسانية فريدة كثورة سلمية بيضاء لم يدفع أحد حياته ثمنا لنجاحها، كما كانت الدوافع والحافز لكل الدول المستعمرة على اتساع العالم للكفاح والنضال من أجل الحصول على حق تقرير مصيرها، وأيدت وساعدت دولاً عديدة على تحقيق ذلك.

تبقى نقطة أخيرة على قدر هائل من الأهمية يجب أن تستوعبها أجيالنا الحالية والقادمة، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 لم يبذل الغرب، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية مجهودا كافيا لوضع تصور لصيغة متوازنة فى تعامله مع دول الشرق الأوسط تحقق توازن المصالح لكل الفرقاء.. وكان ذلك سببا رئيسيا لدفع مصر دفعا للتوجه نحو الاتحاد السوفيتى السابق، والذى كان فى ذروة صراعه مع الغرب فى إطار ما يعرف بالحرب الباردة، ولو كان قد فعل ذلك لتغير وجه التاريخ الذى جدله المستقبل فى تحليل نوايا الأفراد ومقاصدهم، ولجنب الشرق الأوسط العديد من النزاعات والصراعات التى سقط خلالها آلاف الضحايا وسالت بسببها أنهار من الدماء.

لواء دكتور- إبراهيم شكيب

الخبير الاستراتيجى والمحلل العسكرى

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية