x

المهندس هاني عازر: لم نعرف التفرقة بين المسيحى والمسلم قبل أن أترك مصر (4)

الأربعاء 22-09-2010 09:30 | كتب: نشوي الحوفي |
تصوير : اخبار

يتحدث المهندس هانى عازر دوماً على سجيته، ومثل كل المصريين تنبض العاطفة فى كلماته، لم تغيره الشهرة ولا ما حققه من نجاحات. يؤكد لك أن الحب مفتاح شخصيته فى الحياة والعمل. لايزال يذكر بشغف يتلألأ فى عينيه بنت الجيران، وأول مرة قال لها «أحبك».

يتحدث عن زوجته الألمانية بإعجاب ويقول إنها بادلته الحب وعاملته كما تعامل الزوجة المصرية زوجها، وتعلمت من أجله طهى الملوخية والأرز بالشعرية، يكرر عليك: «لو كانت امرأة ألمانية غيرها لتركتنى من زمان، فهن لا يتحملن الانشغال عنهن».

يؤكد أنه لم يشعر يوماً أنه مسيحى فى مصر وأن 99% من أصدقائه الذين لا يزال يذكرهم مسلمون، وواحد منهم فقط كان مسيحياً، يحكى عن تعجب الألمان من عدم استعانة مصر به كما تطلب منهم المشاركة فى حفر الأنفاق! ويدهشك بقوله: «برلين مشروع انتهى وأغلقت صفحته وعينى الآن على شتوتجارت».

هكذا يستمر الحوار مع المهندس هانى عازر أشهر مهندس أنفاق فى ألمانيا ومشيد أعظم محطة قطارات فى أوروبا، المصرى الذى شبهوه فى برلين بأبى الهول. فإلى تفاصيل الحلقة الرابعة من هذا الحوار.

■ هل عانيت عند مجيئك لألمانيا فى العام 1974؟

- بالطبع ومن ذا الذى يغترب ولا يعانى فى بلد لا يتقن لغته، ومعروف عنه تفضيله لكل ما هو ألمانى، والتحفظ مع الأجناس الأخرى بعض الشيء، وفى تلك الفترة بالتحديد، كان علىّ أن أدرس الألمانية وأجيدها، وأواصل دراستى فى الجامعة، وكثيرا ما فكرت فى العودة لمصر فى السنوات الأولى، وبخاصة أنه كان لى زملاء هاجروا لأستراليا أو النمسا ثم عادوا ولم يحتملوا الغربة.

وكان أكثر ما يحزننى أن أفتح صندوق البريد فلا أجد خطاباً من أسرتى، كانت الخطابات تتأخر والتليفونات بطيئة وغالية والجو شديد البرودة، ودخلى يكفى احتياجاتى الأساسية بالكاد، وكانت خطابات بابا وماما تحمل لى عروضا بالعودة فى أى وقت أشعر فيه بعدم القدرة على استكمال حياتى فى ألمانيا مؤكدين أن بيتنا مفتوح لى فى أى وقت. وكثيرا ما غالبتنى دموعى فى تلك الأيام، ولكننى كنت أقف وأسأل نفسى هل يمكن أن أعود فى منتصف الطريق؟ أم أكمل حياتى التى اخترتها وأقبل التحدى؟ وكان الطموح هو الحاسم فى تلك الفترة ورغبتى فى رد النجاح لأبى وأمى لأننى كنت أعلم مدى سعادتهما بتحقيق ذلك.

■ بماذا تشعر الآن بعد مرور كل تلك السنوات وما حققته فيها من نجاحات؟

- أشعر أولاً بالحنين لوالدىّ لأن العمر لم يمنحنى فرصة تعويضهما عما تحملاه فى سبيل تربيتنا، وأتمنى أن يكونا على علم بنجاحى هنا لأن هذا هو عزائى الوحيد. وعندما أستعرض مسيرة حياتى لا أصدق أن كل هذا العمر بات ورائى بكل ما فيه من آلام ونجاحات وتحديات. ولا أشعر بجسدى إلا يوم الراحة وما عدا ذلك فبداخلى طاقة تحثنى على التفوق والإبداع وإثبات الذات وهذا هو الطموح.

■ والحب فى حياة هانى عازر الشاب والمهندس فى ألمانيا..أين كان موقعه؟

- الحب هو مفتاح حياتى كلها حتى فيما يتعلق بأمور العمل، فأنا من المؤمنين بأن الحب هو السبيل للنجاح فى أى علاقة أو مشروع. وكأى شاب مصرى مررت بتجربة الحب مع ابنة الجيران، لم تكن تسكن أمامنا مباشرة، ولكن فى ذات الحى. ها أنت تعيديننى لذكريات بريئة أتذكرها كما لو كانت بالأمس. كنت أتعمد السير أمام عمارتهم والنظر لشرفتها ولكننى كنت أخشى معرفة أحد من أسرتها أو أى أحد لذلك، لأننا كنا نحترم أنفسنا ونخشى أن نتسبب فى أى مشكلة لأسرنا. أتذكر كيف أرسلت لها فى ورقة كلمة أحبك. ولكن للأسف لم تكتمل تلك العلاقة بالزواج لأننى كنت مؤمناً بأنه ليس من حقى الزواج إلا إذا امتلكت القدرة على الإنفاق على من سأتزوج بها بحيث لا تحتاج لغيرى.

■ وماذا عن زوجتك الألمانية. هل تزوجتها عن حب أيضاً؟

- نعم كانت تدرس الآداب فى الجامعة وكنت أدرس الهندسة وساعدتنى على تخطى حاجز اللغة الألمانية التى لم أكن أجيدها، لقد أحبتنى بصدق ولو كانت امرأة ألمانية غيرها لتركتنى من زمن لأننى مشغول بعملى 24 ساعة فى اليوم والألمان لا يحبون ذلك، يقدسون العمل ولا يتنازلون عن أيام راحتهم مهما حدث. ولكنها تحملت طموحى وساندتنى فيه، ليس هذا فحسب بل أتقنت طهى بعض الأصناف التى اعتدت عليها فى بيتنا من أمى مثل الملوخية والأرز بشعرية، وتعاملنى بنفس طريقة الزوجة المصرية مع زوجها. وأنجبت منها ابنين رائعين أحدهما درس هندسة الميكانيكا والآخر درس هندسة الكهرباء.

■ هل اصطحبت أسرتك لزيارة مصر؟

- نعم وكان أولادى يشعرون بالسعادة والمغامرة ونحن نعبر الشارع وسط السيارات وهى تسير، ويفرحون لدى رؤيتهم المصريين يبتسمون فى وجوههم وهم لا يعرفونهم، ويتعجبون من ذلك. والحقيقة أننى ربيت أولادى بنفس الطريقة التى ربانى بها أبى، كنت صديقاً لهم ومعلماً فى ذات الوقت. ولكنهم ليسوا مثلى فى استغراقى فى عملى، و يشفقون على منه ويسألوننى دوماً لماذا تفعل هذا فى نفسك؟. فأرد عليهم بأن الطموح والعمل وتحقيق النجاح والعبور من عائق لآخر جزء من شخصيتى وشخصية مصريين كثيرين.

■ بصراحة ألم تشعر يوماً بأن مسيحيتك كانت عائقاً أمام نجاحك فى مصر؟

- على الإطلاق لأننا ببساطة ننتمى لزمن آخر، كان 99% من أصدقائى المقربين مسلمين وواحد فقط مسيحيا. ما زلت أذكر صلاح عبد الحميد وطارق النبراوى ونصر عبيد وماجد عبد الحكم، وكلهم فى مراكز مرموقة الآن. كانت ضحكاتنا تملأ الدنيا، ولو عرفوا أننى فى مصر الدنيا تنقلب ويقيمون الولائم على شرفى. أتعجب مما أسمع عنه الآن ولا أعرف له سبباً. وأسمع كلمة أقباط المهجر فيزيد عجبى وأتساءل ألا يوجد مسلمون أيضاً فى المهجر؟ أم أن المهجر لا يوجد به غير الأقباط فقط؟ ولا أعرف لمصلحة من تسود تلك الأفكار بين المصريين. طيلة حياتنا عشنا مسلمين ومسيحيين ويهودا لا يفرق بيننا كما قلت غير مكان العبادة، فلماذا التفرقة الآن؟ كنا نحب أغنيات عبد الحليم ونشعر بأنه يعبر عنا كشباب مصريين، وننتظر حفل الخميس الأول من كل شهر للست أم كلثوم، وننام فى الظهيرة حتى نستطيع السهر معها. كل هذا كان يجمعنا كمصريين دون تفرقة ولذا كنا واحداً دوماً.

■ فى اعتقادك ماذا حدث لمصر؟

- غاب عنها النظام الذى يطبق على الجميع دون تفرقة، القانون الذى لا يعرف فرقا بين كبير وصغير أو غنى وفقير، الذى يجعل الناس سواسية ملتزمين بتنفيذ ما تراه الدولة وتضعه من أسس. ولذا هناك إحساس التفرقة الذى تتحدثون عنه اليوم ليس بين المسيحيين والمسلمين وحسب ولكن بين طبقات المجتمع ككل، فهناك فئات تشعر بأن القانون لا يطبق إلا عليها، وفئات أخرى تشعر بأنها فوق القانون. وإذا طبق النظام فى مصر كما يجب، فسوف تسير بمفردها بعد ذلك وتحقق نهضتها.

■ هل سمعت عن عودة الدكتور محمد البرادعى لمصر ودعوته للتغيير السياسى؟

- دكتور محمد البرادعى مدير وكالة الطاقة السابق؟ لا لم أسمع عن عودته لمصر أو ممارسته السياسة فلست متابعاً جيداً للمجريات اليومية فى العالم لانشغالى بعملى، ولكن التغيير بات ضروريا فى مصر ليس على المستوى السياسى فحسب، ولكن على مستوى الاقتصاد والمجتمع وطريقة التفكير، عندما أنظر لحالنا الآن أحزن، فمصر بلد يستند إلى حضارة عظيمة والمصريون طيبون ويملكون صفات لا تجدها فى شعوب أخرى فى العبقرية والعمل الشاق والقدرة على الإنجاز.

■ هل يصلح العالم أو المنشغل بالعمل طيلة حياته لممارسة السياسة؟

- بالطبع يصلح ولكن بشروط أهمها أن يمتلك الرؤية والإرادة على تنفيذ رؤيته تلك وأن يمتلك قاعدة تؤيده، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عالمة فيزياء.

■ بعد نجاحك هنا فى ألمانيا ألم يطلب أحد منك فى مصر العودة والمساهمة فى التطوير فيها؟

- لا لم يحدث ولا أدعى ذلك، ما حدث أن الرئيس المصرى حسنى مبارك حادثنى فى التليفون عقب افتتاح محطة برلين للسكك الحديدية عام 2006 وهنأنى على ما حققته من إنجاز وما حصلت عليه من تكريم هنا فى ألمانيا، وكان ذلك شرفا كبيرا لى وقتها ومفاجأة غير متوقعة. ولكن لم يطلب منى أحد العودة حتى لإبداء الرأى فى أى مشروع.

■ ألم تتابع أياً من مشاريع الأنفاق الحديثة فى مصر سواء نفق الأزهر أو مترو الأنفاق مثلاً؟

- لا على الرغم من أن ماكينة الحفر التى حفرت نفق الأزهر كانت ألمانية والشركة المنفذة للمشروع فرنسية وكلتاهما تتبع لى فى العمل هنا فى ألمانيا. وأذكر واقعة حدثت أثناء حفر نفق الأزهر وكان ذلك فى نهاية التسعينيات، حيث كنت فى زيارة لمصر وأحببت أن أرى طريقة سير العمل فى نفق الأزهر فذهبت وحاولت لقاء المسؤول عن الأنفاق للحصول على إذن بدخول الموقع بعد تعريفه بنفسى، ولكننى لم أتمكن من مقابلته، فطلبت المقر الرئيسى للشركة الفرنسية ودخلت النفق عن طريقهم. وفسرت ذلك بأنه لا يعرفنى، لأننى غير معروف فى مصر.

■ ألا يندهش الألمان من عدم مساهمتك فى حفر الأنفاق وتشييد المبانى فى مصر بينما تتم الاستعانة بهم للمشاركة بخبرتهم فى ذلك؟

- يندهشون بالطبع ويحارون، وعندما يعودون من مصر يقولون لى كيف لا تذهب أنت إلى هناك وأنت مصرى ويستعينون بنا نحن بينما نحن نستعين بك؟ فأجيبهم بأن الفكر فى مصر يفضل الخبرة الأجنبية ولذا يستعينون بالألمان والفرنسيين والأمريكان ولكن لا يستعان بى، لأننى مصرى مثلى مثل آلاف غيرى من المهندسين المصريين.

■ هل يمكن تنفيذ مشروع تطوير سكك حديد مصر كما حدث فى ألمانيا وبالتحديد برلين؟

- بالطبع يمكن إذا توافرت الإرادة الحقيقية الراغبة فى ذلك، بحيث تُمنح جميع الصلاحيات للقائم على التطوير بإزالة كل العقبات التى يمكنها الوقوف فى وجه هذا المشروع، وتوفير الإمكانيات اللازمة له. كما أردد دائماً لا شىء مستحيل كل شىء ممكن.

■ ما قصة اختيارك فى قائمة أكثر 50 شخصية مشهورة فى ألمانيا؟

- نظمت إحدى المجلات الألمانية استفتاء بين قرائها، لاختيار أكثر 50 شخصية ألمانية تتمتع بالشهرة بين الألمان، وضمت القائمة نجوماً فى الفن والسياسة، واختارنى الألمان ضمن تلك الشخصيات الخمسين، وجاء ترتيبى رقم 13. يومها قلت لنفسى نعم أنا مصرى فى ألمانيا. ليس هذا فحسب بل أطلقت الصحافة الألمانية على لقب أبوالهول وصورنى كاريكاتير نشرته إحدى الصحف على هيئة أبوالهول وأنا أعطى تعليماتى لألمانى بالعمل وماذا عليه أن يفعل.

■ ما الشىء الذى يثير بداخلك الإحساس بالندم فى بعض الأحيان؟

- أحياناً أشعر بالندم، لأننى قبلت تنفيذ مشروع شتوتجارت، الذى يوازى 3 أضعاف مشروع تطوير محطات برلين، ويتكلف 10 مليارات يورو، وهو الأضخم حتى الآن من حيث الحجم والتنفيذ ومدة الانتهاء منه فى العام 2019. فمساحته تقترب من 100 هكتار أى ما يعادل مليون متر مربع، وطول الأنفاق به 240 كيلو متراً فى الاتجاهين، وسوف تكون شتوتجارت وقت تنفيذ المشروع مركزاً للقطارات فى ألمانيا وأوروبا. وقبل قبولى تنفيذ المشروع قلت لأحد رؤسائى إن المشروع كبير، وأفكر فى الاعتذار عنه، فقال لى لو فعلت هذا فلن تكون «هانى» الذى عرفناه.. الذى يبحث دائماً عن الأصعب والأكبر.

شاهد «هانى عازر.. قصة نجاح مصرية» على الرابط التالى

www.almasryalyoum.com/node/132837

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية