لحظات ويمر القطار.. قد تكون هى اللحظات الأخيرة فى حياة بعض العابرين.. يمسكون بالأيادى، كمن يتشبثون بالحياة، خوفاً من تلك اللحظة التى تلون فيها قضبان القطار، باللون الأحمر، فتتناثر الأشلاء، أو أن يكون القدر رحيماً فيكتفى باقتطاع أجزاء من أجسادهم تحت عجلات القطار، وبعدها يصبحون فقط أرقاما فى ضحايا القطارات، مجرد أرقام.
ولعل تكرار وتزايد الحوادث اليومية، التى تشهدها تلك المزلقانات المنتشرة فى العديد من الأحياء كان دافعاً رئيسياً وراء محاولة «إسكندرية اليوم» إلقاء الضوء على هذه الظاهرة التى راح ضحيتها المئات من مواطنى المحافظة، حسبما جاء فى العديد من التقارير الصادرة من العديد من الجهات الرقابية والرسمية فى المدينة.
ورغم اتفاق العديد من المواطنين على أن التفكير فى إنشاء هذه المزلقانات كان نتيجة لرغبة واضحة من قبل المسؤولين فى توفير معابر آمنة لسائقى السيارات والمارة، على حد سواء، إلا أنها أصبحت، بحسب تأكيدات الأهالى، «معبراً للآخرة» لمن يحاول فقط مجرد التفكير فى استخدامها.
أمام مزلقان المعمورة، الذى يطلق عليه الأهالى مصطلح «مزلقان الموت»، بسبب ما وصفوه بـ«معاناتهم المستمرة» من تكرار الحوادث عليه بشكل يومى، وقف شابان يستقلان دراجة بخارية، وينتظران بابتسامة مرور القطار ليعبرا الطريق، إلا أنه وفى حركة فجائية تدفع بهم تحت عجلات القطار وبعدها تتلون القضبان بدمائهم، ويصعب على رجال الإنقاذ حتى جمع الشلاء.
كثرة الحوادث دفعت الأهالى للمطالبة بتنفيذ مشروع وزارة النقل، وتحويل المزلقانات إلى العمل الالكترونى، بدلاً من اليدوى، الذى يتحكم فيه عنصر بشرى، فى ظل وجود «الشواديف» القديمة التى غلب عليها «الصدأ»، وسائقى السيارات، خاصة الأجرة منها، التى لا تلتزم بأوامر عامل التحويلة أو عسكرى المرور وتدخل فى سباق مع القطار قد يمر بسلام وقد يدفع الكثير أرواحهم مقابله. غير أن عدم اتفاق الجهات المعنية بذلك فى المحافظة كان سبباً وراء تعطل المشروع، بحسب تأكيدات البعض فهناك من يقول إن السبب وراء توقف تنفيذ المشروع هو احتمالية تنفيذ مشروع مترو الأنفاق، وآخرون يرجعونه إلى «عدم التنسيق» بين المحافظة وهيئة السكك الحديدية.
فى البداية قالت منى حسين، إن القدر شاء أن تمر هى وطفلاها على مزلقان «سينما ليلى»، كما يسميه الأهالى، فى منطقة باكوس، لتجد نفسها فى مواجهة مع القطار الذى لم تجد فى وسعها إلا أن تدفع بطفليها للأمام، لتتناثر أشلاؤها بعد ذلك على قضبان السكة الحديد التى تلونت بدمائها، ليصبح «الإهمال» هو المسؤول الوحيد عن الصورة الدائمة التى ستتعلق فى ذهن طفلين لم يفعلا فى حياتهما ذنباً إلا أنهما خرجا أول أيام العيد مع أمهم.
ولم يقتصر الأمر على مزلقانى المعمورة وباكوس فقط حيث يوجد 17 مزلقاناً، بالإضافة إلى مزلقان القبارى وهو أخطر المزلقانات التى وصفها الأهالى وركاب القطارات بأنها 17 بوابة للآخرة واتفقوا فى «سيناريو الموت»، فعامل التحويلة، والكشك الخاص به، وعسكرى المرور، ان وجد، وكذلك سير السيارات فى اتجاهين متضادين وقت قدوم القطار وسير المارة مشهد لا يختلف من مزلقان لآخر، ليصبح المواطن السكندرى يدفع عمره ضريبة لإهمال المزلقانات.
ووصف أحد عمال المزلقانات، طلب عدم نشر اسمه، العمل على تحويلات القطارات فى المزلقانات بأنه «فيلم رعب» ولكنه واقعى، مشيراً إلى تكرار حوادث الموت اليومية أمام عينيه، والتى اتهمها بأنها تسببت له فى «مرض نفسى» لما يراه يومياً من تناثر لأشلاء الضحايا، على حد تعبيره، قائلاً: «لم نعد وحدنا كعمال مزلقانات متضررين من المشاهد اليومية التى حولت حياتنا إلى جحيم، ولكن دخلت معنا أسرنا فى دائرة مظلمة، فصرخات الضحايا تطاردنا فى نومنا.
واعتبر تحويل المزلقانات إلى العمل الكهربى بدلا من «الشادوف» اليدوى، هو الحل الوحيد لحماية أرواح المارة، مشيرا إلى سلوكيات بعض سائقى سيارات الأجرة والتى تتسارع فى المرور وقت قدوم القطار، الأمر الذى رأى أنه يدفع بالمارة لاتباعهم مما يتسبب فى ضياع الأرواح، على حد قوله.
وأضاف:» طالبنا أكثر من مرة بإنشاء جزيرة أمام كل مزلقان، إلا أنه لم تتم الاستجابة لنا، فإنشاء الجزر يعمل على تهدئة حركة السيارات النسبية مما يقلل من الاندفاع الذى يؤدى بهم إلى الهلاك».
وقال محمد محمد أبو المجد، عضو المجلس المحلى لحى غرب، إن مزلقانات المحافظة، تشهد وقوع العديد من الحوادث خاصة مزلقان القبارى، الذى يحتاج- بحسب تأكيده- إلى عملية تطوير عاجلة، نظراً لاستمرار تردى الأوضاع فيه منذ فترة طويلة، بالإضافة إلى تزايد معدلات الحوادث اليومية التى يشهدها، نتيجة استمرار تكدس سيارات النقل فى طريق مأوى الصيادين القريب منه - حسب قوله.
وانتقد «أبوالمجد» انخفاض عدد الحملات المرورية التى يتم تنظيمها على هذه المزلقانات خاصة القبارى، لمنع وقوف السيارات على جانبى المزلقان وإنشاء حواجز وبوابات إلكترونية تغلق أوتوماتيكيا، أثناء قدوم القطارات.
وأضاف أنه سبق وقدم طلباً لـ«محلى غرب»، حول أنه فى الفترة الأخيرة حدثت العديد من الحوادث على المزلقان، آخرها كان تصادم سيارة ملاكى مع القطار مما نتج عنه إصابة 3 شباب ومصرع سيدتين، وأرجع ذلك إلى وجود ورش تصليح سيارات نقل، ووقوف سيارات للإصلاح على جانبى الطريق، مؤكداً ضرورة إنشاء حواجز مرورية مستمرة على هذه الورش لإزالتها، حفاظاً على سلامة المواطنين.
من جانبه قال سامى رمضان، رئيس المجلس المحلى لحى غرب، إن إدارة المرور بالحى برئاسة إيهاب هلال، أرسلت مذكرة للرد على مشكلة المزلقان، وأضاف إن سكة حديد القبارى تقع داخل مكتب مرور غرب، حيث يقوم مكتب المرور بتعيين مساعد ومجند لدوريات ثلاث، تعينهم الإدارة، نوبة أولى وثانية، ونوبة ليلية، وبالتالى فالمزلقان لا يخلو من رجل مرور نهائياً.
وأضاف: إن مهمة المساعد والمجند الذين تم تعيينهم من قبل هى حجز الطريق عند دق الأجراس الخاصة بالمزلقان وإجبار المواطنين، على الوقوف، مؤكدا أن رئيس مكتب المرور القائم على المزلقان تكون مهمته القيام بتلك الخدمات، والتأكد من انتظامها.
وتابع: تحاول إدارة المرور تقديم خدمات خاصة على مزلقانات معينة، التى تمثل خطورة على سلامة المواطنين، وذلك بانتظام الورديات على مدار 24 ساعة، يوميا ولا يتم إخلاؤها لأى سبب من الأسباب.
ولفت «رمضان» إلى وقوع جزء من المسؤولية على المواطنين، الذين يقومون بالاستعجال وعبور المزلقان، دون التقيد بإشارات المرور، وفى النهاية تكون سلامة المواطن فى خطر.
وبخصوص عمل مزلقانات الالكترونية، قال: قدمنا توصية لرئيس الحى بضرورة مخاطبة السكة الحديد، عما إذا أمكنها عمل شادوف أو بوابات، مؤكدا إقامة إرشادات مرورية، وضرورة التزام المواطنين من الناحية السلوكية بقواعد المرور.
من جانبه، قال المهندس محمد صبرى، رئيس المجلس الشعبى المحلى لحى المنتزه: «إن المزلقانات أصبحت تشكل خطراً كبيراً على المواطنين، خاصة تلك الموجودة فى منطقتى المعمورة وأبوقير.
وأضاف «صبرى»: «تمت مناقشة مشكلة المزلقانات الواقعة ضمن نطاق الحى الإدارى فى المجلس أكثر من مرة، خاصة مزلقان المعمورة، وانتهت هذه المناقشات بالتوصية بضرورة مخاطبة مسؤولى إدارة المرور فى المحافظة، من أجل توفير خدمة مرورية فى هذه المزلقانات بعد توسعتها وتطويرها، للعمل على تقليل معدلات الحوادث التى تشهدها وحماية أرواح المواطنين الأبرياء».
وطالب رئيس محلى المنتزه، مسؤولى الجهات المختصة بدراسة الاقتراح الذى تم تقديمه من قبل «المجلس»، بشأن إنشاء محور مرورى جديد لحل مشكلة التكدس المرورى فى منطقة أبو قير، نظراً لما سيسهم فيه – بحسب زعمه- فى تخفيف حركة مرور المواطنين على قضبان المزلقانات.
وشدد «صبرى»، على أهمية الإسراع فى تنفيذ خطة وزارة النقل التى تستهدف تحويل العمل فى المزلقانات من اليدوى إلى الإلكترونى، خاصة أن هذه الخطة ستعتبر طوق النجاة» لمزلقانات السكة الحديد فى المدينة بأكملها- حسب تعبيره.
من جانبه قال المهندس نصر عبدالعزيز، مدير الإدارة الهندسية للهيئة العامة للسكك الحديدية بالمحافظة إن عدد المزلقانات فى منطقة غرب الدلتا كلها، حوالى 38 مزلقان، قررت الهيئة تطويرها، منها 17 مزلقاناً فى المحافظة. وأضاف عبدالعزيز أن 3 مزلقانات فى خط قطار أبوقير ستشملها عمليات التطوير، مؤكدا أن أى عملية تطوير تحدث للمزلقان، تتم على مرحلتين الأولى تشمل بناء غرفة لخفر المزلقان وأسوار حول المزلقان وبلدورات، ورصف مداخله ومخارجه تمهيداً للمواطنين وتيسيرا للعبور عليه.
وأضاف أن المرحلة الثانية هى تأمين المزلقان بتركيب البوابات الإلكترونية، مرتبطة بالكمبيوتر لا يتدخل فيها أى بشر فى غلقها أو فتحها، بحيث لا تتحكم غرفة خفر المزلقان فى غلقه أو فتحه أثناء مرور القطار، وأضاف: «أن هذه البوابات الإلكترونية أكثر امناً من البوابات اليدوية التى يتحكم فيها أشخاص، فبمجرد اقتراب القطار من المزلقان يتم غلقه الكترونياً».
وأشار إلى أن أعمال التطوير مستمرة بالفعل، فى 3 مزلقانات فى المحافظة هى مزلقان جرين بلازاً أو المطار ومحرم بك، والقبارى، بحيث تستمر الإصلاحات والتطوير به بدء من الـ18 سبتمبر الجارى، بعد أن تم الانتهاء من بناء الغرفة على جانب المزلقان لحراسته، وحماية المواطنين.
واعتبر عبد العزيز أن مزلقانات خط أبوقير من أكثر المزلقانات، خطورة فى السكك الحديد، وأن خطة التطوير شملت 3 مزلقانات فقط، هى المعمورة الشاطئ والمعمورة البلد، والأكاديمية، مبررا أنه لا يمكن أن يشمل التطوير محطات جديدة على خط أبو قير بسبب وجود بعض الدراسات المقدمة باحتمالية تحويل خط أبو قير إلى مترو أنفاق، قائلا: لا يمكن أن نصرف الأموال على تطوير مزلقانات من المحتمل بعد عام أو عامين ستتم إزالته»، مؤكداً أن هذه الدراسات لم يتم إقرارها بعد.
وقدّر تكلفة تطوير المزلقان الواحد، بــ750 ألف جنيه تشمل الأعمال المدنية والكهربية، وتأمين المزلقان، معتبراً أن عمليات التطوير مكلفة ولا يمكن اعتبارها عملية سهلة إذ إنها لا يمكن أن تتم على مرحلة واحدة.
وقال: «إن الخطة التى وضعتها هيئة السكك الحديدة، لتطوير المزلقانات من المقرر الانتهاء منها فى 31 ديسمبر المقبل، وفق ما هو مخطط له».
أضاف عبدالعزيز أنه من المقرر التنسيق مع المحليات لإضاءة المزلقانات بحيث يتم تحويل نقطة المزلقان إلى نقطة مضيئة، بشكل حضارى يتناسب مع المظهر الخارجى للمزلقان، منعاً لأى حوادث يمكن أن تحدث على المزلقان بسبب ظلمته.
وفى المقابل انتقد النائب حمدى حسن، عضو مجلس الشعب، استمرار العمل اليدوى فى مزلقانات السكة الحديد، والذى اعتبره يهدد أرواح المواطنين بشكل مباشر، نظراً لعدم قدرة عامل المزلقان على التحكم فى غلق المزلقان بشكل دائم.
وأضاف «حسن» أنه قدم 3 طلبات إحاطة إلى المجلس، للمطالبة بتنفيذ مشروع المزلقانات التى تعمل بالكهرباء بدلاً من العمل اليدوى، لتحقيق نسبة أمان أعلى للمواطنين بدلا من الحوادث المتكررة، مستشهداً بحادث القطار الذى حدث عند مزلقان عرفى فى منطقة سموحة، والذى تسبب فى «قتل» عدد من المواطنين فى مارس الماضى، نتيجة لحركة القطار دون سائق، محذراً من تكرار الحادث على باقى المزلقانات بسبب الوضع الحالى لها.
واعتبر أن السبب وراء تأخر تنفيذ خطة «كهربة المزلقانات» ترجع إلى «سوء التنسيق» بين المحافظة وهيئة السكك الحديدية، مشيراً إلى أنه تم عقد اجتماع بينهم فى أبريل الماضى، بعد اعتراض المحافظة على تنفيذ الخطة، على حد قوله، والذى تم التوصل فيه إلى ضرورة قيام المحافظ عادل لبيب، بتقديم خطة مقترحة لتنفيذ التحكم الالكترونى، وبناء غرفة تحكم عند كل مزلقان، مشدداً على ضرورة توفير الحماية «الالكترونية» اللازمة للمزلقانات، بدلاً من الاعتماد على العنصر البشرى الذى اعتبر أنه من الصعب أن يتحكم فى الحركة المرورية فى ظل ما سماه «عشوائية» الحركة، وكذلك حركة السيارات والقطارات التى وصفها بـ«جنونية».