في ماض ليس ببعيد، كان لامتحان الثانوية العامة هيبته، الامتحان الشبح الذي كبدك عامين كاملين من المذاكرة، وقضى على الأخضر واليابس من مدخرات عائلتك في الدروس الخصوصية، ليقيس مدى حفظك لمناهج ستنساها بمجرد أن تسلم ورقة الإجابة، ثم انكسرت تلك الهيبة مع أول تسريب لامتحانات الثانوية العامة منذ عدة سنوات، واقعة التسريب قبل تلك اللحظة كانت نوعا من الكوميديا المستحيلة التي تتفنن فيها عصابة لبلبة ويوسف داوود في «الشيطانة التي أحببتنى»، قامت الدنيا وانشغلت وسائل الإعلام بالحدث الجلل وأنكرت الوزارة، لكن الأهم أن حاجزا من الهيبة انكسر في هذا الامتحان المنيع، وظل الحدث روتينا مكررا، يتسرب الامتحان، وتحقق الوزارة وتعد بتكثيف الأمن، وتتلاشى الهيبة تدريجيا بفعل ثقب عجزت الدولة عن سده.
الأمر نفسه حدث حين سمحت الدولة أولا لعبدالرحيم على بأن يذيع تسريبات قد تدين أصحابها، تسجيلات ليس لها محل إلا قاعة القضاء، فإن كان لها سند قانونى فهى دليل في قضية ينظرها القاضى فقط وليس العامة، وإن لم يكن لها سند قانونى فكل من ساهم في تسريبها وإذاعتها يستحق المساءلة والجرجرة إلى ساحات القضاء، لكن الدولة تعامت عن الثقب الصغير الذي بدأ منه التسريب، ظنت أن ذلك لم ولن يؤثر على هيبة للدولة، فأصبحت ثقافة التسجيل والتسريب عادة عند المصريين، أي مواطن معه محمول يضغط زر التسجيل في اجتماع خاص أو عام، ثم يسرب ما قيل، الدولة نفسها انكوت بنفس النار التي أشعلتها كثيرا، تعاميها عن الأمر جعل التسريبات والتسريبات المضادة محل تغامز وتلازم ونميمة في الأوساط العامة..
شفت إبراهيم وهو بيكتب تويتة البرادعى.. طب شفتهم وهم بيكلموا الوله يوسف.. محاولة من الإلهاء والتشويه تطال الجميع، وتجعل كل محاولات الدولة الجادة في خلق نظام سياسى سليم فاشلة.
دعنا نتخيل انتخابات مجلس النواب القادمة.. موسم تسريبات جديدة، عايز تشوه الحزب الفلانى.. نزل له تسريب، عايز تخلص على المرشح الفلان.. كلم عبدالرحيم، وهكذا، مناخ سياسى سيجعل النخبة السياسية بالكامل شخصيات مشوهة منقوصة تحتقرها العامة.
الدولة يجب أن تضع حدا قانونيا صارما لتلك المهزلة، وألا تتعامل مع الأمر بحكمة حبيب العادلى الشهيرة التي قالها في حوار صحفى قبل الثورة «اللى خايف من التسجيل ما يتكلمش».