ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسي، صباح الجمعة، كلمة في فعاليات الدورة الـ١٦ من المتتدى الاقتصادي العالمي «دافوس»، بحضور العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، و٩٠٠ شخصية سياسية واقتصادية وإعلامية.
وإلى نص الكلمة:
اسمحوا لي في البداية أن أعرب لكم عن سعادتي بتلبيــة الدعـوة للمشاركة في هذا المحفل الهام، والذي يتميز اليوم باستضافة المملكة الأردنية الهاشمية له، وبالرعاية الكريمة لأخي جلالة الملك عبدالله الثاني.
إن المنطقة العربية تشهد تحولات جذرية، وتواجه تحديات جسيمة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، ويتطلب عمق وخطورة هذه التحديات أن تتكاتف جهود المجتمع الدولي لمواجهتها، وذلك جنبًا إلى جنب مع الجهود الوطنية ذات الصلة، والتي لا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا بتعاون وثيق بين الحكومات والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، من أجل تحليل أسباب تلك التحديات، والوقوف على سبل التغلب عليها، للمساهمة في تحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية في التقدم والتنميـة.
ولعلكم تتفقون معي على أنه لا يمكن فهم طبيعة التحولات في المنطقة من خلال رؤى خارجية أو أفكار مُسبقة، ولا ينبغي بالتالي أن يسعى أي طرف من داخل أو من خارج المنطقة إلى استغلال حالة السيولة التي قد تصاحب مرحلة التحولات بهدف فرض رؤى محددة على دول المنطقة، أو لإخضاعها لفكر أو رأي معين، فالحاضر تصنعه الشعوب وحدها بما لديها من إرادة ووعي، والمستقبل ملك للشباب، ولن يرسم معالمه أحد سواه من خلال طموحاته وقدراته.
إن تعزيز دور الشباب لم يعد من قبيل الترف وإنما أضحى ضرورة لا غنى عنها، لاسيما في الدول والمجتمعات التي تضم نسبة كبيرة من الشباب بكل ما يمثلونه من أمل في المستقبل، وطاقة دافعة يتعين استثمارها وتوجيهها نحو الإطار الصحيح للاستفادة منها في دفع عجلة الإنتاج، وإحداث التطور الحضاري والتنموي المنشود، فتوافر فرص العمل وزيادة معدلات التشغيل يعد أهم سبل الحفاظ على الشباب واستثمار طاقاتهم، وذلك تلافيًا للتداعيات الناجمة عــن إهمــال هذا القطاع الحيوي مــن المجتمــع، وتركه فريسة للتطرف والإرهاب أخذًا في الاعتبار أن قسمًا كبيرًا من الشباب يجيدون استخدام وسائل التكنولوجيا والتواصل الإلكترونية الحديثة، التي يتعين العمل على الحيلولة دون استغلالها لنشر الأفكار المتطرفة ومنع انحرافها عن غايتها الحقيقية الرامية إلى نشر الثقافة والمعرفة وتحقيق التواصل البناء بين مختلف الشعوب والحضارات.
إنَّ التحدى الذي يطرحه موضوع الاستثمار في الشباب ليـس مجرد أحد الموضوعات على جدول أعمال الحكومات وحدها، لكنه قضية رئيسية ينبغي أن تكون محل تعاون وتكامل في الجهود ما بيــن الحكومات وقطاع الأعمال، فالكل في قارب واحد، ولن يتحقق الازدهار الذي ننشده جميعًا ولن يسود السلام أو الاستقرار اللازمان لاستدامة التنمية، إلا من خلال ذلك التعاون والتكامل بين الحكومة والمؤسسات الخاصة في منطقتنا وأيضًا فيما بينها وبين باقى الدول والأقاليم، فالتهديدات في عالم اليوم باتت عابرة للحدود ولم يعد أحد منا يمتلك ترف التقاعس عن التعاون والتنسيق حتى يمكن القضاء عليها.
إن الجمود الفكرى الناجم عن التطرف والغلو الدينى أو المذهبى تزداد حدته جراء اليأس والإحباط وتراجع قيم العدالة بمختلف صورها، وبالتالي، فإن جهودنا للقضاء على التطرف والإرهاب لابد أن تتواكب معها مساعٍ نحو مستقبل تملؤه الحرية والمساواة والتعددية، ويخلو من القهر والظلم والإقصاء، لكن تلك المساعي لا يمكن أن تكتمل دون أن تمضي بالتوازى معها خطط مدروسة للقضاء على الفقر تجسد الشق الآخر للحقوق الأساسية للإنسان في منطقتنا، فمــن غيــر المقبول أن يستمــر الفقــر سببًا لمعاناة جزء كبير من شعوبنا رغم الإمكانات الاقتصاديـــة الهائلة التي تزخـر بهـــا دولنا، ولن يتحقق القضاء على الفقر، إلا من خلال تنمية اقتصادية وصناعية قوية وشاملة، مرنة ومستدامة، تضع ضمن أولوياتها رعاية الصناعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة باعتبارها أحد أهم عناصر تحقيق التنمية الشاملة، والتى يمكن أن تفجر طاقات الإبداع والابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتعمل على توفير وظائف جديدة لاستيعاب جزء كبير من العمالة ومواجهة ظاهرة البطالة خاصة في أوساط الشباب.
لقد واجهنا في مصر خطر محاولة فرض الرأى الواحد وإقصاء كل من يخالفه، واستطاع شعبنا أن ينتصر على تلك المحاولة، وأن يواجه الترويع والعنف الذي صاحبها بكل شجاعة من أجل تأمين مستقبل الأجيال القادمة في مصـر، ونعايش اليوم في المنطقة مخاطر مشابهة تستقى أفكارها من ذات المصدر، وتسعى من خلال الإرهاب إلى هدم بنيان الدول وتفتيت الشعوب، وتستغل في ذلك الانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي لتجنيد وتعبئة الشباب الذي كان ضحية في مراحل سابقة لضعف الاستثمار في قدراته ومواهبه.
إننا في مصر ندرك كدولة غنيــة بشبابهــا ضــرورة بــل وحتمية أن نصنع مستقبــل بلادنــا ومنطقتنــا بـــدءًا مــن الحاضـــر، كما نعي أن لدينا نافذة ديموغرافية ممتدة حتى عام 2050 للاستفادة من طاقات وقدرات الشباب في سن العمل خلال تلك الفترة، وهو ما يدفعنا بكل قوة لتنفيذ مشروعات جادة وطموحة للاستفادة من تلك الطاقات.
وفـــى هــــذا الإطار، بدأت الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج شامل للتنمية حتى عام 2030، يهدف إلى جذب الاستثمارات وتشجيعهــــا للعمــــل فـــى منــــاخ آمـــــن ومستقــــــر، ويرتكز على القيام ببرنامج للإصلاح الاقتصادى وتطوير مناخ الاستثمار من خلال مراجعة كافة التشريعات المتعلقة به، بهدف دفع حركة الاستثمارات وجذب رؤوس الأموال، وقد تُوجت تلك الأعمال بإصدار قانون جديد للاستثمار الذي ستصدر لائحته التنفيذية قريبًا، كمــا تــم إجــراء بعــض التعديلات التشريعية مثــل تنظيـــم إجراءات الطعن على عقود الدولة، وقانون حماية المنافسة، ومنع الممارسات الاحتكارية، وقانون الشركات، وقانون المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة.
كما أطلقت الحكومة المصرية العديد من المشروعات التنموية الضخمة، وفى مقدمتها مشروع قناة السويس الجديدة، الذي يعد بمثابة قفزة اقتصادية وتجارية هائلة على الصعيدين الوطنى والدولى، وكذلك مشروعات تنمية منطقة المثلث الذهبى الزاخر بالاحتياطيات المعدنيـــة، وتنميـــة الساحل الشمالى الغربى وظهيره الصحراوي، ومشروع شرق العوينات، فضـــلًا عــن إعــداد مشروعــات أخــرى مـــن المنتظر الانتهاء منها خلال الفترة المقبلة على رأسها إنشاء مركز لوجيستى عالمي لتخزين الحبوب، إلى جانب العديد من المشروعات الإنتاجية التي تساهم في توفير فرص عمل حقيقية للشباب.
وقد أتيحت لنا الفرصة لإلقاء الضوء على تلك الجهود خلال مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري في مدينة شرم الشيخ خلال شهر مارس الماضي، والذى شهد مشاركة دولية كبيرة من الدول والقطاع الخاص العالمي، وأسفر عن توقيع العديــد مــن الاتفاقيــات لإطــلاق مشروعـــات اقتصادية كبرى، شملت مشروعات هامة في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية، فضلًا عن التوجه نحو الاعتماد على وسائل الطاقة الجديدة والمتجددة، بمــا يتيــح الفرصــة للتوسع في الأنشطـــة الاقتصاديــة وزيــادة الاستثمارات فـي المجالات المختلفة.
كما تعمل الحكومة المصرية على تطوير شبكات الضمان الاجتماعى والدعم لحماية الفقراء ومحدودى الدخل، وإطلاق برنامج «كرامة وتكافل» بالتعاون مع شركائنا في التنمية، بهدف دعم شبكات الأمان الاجتماعى في مصر، وتوسيع نطاق هذه الشبكات استنادًا لآليات ومعايير تتسم بالشفافية والكفاءة لضمان وصول الدعـــم إلـــى مستحقيــه مــن الفئــات الأضعــف وتحسين مستوى الخدمات المقدمة إليهم.
لقد حققت مصر تحسنًا اقتصاديًا ملحوظًا خلال الفترة الماضية، وهــــو مــا تشهــد بـــه تقارير المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية وتوقعاتها الإيجابية حول أداء الاقتصاد المصرى وارتفاع مستوى الثقة فيه، لاسيما مؤسسات التصنيف الائتمانى التي عدلت توقعاتها ونظرتها للاقتصاد المصرى ورفعت التصنيف الائتمانى من مستقر إلى إيجابى، وبالتوازى مع النجاحات المحققة على الصعيد الاقتصادي، لا يزال التزامنا ثابتًا بالتنفيذ الكامل لخارطة المستقبل السياسية التي تم إقرارها عقب ثورة 30 يونيو 2013، حيث تم الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية بمشاركة شعبية واسعة وفي ظل أجواء اتسمت بالنزاهة والشفافية، ويجرى بالفعل اتخاذ الإجراءات الخاصة بعقـــد الانتخابـــات البرلمانية استكمالاً لبنــــاء مؤسسات الدولـــة.
إننى على ثقة من أن ما سيشهده هذا المحفل من حوارات بناءة وتفاعلات مثمرة سيقوى علاقات العمل القائمة بين المشاركين كما سيضع أسس علاقات جديدة وممتدة تستفيد من الأفكار التي تطرح خلال الاجتماعات وحلقات النقاش، وانطلاقًا من حرص مصر على الإسهام في تعزيز وتوثيق تلك العلاقات وفى إتاحة الفرصة للمزيد من تبادل الرؤى والانفتاح على الأفكار الخلاقة، فإننى أعلن عن استضافة مصر للاجتماع القادم للمنتدى الاقتصادى العالمى حول الشرق الأوسط وشمـــال أفريقيــا فــى مايــو 2016 في مدينــة شرم الشيخ، وأدعوكم جميعاً إلى المشاركة فيه بمزيد من الطموح والتطلع إلى المستقبل من خـــلال الفكر والعمل الجــاد الــذى تمتــاز به اجتماعات المنتدى الاقتصادى العالمي.
أتطلع للقائكم مجددًا على أرض مصر وأرحب بكم ضيوفًا أعزاء وشركاءً أوفياء لتحقيق مصالح مشتركة تصب في خدمة رفاهية واستقرار شعوبنا.