x

سمير عمر فى المغرب لا تستغرب سمير عمر الخميس 21-05-2015 21:54


على غير عادتى فى الأسفار.. امتنعت عن متابعة آخر أخبار البلد المسافر إليه، مكتفياً بما أمتلك من معلومات عامة، وتجنبت الإفراط فى الحصول على بيانات عن المدينة التى سأزورها مستغنياً بما حصّلت من معارف سابقة.

فالبلد هو المغرب، جناح الوطن العربى الأيمن، والمدينة هى أغادير، واسطة عقد المملكة، والشرفة الواسعة المطلة على الأطلنطى. كنت حريصاً أن أترك نفسى لتقتنص ألق النظرات الأولى لأماكن لم أزرها، ودهشة التعرف على عادات لم آلفها، وأشخاص لم ألتقهم من قبل.

١: المساجد والحانات

يطلب رفقائى الراحة بعد معاناة سفر طويل، أما أنا فتجذبنى الرغبة فى استشراف المدينة التى تخشى النوم، فأقرر الخروج، أسأل موظف الاستقبال فى البداية عن اتجاه القبلة فى حجرتى، إذ لا علامات تؤشر له فى الحجرة. يرشدنى إلى أن أُولِّى وجهى شطر اليمين بزاوية ميل تسعين درجة، وما إن يطمئن لنجاحه فى توجيهى للقبلة حتى أبادره بسؤالى الثانى: كنت شاهدت على مدخل الفندق لافتة كبيرة لنادى قمار، هل يتبع النادى إدارة الفندق؟ وهل يحق لى دخوله؟ يضحك الرجل ويجيب: يحق لك بالتأكيد بعد أن تؤدى الصلاة.

فى السيارة أروى لصديقى واقعة موظف الاستقبال فيجيبنا رفيقنا المتفضل بتوصيلنا إلى حيث نريد: «نحن فى المغرب لدينا من المساجد الكثير، ولدينا من الحانات والملاهى الكثير، وعلى الإنسان أن يختار، ولا صاحب المسجد يحقد على قاصد الملاهى ولا قاصد الملاهى حاقد على صاحب المسجد. تعحبنى القاعدة حتى أتعرف على كلمة السر: «ف المغرب لا تستغرب»

٢: الميلاد الثالث

فى التاسع والعشرين من فبراير عام ألف وتسعمائة وستين ضرب زلزال عنيف مدينة أغادير القديمة فدكها دكاً، وحصد أرواح نحو اثنى عشر من أبنائها وخلف مثلهم فى عداد الجرحى ونحو خمسة وثلاثين ألفاً بلا مأوى. ساعتها قال الملك محمد الخامس: «لئن حكمت الأقدار بخراب أغادير فإن بناءها موكول إلى عزيمتنا وإرادتنا». ولدت أغادير من بعد الزلزال مرة ثانية حتى صارت واحدة من أهم المدن المغربية، واستضافتنا المدينة ضمن فعاليات المنتدى الدولى الثالث للإعلام الذى تنظمه جامعة ابن زهر، وشملنا الجميع بحفاوة بالغة وتقدير غير محدود بدءاً من رئيس الجامعة الدكتور عمر حلى، ورئيس المنتدى الدكتور حسن حمائز، والمدير التنفيذى إدريس أبوريحان، حتى فريق العمل عظيم الهمة من موظفين وصحفيين وكتاب وشعراء وأصدقاء، أما الطلبة والطالبات الموكول إليهم مهمة تنظيم وتسيير شؤون المنتدى فكانوا أكثر من رائعين، وقد تمكنوا رغم قلة الخبرة وضعف الإمكانات من تقديم شىء متميز حقاً دفعنى للقول: إن ميلاداً ثالثاً للمدينة سيكون على أيدى هؤلاء لا محالة.

٣: زيت الأرجان

«إذا ذهبت إلى أغادير فاحرص على شراء زيت الأرجان»، نصيحة وجهها لى كل من عرف أننى متوجه إلى أغادير، وزيت الأرجان، أو كما يسميه البعض لوز البربر، يُستخرج من شجرة نادرة فى جنوب المغرب، ووفقاً لشيوخ أغادير يصلح الزيت لكل شىء من الطعام إلى تنعيم الشعر ومقاومة سقوطه إلى التجميل.

ذهبت والصديق الإعلامى الرياضى هانى توفيق لشراء الزيت من معصرة بأحد الأحياء الشعبية، وكانت جولتنا بالحى ممتعة، عرَّفتنا على وجه لا يراه الكثيرون من قاصدى المدينة السياحية.

4: الألتراس فى كل مكان

تزامن مع مشاركتنا فى منتدى أغادير للإعلام لقاء النهائى فى الدورى المغربى بين حسنية أغادير والوداد البيضاوى أحد أكبر أندية المغرب، وفيما كنا نسير على كورنيش أغادير الممتد فاجأنا العشرات من مشجعى الوداد يرتدون لباس النادى الشهير وهم يغنون أغانى الألتراس ويهتفون باسم ناديهم، كانوا يشبهون إلى حد كبير مشجعى الأندية المصرية فى أغانيهم وحركاتهم، وفى السيطرة المطلقة لكبار المشجعين «الكابو» على بقية المشجعين.. فاز البيضاوى بالمباراة وطاف مشجعوه أرجاء أغادير فرحاً بالفوز دون وقوع خسائر.

5: الإعلاميون المصريون وفتة الكوارع

فى مطعم حمل اسم «النيل الأزرق» يتوسط مدخله تمثال مقلد لأبى الهول ومن بين فقراته فقرة التنورة التى يؤديها أحد الفنانين المصريين، كان لقاء العشاء الأخير للوفد الإعلامى المصرى المشارك فى المنتدى، ضم العشاء المذيعة إيمان عزالدين والإعلاميين شريف فؤاد وهانى توفيق، والزملاء الصحفيين المتميزين وليد عبدالرحمن وعصام خضر، بوكالة أنباء الشرق الأوسط، والإعلامى اللبنانى الصديق منير الحافى، والإعلامية والكاتبة المغربية وفاء صندى، هذا إلى جانب مسؤول المنتدى الدكتور حسن حمائز.

قال أحدنا مداعباً الجرسون بما أننا فى مطعم مصرى هل عندك فتة كوارع، وما إن سمع الجرسون الكلمة حتى انفجر فى الضحك. لفت المشهد انتباهنا جميعاً فكررنا ودن اتفاق: كوارع، كوارع، فسقط الجرسون من كثرة الضحك، تصورنا أن الكلمة تحمل معنى آخر فى المغرب، وما أكثر هذه الكلمات التى تحمل معانى مختلفة!

لكن الدكتور حمائز قال لنا: لا بل هى تحمل ذات المعنى، لكن فى أغادير لا يعرفون طبخها على الطريقة المصرية. ودعنا الجرسون المغربى وهو يردد «كوارع»، ثم يواصل الضحك.

6: الجماعة الصحفية لا تعرف الحدود

فى الجلسة الختامية للمنتدى تفضل المنظمون بتكليفى بقراءة التوصيات، ففعلت بكل سعادة، وتسلم أعضاء الوفد المصرى درع التكريم على اعتبار أن مصر كانت ضيف شرف هذه الدورة (استقرت الدرع فى مقر السفارة المصرية بالرباط، حيث سلمته فى اليوم التالى للسفير إيهاب جمال الدين الذى حرص على مشاركتنا جلسة المنتدى الافتتاحية).

كان من بين فقرات الختام تكريم الزميل محمد العلمى الإعلامى المغربى المخضرم، ومراسل قناة الجزيرة فى الولايات المتحدة الأمريكية، كان حضور العلمى كفيلاً بإضفاء البهجة على أعمال المنتدى، فمن يعرف العلمى يعرف كم هو بسيط ومحب للحياة ولمهنة الصحافة، وصفه أستاذه الذى شارك فى الحفل بأنه كان تلميذاً مشاغباً. فقلت: من لم يكن تلميذاً مشاغباً لن يكون صحفياً ماهراً! وفى فقرة تكريم العلمى شارك الإعلامى المغربى عبدالرحيم الفارسى، زميلى ومراسل سكاى نيوز عربية فى بريطانيا، بكلمة مسجلة فى لندن اختتمها بقوله: أما تحيتى لك أخى العلمى فستكون باقة ورد أعطيها لك الآن، وفجأة أظلمت القاعة لتضاء الأنوار على وجه الفارسى حاملاً باقة ورد جاء من لندن ليسلمها زميله فى أغادير، كانت مفاجأة ميزت حفل الختام ومنحت الجميع قدراً هائلاً من البهجة، ففى الأسرة الصحفية الجميع زملاء وأصدقاء مهما فرقتهم السبل وباعدت بينهم المؤسسات التى يعملون لصالحها.

7: صوت نجاة يعانق تجويد محمد بدر حسين

فى أغادير يصل أثير نحو أربع عشرة محطة إذاعية تبث فى أغلبها بعد منتصف الليل روائع الطرب العربى الأصيل، لا يمر يوم إلا وتنثر تلك الإذاعات على مسامعنا أصوات مطربين مصريين، تصادف أن سمعت نجاة، أمَّا عبدالحليم وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب فلهم فى المغرب الكثير، وفى المغرب- وبالتحديد لدى من تجاوزوا الأربعين- بمجرد سماع اللهجة المصرية تفتح لك القلوب، بعض هؤلاء حمَّلونى عتاباً بسبب تراجع حضور الفن المصرى فى السنوات الأخيرة، فهم- كما قال لى الكثيرون- ما زالوا يحفظون أغانى الخمسينيات والستينيات، وهم أيضاً ما زالوا يحفظون جيداً إفيهات عادل إمام وفؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولى.. وفى طريقى للمطار صافح أذنىَّ صوت آخر من أصوات قوة مصر الناعمة، إذ كانت إذاعة القرآن الكريم المغربية فى سيارة الملحق الإعلامى محمد فتوح تبث تجويداً قرآنياً بالطريقة المصرية للقارئ الشيخ محمد بدر حسين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية