x

وحيد عبد المجيد العلمانية ليست إلحاداً.. بل مانعاً لانتشاره وحيد عبد المجيد الخميس 21-05-2015 22:00


خلط جديد للأوراق أحدثه سعى بعض المصريين إلى ممارسة حقهم الدستورى، بل الطبيعى قبل أن يكون دستورياً، فى تأسيس حزب سياسى. ولأنهم أمناء مع أنفسهم، ومع المجتمع، فقد سموا هذا الحزب باسمه الحقيقى وهو الحزب العلمانى المصرى، ولم يلجأوا إلى التحايل أو المداورة أو التقية.

غير أن كلمة العلمانية مازالت مُثقلة بميراث طويل من التشويه الذى تعرضت له. فقد تراكم عليها تخليط وتجهيل، فصارت تبدو لكثير من الناس كما لو أنها مرادفة للإلحاد أو اللادينية.

ولذلك سيكون على هذا الحزب، إذا قُدر لعملية تأسيسه أن تكتمل، تصحيح الأخطاء الشائعة وتوضيح أن النظام العلمانى يختلف تماماً عن النظام اللادينى، مثلما يختلف بالدرجة نفسها عن النظام الدينى. فالدولة العلمانية تحترم الأديان، وتحفظ لها مقامها، وتلتزم بتوفير مستلزماتها القانونية على صعيد حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، ومقوماتها المؤسسية على مستوى دور العبادة وغيرها.

ولذلك يجوز القول إن الدولة العلمانية محايدة تجاه الأديان. ولكن حيادها إيجابى ينطوى على التزام حقيقى بحرية العقيدة وحق ممارسة الشعائر الدينية، وبتوفير الاحترام اللازم للأديان عبر نظام قانونى عادل يضمن عدم الازدراء بها ولا يُستخدم فى الوقت نفسه ذريعة لتقييد الإبداع الفكرى والعلمى والأدبى والفنى.

كما أن هذا الحياد يحفظ للأديان مقامها ويحول دون استغلالها لتحقيق أهداف أو أغراض لا تنسجم مع جلالها، وتتعارض مع مبادئها، وتهبط بها من عليائها فتصبح مستباحة فى ساحات الصراع السياسى والاقتصادى. فالعلمانية تحمى الدين، على سبيل المثال لا الحصر، من استخدامه فى خطابات متعارضة ومتناقضة، ومن استغلاله لتبرير حرب ما، ثم لتسويغ اتفاق سلمى معين.

ويا لها من إساءة تلحق بالدين حين يُستخدم لتبرير حرب غير عادلة، أو يُستخدم ذريعة لتمرير حالة استسلام بدعوى أنها جنوح إلى السلم. وما أشدها الإساءة حين يصبح الدين موضوعاً للصراع بين من يتبنون تفسيرات متناقضة أو اجتهادات متعارضة فى صراعات على السلطة أو السطوة والقوة.

ولعل الخطر الأكبر على الدين فى مثل هذه الحالات هو انصراف بعض المؤمنين به عنه، وشكهم فيه تحت وطأة إساءة استخدامه فى الصراعات الدنيوية، الأمر الذى يدفع بعض المتشككين إلى الإلحاد.

وتُعد العلمانية، من هذه الزاوية، مانعاً من الإلحاد الذى يترتب على شكوك تبعد البعض عن الدين بسبب الإفراط فى إساءة استخدامه، سواء من جانب السلطة فى الدولة الدينية، أو فى ممارسات جماعات تتاجر به فى الدولة التى تسمى نفسها مدنية دون أن يكون لها من هذا الاسم نصيب كبير.

وإذا صح ما يُقال عن انصراف قطاع من الشباب عن الدين، وميل بعضهم إلى الإلحاد فى مصر الآن، فهو نتيجة لإساءة استغلاله فى الصراعات السياسية والصدمة التى ترتبت على أداء سلطة جماعة «الإخوان» حين وصلت إلى الحكم. ويُضاف إلى ذلك استمرار التنافس على الدين حتى الآن بين السلطة وهذه الجماعة وقوى سلفية، وزعم كل من هذه الأطراف أنه يملك «الدين الصحيح»!

غير أن هذه المشكلة أقل مما يحدث للدين فى الدولة الدينية. وتُعد إيران مثالاً واضحاً فى هذا المجال. فقد جعلت ممارسات السلطات الدينية المساجد خاوية تقريباً من المصلين، فى إطار ما يُعرف فى العلم الاجتماعى بظاهرة النكوص الدينى المجتمعى، والبحث عن بدائل روحية أخرى بسبب الطابع المستبد للسلطة التى تخنق الناس باسم الدين، وتفرض قيوداً على الحياة الخاصة للإنسان كما على بعض أهم مجالات الإبداع.

وربما يكون الأثر السلبى للدولة الدينية على الدين أشد منه فى حالة الدولة اللادينية التى لم نعرفها حتى الآن إلا فى حالة الاتحاد السوفيتى السابق وبعض – وليس كل – الدول التى دارت فى فلكه قبل انهيار منظومته فى نهاية ثمانينات القرن الماضى، وكذلك فى تركيا الكمالية التى مازال وصفها بأنها كانت علمانية خطأ شائعاً.

فالدولة العلمانية لا تتبنى موقفاً لا دينياً ولا تحارب التدين فى المجتمع، ولا تتدخل فى حياة الناس وتؤمن بالمبدأ المتضمن فى الآية الكريمة التى تقول إن من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر. والعلمانية تفصل بين السياسة والدين، وليس بين المجتمع والأديان، حتى فى أكثر نسخها تشدداً وهى النسخة الفرنسية، بخلاف الانطباع الشائع عنها فى مصر نتيجة ما تراكم عليها من تخليط وتجهيل.

وهذا انطباع لا علاقة له بواقع العلمانية فى الدول التى تأخذ بها، ولا بالمعنى الاصطلاحى المرتبط بنشأتها وتطورها التاريخى فى أوروبا.

وأحد الأخطاء التى تقع فيها هو فهم الكلمتين المعبرتين عن العلمانية فى أصلها الأوروبى، وهما Secularism، وLaicisme، بمعزل عن هذا التطور التاريخى.

ومع ذلك، فإذا عدنا إلى المعنى الذى أقره المجمع اللغوى المصرى، نجد أنه يفيد انتفاء علاقتها بالإلحاد أو اللادينية، حيث ذهب إلى أنها تقرأ بفتح العين لأنها- فى رأيه- مشتقة من كلمة العالم، وليس من كلمة العلم.

وهذا اجتهاد محمود، ولكنه ليس شاملاً لأن العلمانية ارتبطت أيضا فى تطورها التاريخى بثورة العلوم الطبيعية وانفصالها عن اللاهوت. ولذلك تجوز قراءتها أيضا بكسر العين. وأياً كان الأمر بشأن المعنى الاصطلاحى للعلمانية، فالقدر المتيقن هو أنها أبعد ما تكون عن اللادينية أو الإلحاد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية