شهدت اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التابعة للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكى، الجزء الأول من جلسة استماع بعنوان «مصر بعد عامين على مرسى»، مساء أمس الأول، لمناقشة تطورات الأوضاع السياسية والأمنية فى مصر بعد 2012، والعلاقات «المصرية - الأمريكية».
شملت الجلسة 3 شهادات مقروءة ومسموعة وموقع عليها من المدير التنفيذى لمعهد «التحرير» لسياسات الشرق الأوسط، نانسى عقيل، والخبير فى معهد «هادسون»، صامويل تادروس، والخبير فى الشؤون المصرية والإخوان بمعهد «واشنطن» لدراسات الشرق الأدنى، إريك ترايجر.
وخلال شهادته التى تضمنت 3 صفحات، أشار ترايجر إلى خروج ملايين المتظاهرين إلى الميادين الرئيسية فى مصر فى 30 يونيو عام 2013، للمطالبة بالإطاحة بعزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، الذى فاز بفارق ضئيل فى الانتخابات الرئاسية عام 2012، لكنه سرعان ما خسر الدعم سريعاً.
ولفت إلى محاولة مرسى تأكيد سيطرته على السلطة التنفيذية فى البلاد من خلال الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012، والذى تسبب فى نفور شريحة كبيرة من الجمهور المصرى، وبدأت المظاهرات التى غالباً ما كانت عنيفة واستمرت لشهور.
وبحسب ترايجر، انهار الوضع الاقتصادى، وتحول تيار الرأى العام ضد مرسى، وتمردت مؤسسات الدولة، وأصبحت لا تستجيب للوزراء الإخوان، ورفضت الشرطة حراسة ممتلكاتهم، وفى بعض الأحيان وقف ضباط بزيهم الرسمى جنباً إلى جنب مع المتظاهرين المعارضين لمرسى فى الشوارع.
ونتيجة لذلك، كانت الدولة المصرية على حافة الانهيار، فى الوقت الذى بدأت فيه المظاهرات الضخمة فى 30 يونيو 2013، وبدأ مرسى يفقد السيطرة عملياً على أرض الواقع، وأصبح رئيساً بالاسم فقط.
وقال ترايجر إن الإخوان أساءوا فهم مدى عمق الأزمة، ورفضوا التفاوض بشأن الحل السياسى، مثل إجراء انتخابات مبكرة أو الاستفتاء على رئاسة مرسى، وبدلاً من ذلك حشدوا الآلاف من كوادرهم للدفاع عن شرعية مرسى، وأشارت الجماعة إلى استخدام العنف إذا لزم الأمر. وأضاف: «شاهدت بنفسى المئات من جماعة الإخوان يسيرون فى تشكيلات أشبه بمجموعات أمنية، يرددون شعارات تهديد»، مشيراً إلى اندلاع اشتباكات بين الإخوان وخصومهم فى جميع أنحاء البلاد، ما أودى بحياة العشرات.
وتابع ترايجر، فى شهادته: «ما شهدته البلاد فى ذلك الوقت دفع عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع المصرى حينها، إلى عزل مرسى من السلطة فى 3 يوليو 2013». وقال إن «مصر كانت على حافة نزاع أهلى شديد، وكان كثير من المصريين يخشون أن تسلك بلادهم طريق سوريا أو ليبيا». وأضاف أنه «من منظور الجنرالات وكثير من المصريين، فإن قرار السيسى بعزل مرسى أنقذ مصر من الفوضى الكاملة»، لكنه اعتبر أن الطريقة التى تم بها عزل مرسى من السلطة، «كانت لها عواقب ملحوظة على آفاق الديمقراطية فى مصر».
ورأى ترايجر أن «الإطاحة بمرسى جعلت الجيش المصرى يحصر نفسه فى صراع (القاتل أو المقتول) مع الإخوان، إذ اعتقد الجنرالات ومن يدعمونهم أنهم ينبغى عليهم تدمير الإخوان وإلا خاطروا بإعادتهم لتنظيم أنفسهم من جديد، والعودة إلى السلطة، سعياً للانتقام من الإطاحة بمرسى».
وقال الباحث فى معهد واشنطن، إنه فى المقابل «سعى الإخوان إلى تدمير الحكومة الحالية، ودعا قادة الإخوان علانية إلى موت السيسى، وأصدروا بياناً فى يناير 2015، دعوا فيه أتباعهم إلى تبنى الجهاد والشهادة فى قتالهم ضد النظام الحالى».
وأضاف أن «ذلك دفع الحكومة، المدعومة من الجيش بعد عزل مرسى، إلى إطلاق حملة قمع وحشية ضد الإخوان، ومنعت المتظاهرين بالقوة المميتة، وقطعت رأس التسلسل الهرمى لجماعة الإخوان من خلال حملة اعتقال واسعة لقياداتها».
واعتبر أن أحكام الإعدام التى صدرت نهاية الأسبوع الماضى بحق عشرات القيادات المهمة فى الجماعة، بمن فى ذلك مرسى، «تُشكل الفصل الأخير فى الصراع الوحشى على السلطة، الذى حدد ملامح السياسة الداخلية لمصر فى فترة ما بعد مرسى».
ورأى ترايجر أن «القمع لم يتوقف عند الإخوان فحسب، بل طال غالبية قوى المعارضة الأخرى، وذلك لأن النظام الحالى يجد أن أى نشاط معارض من شأنه أن يسمح بعودة الإخوان، كما قمعت السلطات فى مصر الانتقادات الإعلامية والأنشطة المعارضة لغير الإسلاميين والاحتجاجات الشبابية».
وقال إن «كثيرا من المصريين دعموا هذا القمع، لضجرهم من الاضطرابات السياسية فى البلاد، وخوفهم من الهجمات الإرهابية المتصاعدة فى المدن المصرية الرئيسية». وأضاف أن «كثيرا منهم شجعوا رجال الشرطة فى كثير من الحالات على التعامل بقوة أكثر مع الإخوان والمعارضين الآخرين».
ورأى أنه يجب على واشنطن أن تكون «أكثر واقعية بشأن قدرتها على التأثير على مصر لتسير فى الاتجاه الديمقراطى، ما دامت الحكومة والإخوان لا تزالان منشغلتين فى صراع الموت والحياة فيما بينهما، بدلاً من الاكتفاء بالتقليل من قمع الحكومة المصرية الحالية»، فى إشارة إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، فى يوليو 2014، بأن مصر «تتحول نحو الديمقراطية».
وقال إن الإدارة الأمريكية حاولت التأثير على مصر بتعليقها نحو 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية لمصر، لحين تقديم ما يثبت وجود حكومة مدنية منتخبة ديمقراطياً، لكنها أدركت خطأها الفادح لاحقاً، وقررت فى مارس 2015 استئناف هذه المساعدات، وإن كانت أنهت تمويل التدفق النقدى من الولايات المتحدة إلى مصر عام 2017.
وأضاف ترايجر أن تأجيج التوتر بين مصر والولايات المتحدة ليس فى مصلحة واشنطن، نظراً لدور مصر باعتبارها شريكاً استراتيجياً مهماً. وحدد فى هذا السياق أن حكومة السيسى تمثل فرصة أساسية لواشنطن، باعتبارها حليفا أكثر قرباً للمصالح الأمريكية من الحكومة التى هيمنت عليها جماعة الإخوان.
فى سياق متصل، ركز الخبير فى معهد هادسون، صامويل تادروس، فى شهادته، على رصد مسائل الحرية الدينية وسيادة القانون، ودعا إلى الإصلاح الدينى فى الفترة التى تلت تولى السيسى رئاسة البلاد.
وتطرق تادروس، إلى «عدد من الاعتداءات على الأقباط فى مصر، من بينها هجوم بعض (الغوغائيين) فى قرية الجلاء بمحافظة المنيا، فى مارس 2015، على منازل المسيحيين ومتاجرهم، وذلك لمعرفتهم أنهم حصلوا على تصريح ببناء كنيسة».
وقال إنه «بدلا من إعلاء سيادة القانون وحماية الأقباط وتمكينهم من بناء الكنيسة، أجبرت قوات الأمن والسلطات المحلية الأقباط على التراجع خلال جلسة المصالحة العرفية».
وأشار أيضا إلى أن «تعامل الحكومة بشكل طبيعى مع مقتل 13 قبطياً فى ليبيا، دفع الغوغاء إلى مهاجمة أحد منازل الضحايا فى إحدى قرى المنيا لمنعهم من بناء الكنيسة التى وافق الرئيس على تشييدها لتكريم الشهداء الأقباط ورمزا لمصر الجديدة، حيث يعامل الأقباط بالتساوى». لكنه رأى أن «بناء الكنيسة فى مصر أصبح رمزاً للعنف بسبب إيمانهم، فضلا عن أنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية».
واعتبر تادروس، أن «الأخطار التى تهدد الحرية الدينية لا تقتصر على الهجمات العنيفة، بل تعانى الأقليات الدينية فى مصر مثل الأقباط والبهائيين والشيعة من السياسات التمييزية الرسمية منذ عقود، وتشمل هذه القيود الهائلة على بناء وترميم الكنائس، واستبعاد المسيحيين من المناصب الحكومية الرئيسية، ومعاقبة من يُغير ديانته إلى المسيحية، واعتقال الشيعة لممارسة شعائر دينهم، ورفض إصدار الحكومة بطاقات هوية للبهائيين».
وقال إنه «على الرغم من تنوع مستوى التمييز والاضطهاد خلال الأنظمة القمعية التى تعاقبت على مصر، إلا أنهما كانا جزءاً من نمط مستمر ومتزايد». وأشار إلى استمرار اتهامات التجديف لبعض الأشخاص ومحاكمتهم فى عهد السيسى، مثل مايكل منير بشاى، وكريم أشرف البنا.
وأضاف أن «النظام المصرى لم يتصد بجدية للأسباب الجذرية للأزمة الطائفية المتوطنة فى مصر، وأن فشل نظام السيسى فى دعم سيادة القانون وحماية المسيحيين فى البلاد من الهجمات لا يبشر بالخير بالنسبة لأكبر طائفة مسيحية فى الشرق الأوسط».
وتابع: «النظام المصرى يرى أن اللجوء إلى جلسات الصلح بدلا من معاقبة المهاجمين يساعد فى الاستعادة والحفاظ على النظام، وإنما ما يحدث فى الواقع عكس ذلك تماما».
ورأى أن «النظام المصرى فى حاجة لأن يفهم أن حماية الأقليات الدينية ليست عملا ترفيهياً يأتى فى مرتبة ثانية بعد الانتهاء من التهديدات الأمنية الخطيرة واستعادة الاستقرار والأمن، إذ إن من يهاجمون الأقباط يتشاركون فى نفس الكراهية التى تغذى نفوس الإرهابيين». وقال إنه «لن يتم تحقيق استقرار أو أمن إذا لم تتم معاقبة المجرمين وإنهاء سياسية الإفلات من العقاب».
وأضاف أنه زيارة السيسى الرمزية لبطريرك الكرازة المرقسية البابا تواضروس الثانى فى عيد القيامة تحتاج إلى أن تعقبها خطوات جدية إزاء الأقباط، خاصة أن النظام المصرى فشل فى تمرير قانون جديد ينظم بناء دور العبادة، كما لا تزال هناك عقبات فى تمثيل الأقباط مؤسسات الدولة الرئيسية، مثل الجيش والشرطة، مشيرا إلى أنه لا وجود لقبطى واحد فى صفوف أجهزة مثل المخابرات وأمن الدولة.
من جانبها، قالت نانسى عقيل، المدير التنفيذى لمعهد «التحرير» لسياسات الشرق الأوسط، فى مقتطفات من شهادتها، إن مصر شهدت 41 عملاً إرهابياً فى عام 2012 ثم ارتفعت الهجمات إلى 330 خلال عامى 2013- 2014. وأشارت إلى أنه منذ بداية العام الحالى وقع نحو 442 عملاً إرهابياً منفصلاً، وأن الهجمات أصبحت أكثر فتكاً وتلقى بظلالها على المدنيين أكثر من أى وقت مضى.
وقدمت عقيل عدة توصيات فيما يتعلق بالإصلاحات الأساسية التى تحتاجها مصر لتحقيق الأمن، من بينها «تعزيز دور القانون وإتاحة مناخ سياسى أكثر انفتاحاً، مشيرة إلى أنه فى ظل استمرار غياب البرلمان سيظل السيسى يتمتع بكل صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية منذ تنصيبه فى 8 يونيو 2014.
ومن التوصيات أيضا تفعيل المساءلة والكفاءة المهنية فى قطاع الأمن، إذ ترى عقيل أنه «ليس هناك أى تقدم يُذكر فيما يتعلق بإصلاح الشرطة، خاصة فى ظل مزاعم الضرب الوحشى والاعتداء الجنسى والصدمات الكهربائية التى تعرض لها بعض السجناء فى مراكز الاحتجاز فى مصر».
ورأت عقيل أن الولايات المتحدة يمكنها أن تلعب دوراً حاسماً فى تعزيز التوازن بين الأمن والحرية فى مصر، من خلال تشجيع إجراء الانتخابات البرلمانية سريعا فى إطار الالتزامات القانونية الدستورية والدولية فى مصر، وتعزيز سيادة القانون من خلال برامج العدالة الانتقالية وإصلاح النظام القضائى، والضغط من أجل إصلاح قطاع الأمن.