حين جلس أبوالكباتن الجن مارك جوكربيرج القرفصاء أمام شاشة الكمبيوتر الخاص به فى حجرته الميمونة بمساكن الطلبة فى جامعة هارفارد الأمريكية العريقة، وتفتق ذهنه اللوذعى لتصميم موقع جديد على شبكة الإنترنت يجمع به زملاءه فى الدراسة ومثيلهم من طلبة جامعات ومعاهد ومدارس أخرى فى الولايات المجاورة لتسهيل عملية الاتصال والتواصل بينهم من خلال تبادل آرائهم وأخبارهم وصورهم على الموقع الخزعبلى الحديث، لم يكن يدرى يا حبة عين خالتو إن هذا العالم الافتراضى المسمى فيسبوك سينتشر كما حبوب اللقاح ويتعدى مرحلة الثانوية والتعليم العالى المتعالى ليشمل كل صنوف البشر ويصل إلى حد مليار ونصف مستخدم حتى وقتنا هذا، والحقيقة الواد ماركو الحيلة كانت نيته بيضة وعسلية، حَب يوفق الدنيا مع بعضها إلا أنه لبّسنا جميعاً فى شاشة زرقاء صماء بكماء لا ضمير لها ولا أخلاق وخلع هو بعد ما تلقى عرضاً لشراء موقعه بمبلغ مليار دولار وعمره لا يتعدى 23 عاماً، ابن المحظوظة، هنيّالك يا فاعل الفيس ومخترع له البوك، لقد تفوقت على أخواتك الإلكترونيين، تويتر وفايبر والواتس آب وحتى سكايب. وصار ابتكارك القاسم المشترك الأعظم للبشرية الذى عدى البحور والمحيطات ولا اتبلش إنما إحنا اللى غرقنا فى شبر جيجا وصار شعارنا اليومى عندك جيجا تسوى جيجا، والقوة بين إيديك طالما فى سرعة نت، أما لو النت بطىء أو قاطع تبقى ابن الزبال ومالكش دية ولا وظيفة، مع الأسف، مع الألم،
إحنا نجحنا فى مد خطوط شبكاتنا اللاسلكية بينما أضعفنا مستقبلاتنا الذاتية، والنتيجة أننا أدرنا وشوشنا بلا استثناء للتواصل الإنسانى المباشر وعملنا لحياتنا الاجتماعية الحقيقية بلوك، أصبحنا غرباء يا ليل وبلهاء يا نهار، منكبين حتى الثمالة أمام صفحات بسلامتو، نصتبح على Poke ونتمسى على Messenger ودنيتنا انحصرت فى مربع حوالى 2 أو 3 بوصة سواء كان لاب توب خف الريشة أو آى باد أو آى فون أو حتى نوكيا موديل التسعينيات من شارع عبدالعزيز، ومع ذلك سره شغال حتى فى أقدم ماركاته يخترق الحدود ويعبر المنافذ ويحشد المليونيات ويلم التوقيعات ولا تخرج من الصفحة قبل أن تقول «سبحان الله» وذلك دون أى عراقيل محلية أو مواثيق دولية تمنع الانتشار والتوغل والتسرب، وبناءً على دنيتنا التى انحصرت فى مربع، فالطبع علاقتنا اختصرت فى Share أغنية لأصالة من عينة «60 دقيقة حياة» وإحنا فى قمة غرامياتنا أو عمل Tag لنواح إليسا بأغنية «مصدومة بجد» وإحنا فى قاع أحزاننا ده غيّر مشاعرنا التى اختزلت فى الاستعانة بأشكال كرتونية لكائنات هلامية تبدو ضاحكة مرة وباكية مرة وناقمة ومخنوقة مرات، نضعها على حسابتنا الشخصية كناية عن أحوالنا المزاجية، الحقيقة يا عم مارك رغم أنك حبيبى من أيام الجيزة إلا إنى سئمت من كل هذا الانحصار والاختصار والاختزال ولم أعد أحتمل هذا السجن الانفرادى الذى يقيد حريات الاكتشاف والتشويق والإثارة والتعارف والتقارب الخارجى وكرهت هذا التقوقع منغلق المسام منزوع الحيوية، مقت إدمان الجرعة اليومية للفيس، والتى بدونها ربما أعمل تويت على روحى، فهل أنا فى حاجة إلى برنامج تدريب وتأهيل نفسى، إن كنت كذلك فأنا على أتم استعداد لمواجهة أعراض الانسحاب بدلاً من لوثة تحميل وتنزيل فيديوهات وتبديل وتغيير صور البروفايل الباحثة عن لايكات بالمئات وتعليقات بالثناء حصولاً على دعم معنوى. التوحد مع الذات لمراجعة الإخفاقات والتخطيط للمستقبليات أفضل ألف مرة من الدخول فى حوارات عقيمة والتمادى فى التراشق بالألفاظ إلى حد التعرض لسقطات، قراءة الروايات وتذوق الأشعار ومتعة الاستماع للسنفونيات أرقى بكثير من الخوض فى أعراض البشر والإساءة لسمعتهم والتنكيل بسيرتهم، الخروج فى المتنزهات وتبادل الزيارات أهم وأبقى من إخراج وإرسال بوستات لأعياد الميلاد والأفراح والعزاء، مكالمة تليفونية من غائب حاضر أو من حاضر غائب أروع من تصدير أحاسيس خادعة بتلقيح فى Status هى أبعد ما تكون عن الحقيقة المتهالكة، على فكرة أنا مش ضد البلور المسحور المسمى فيسبوك، الذى قرّب المسافات وزال الحواجز ووحد العملة، أنا ضد العولمة التى ضيقت الخُلق وطبقت على النَفس وفقعت المرارة من واقع الهرى عمال على بطال، وبالمناسبة هو الهرى على إيه النهاردة؟!