x

حلمي النمنم فتاوى سياسية حلمي النمنم الثلاثاء 19-05-2015 21:54


خيبت نتائج الانتخابات البريطانية كل - أقول كل - استطلاعات الرأى، التى جرت فى فترة الصمت الانتخابى، الاستطلاعات أكدت أن النتيجة سوف تكون متقاربة بفارق مقعد واحد أو اثنين على الأكثر بين الحزبين العتيدين، المحافظين والعمال، ومن ثم فإن الحكومة البريطانية القادمة سوف تكون ائتلافية، لكن حزب المحافظين نال أغلبية كاسحة بالمعنى الإنجليزى، أقصد ليست أغلبية التسعين بالمائة وما فوقها.

خيبت نتائج الانتخابات كذلك توقعات كثير من الصحف والصحفيين البريطانيين، إذ هيأوا الرأى العام إلى قرب خروج ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطانى، من الساحة السياسية، فإذا به يوطد أركانه ويتهيأ لتشكيل الحكومة بثقة أكبر وتأييد أعظم من الناخبين، ولأنهم اتفقوا على قواعد العملية السياسية وآمنوا بها، فإن رئيس الحزب الخاسر، تقدم باستقالته فوراً ولم يتأتئ حول نتائج الانتخابات ولا أن رئيس الحكومة استغل وأدار العملية لحسابه، وكلام من تلك النوعية التى تملأ آذاننا هنا مع كل انتخابات، وأى انتخابات، لا يريد الخاسر أن يعترف فيها بخسارته.

ما حدث فى الانتخابات البريطانية يجعلنا نتوقف ونتساءل حول عمليات استطلاع الرأى وتوقعات الصحف، لا لنطرحها أرضاً أو نستبعدها، بل لنثق أنه رغم «علمية» الاستطلاع ودقته إلا أن الواقع يمكن أن يخيب أو يكذب النتائج وكذلك الحال بالنسبة لتوقعات أو تنبؤات الصحف، دائماً يمكن أن يقدم الشارع والواقع المفاجأة، ونحن - هنا - فى مصر نعرف ذلك وجربناه فى غير الانتخابات، جربناه سنة 1973 فى عبور قناة السويس، حيث أكدت كل الدراسات «العلمية» والاستطلاعات استحالة قيام المصريين بالعبور، وجربناه فى 25 يناير 2011 حين كانت كل الاستطلاعات والتقارير العلمية «العالمية» تؤكد أن نظام مبارك قوى ولن يسقط رغم اعتراف الجميع بأن السوس كان ينخر فى عظامه.

الانتخابات البريطانية كشفت عورات الاستطلاعات «العلمية المدققة» وكشفت توقعات الصحف «الرصينة»، فما بالنا بنا وليس لدينا استطلاعات مدققة ولا توقعات رصينة، لدينا ما يمكن أن نطلق عليه «فتاوى سياسية»، وكما أن هناك فتاوى دينية، غير مدروسة وغير مدققة، تصدر عن غير متخصصين أو دارسين، ناهيك عن أن يكونوا مجتهدين، فالأمر أشد وأنكى فى مجال السياسة وتحديداً فى مجال الانتخابات البريطانية القادمة..

من هذه الفتاوى التى تترى علينا منذ عام وأكثر، أن الحزب الوطنى «المنحل» سوف يحصد 50٪ من المقاعد البرلمانية، وتتواضع فتوى أخرى لتصل بالنسبة إلى 35٪، وفتاوى أخرى حول مقاعد الإخوان وأنها سوف تتجاوز 30٪ وفتاوى غيرها بأن السلفيين سوف يحصدون ثلث مقاعد البرلمان، ولو حاولت أن تبحث عن سند مثل هذه التوقعات أو الفتاوى البرلمانية، لن تجد فى الأغلب سوى مجموعة من الأهواء أو الأمنيات التى تتحول إلى نبوءات، وربما أغراض ذاتية، فضلاً عن أن بيننا من لديه رغبة فى «التعالم» على المواطنين، قراء أو مشاهدين.

فضيلة المفتى د. شوقى علام يشكو من فوضى الفتاوى الدينية، وتصدر غير المؤهلين لها، الموضوع فى الشأن السياسى لا يقل خطورة، ولا يجد من يتصدى له، حتى فاجأتنا نتائج الانتخابات البريطانية لتذكرنا بتقليد عربى وتراثى قديم، كان يلتزم به الفقيه والمؤرخ والمعلم، وهو أنه بعد أن ينتهى من اجتهاده وبحثه العميق يقول «وفوق كل ذى علم عليم»، أى أنه يترك بذلك مساحة ويعترف بأن هناك قولاً وفكراً آخر قد يفوق ما قدمه، لكن السادة الذين يتصدون للفتوى السياسية يقدمون آراءهم باعتبارها القول الفصل، رغم تهافت ما يطرحونه فى حالات عديدة، لنتذكر جيداً أنه فى انتخابات سنة 2000، حصل الحزب الوطنى، الذى كان يحكم، وبعد التزوير على 32٪ فقط من المقاعد وتجاوز الحزب الهزيمة بأن ضم إليه المستقلين، وتكرر الأمر فى عام 2005، فما بالنا الآن بحزب قامت عليه ثورة وأسقطته، والأمر نفسه ينطبق على أقوالهم حول مقاعد جماعة الإخوان، حيث لا يستطيع أى من هؤلاء أن يقف فى الشارع ويعلن أنه ينتمى إلى تلك الجماعة، ويتخفون بأسماء وتحت دعاوى أخرى، فكيف لعاقل أن يتصور أو يزعم أنهم سوف يسيطرون على البرلمان القادم؟!

لا نطالب بما يطالب به بعض علماء الأزهر من منع الآخرين بالقانون من إصدار الفتاوى الدينية، لا نريد فى السياسة منعاً ولا حجراً على الرأى، فقط نريد بعض التواضع فى التوقعات أو الفتاوى السياسية، وليتنا نتعلم من تجربة الانتخابات البريطانية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية