«إنني تشهيت زغاريد النساء.. يحملن شوق ألف عام للأغاني والفرح»، هكذا يبدو حال الفلسطينيين، في الداخل والشتات، في الذكرى السابعة والستين للنكبة، يرددون مع سميح صباغ (1947 – 1992)، بيته الشهير، وشوقه المؤلم لعناق أرض فلسطين التاريخية، من البحر إلى النهر.
تمر القضية الفلسطينية، بسنواتها العجاف الممتدة منذ اتفاقية أوسلو، 13 سبتمبر 1993، حتى الاقتتال بين حركتي فتح وحماس، وليس انتهاء بحصار قطاع غزة، ومحاولات «شيطنة الفلسطينيين» بدعوى مجابهة «حماس»، التي لا شك في مدى الضرر الذي ألحقته بقضية العرب المركزية، منذ نشأة المجمع الإسلامي في غزة، عن طريق تصريح رسمي من دولة الكيان الإسرائيلي، من خلال الحاكم العسكري للقطاع، أواخر سبعينيات القرن الماضي، وكان لافتا قول الشيخ أحمد ياسين (1937 – 2004)، في تحقيقات المحكمة الإسرائيلية، أوائل الثمانينيات، مبررًا ضبط أسلحة في منزله، «إنها مخصصة لمحاربة الشيوعيين في القطاع لا إسرائيل».
وتوهجت حركة التحرر الفلسطينية، منذ منتصف الستينيات حتى نهاية السبعينيات، وكان لوديع حداد (1927 – اغتيل 1978)، عضو حركة القوميين العرب، مع مؤسس الجبهة الشعبية، وحكيم الثورة، جورج حبش (1926 – 2008)، دور كبير في المقاومة الفلسطينية، عن طريق اختطاف الطائرات لتنبيه العالم أن هناك شعبًا يكافح لتحرير وطنه من آخر مخلفات الاستعمار البدائي القائم على احتلال أرض الغير.
وحسب «حبش»، في سيرته الذاتية المعنونة «الثوريون لا يموتون أبدًا»، دشنت الجبهة الشعبية اختطاف الطائرات لتذكير العالم بالقضية الفلسطينية، ولما أحدثت مرادها، أتخذت الجبهة قرارًا بوقف عمليات الاختطاف، إلا أن وديع حداد رأى أن استمرار العمليات مهم وضروري في تلك الفترة، ما سبب الافتراق الثاني مع أحد قيادات الجبهة الشعبية، بعد انشقاق نايف حواتمة، وتأسيسه «الجبهة الديمقراطية».
وأحدث دخول الإسلاميين، عن طريق حركة حماس، شرخًا عميقًا في «الثورة الفلسطينية»، ووجهت فوهات البنادق إلى رفاق الدرب من قوى اليمين واليسار، وكان المشهد عبثيًّا بارتكاب حماس عقب تأسيسها اعتداءات على «علمانيي غزة»، تصل حد الجريمة، وبسيطرة حماس النهائية على غزة (2007)، أصبح القطاع الذي قال عنه «موشي ديان» يومًا، «إن إسرائيل تحكمه في النهار والفدائيين يحكمونه في الليل»، مرتعًا لأفكار تعادي القومية واليسار، وتتخذ من «الهيمنة باسم الدين» سلمًا للسلطة، لا تغني عن تردي وضع القضية التي تعتبر «جرح العرب المفتوح»، بتعبير إميل حبيبي (1922 – 1996)، في روايته الفاتنة «المتشائل».
وفي وقت ظن الجميع ثبات الوضع داخل الأراضي المحتلة، اندلعت الانتفاضة الأولى، 8 ديسمبر 1987، وأثبت الفلسطينيون صدق مقولة ياسر عرفات (1929 – 2004)، «شعب الجبارين»، وكان دراميًا أن تخذل السياسة عبر «عرفات» تضحيات المقاومة بتوقيع «أوسلو»، ما وصف من قبل قيادات يسارية فلسطينية حينها بـ«الوقوف على تخوم الخيانة».
وتكرر خذلان السياسة تضحيات المقاومة، في الانتفاضة الثانية، 28 سبتمبر 2000، عقب «الاقتتال الجريمة» بين «فتح» و«حماس»، والصراع المرير على السلطة، وانتهى الأمر بحكومتين في غزة ورام الله، بلا دولة وبلا سلطة حقيقية، ليبقى الوضع على ما هو عليه، شعب يبحث عن استعادة قضيته العادلة، وقادة يتقاتلون على الفتات.