استغربت جداً، لتصريح للمحامى طارق محمود، الأمين العام لصندوق تحيا مصر، الذي يرعاه الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويُهاجم فيه منظمات المجتمع المدنى المصرية، لأنها «تُهدد بإسقاط مؤسسات الدولة المصرية»، طبقاً لما نشرته صحيفة الديلى نيوز (Daily News) المصرية، الصادرة بالإنجليزية، يوم الخميس 7 مايو 2015.
ووجه الاستغراب هو أن هذا المحامى يُمثل، أو يدعى تمثيل، صندوق تحيا مصر، الذي هو نفسه منظمة غير حكومية، أي أنها ضمن منظمات المجتمع المدنى التي يُهاجمها الرجل.
أما حيثيات الهجوم فهى اثنتان، حسبما نستخلص من التصريح والخبر المنشور:
الحيثية الأولى، أن عدداً من مُمثلى المجتمع المدنى التقوا وفداً من الكونجرس، زار مصر مؤخراً، واشتكوا له من تردى أوضاع حقوق الإنسان.
والحيثية الثانية، هي أن مُمثلى المجتمع المدنى طالبوا بتخصيص نسبة من المُساعدات، التي يُقرها الكونجرس لمصر، لمنظمات المجتمع المدنى المصرية.
والغريب في أمر ذلك المحامى، الذي أسمع عنه للمرة الأولى، أنه لو كان دُعى للقاء وفد الكونجرس لسارع إلى ذلك. فرئيسه ورئيسنا جميعاً، عبدالفتاح السيسى، التقى نفس الوفد. فهل ما يفعله رئيس الدولة حلال، وإذا فعله مُمثلو المجتمع المدنى يكون حراماً؟
ولكن من الواضح أن الطارق محمود، لم يُدع لذلك اللقاء. إما لأنه غير معروف في دفاتر المجتمع المدنى المصرية، أو لأن المؤسسة التي يدّعى الحديث باسمها، وهى صندوق تحيا مصر، ليست مُعترفاً بها كمنظمة غير حكومية. وربما يكون ذلك لشُبهة أنه منظمة حكومية، حيث يرتبط منذ بدايته، باسم رئيس الجمهورية.
وفى ذلك فهو لا يختلف كثيراً عن منظمات ارتبطت قبل ثورة 25 يناير بأسماء كبار مسؤولين، أو زوجات هؤلاء المسؤولين، مثل جمعية الوفاء والأمل، التي ارتبطت باسم السيدة جيهان السادات، أو جمعية الرعاية المتكاملة، التي ارتبطت باسم السيدة سوزان مبارك.
ورغم أن السيدتين الفاضلتين، جيهان وسوزان، كانت أهداف جمعياتهما نبيلة للغاية، إلا أن التداخل بين الصفة الرسمية، والصفة غير الحكومية، جعل التبرعات من الداخل (رجال الأعمال) والخارج (الجهات الدولية المانحة) تنهال على الجمعيتين، طالما كان زوجاهما رئيسين للجمهورية، وبزوال هذه الصفة (بالاغتيال مرة، أو الإسقاط مرة)، اختفت الجمعيتان (الوفاء والأمل، وكذا الرعاية المُتكاملة) من خريطة الفضاء المصرى العام. وانحسرت عنهما الأضواء، ولم يعد أحد يسمع عنهما!
ونرجو ألا يحدث ذلك لصندوق تحيا مصر. ولو أننا لا نستبعد أن يلقى نفس المصير، مثل جمعيتى الوفاء والأمل، والرعاية المُتكاملة، حينما يترك الرئيس السيسى السُلطة، أو يرحل عن عالمنا، بعد عُمر طويل!
المُهم لموضوعنا، هو أن المُشير حسين طنطاوى كان قد فعل نفس الشىء في بداية عهده بالسُلطة بعد ثورة 25 يناير. فأمر بإيعاز من إحدى وزيراته، التي لم تقم بأى عمل تطوعى في حياتها، بإغلاق عدد من المنظمات التطوعية، التي كانت تتلقى بعض تمويلها من الخارج.
ووقتها (فبراير/2012) كتبت ونشرت في نفس هذا المكان مقالاً بعنوان «لماذا يُصر المجلس العسكرى على اضطهاد نانسى عقيل؟» ونانسى كانت أحد المتطوعات، التي تلقت تمويلاً من مؤسسة دولية تسمى «بيت الحُرية» (Freedom House). بل أحالتها النيابة هي وعدد من زُملائها للتحقيق ثم للمُحاكمة لتلقى ذلك التمويل. طبعاً، بعد ثلاث سنوات من المُطاردات الأمنية والمُحاكمات الوهمية، انتهت الزوبعة.
وضمن ما ذكرته في مقال نانسى والمشير: كيف يُبرر الرجل ومؤسسته العسكرية تلقى ما يصل قيمته إلى مائة مليار دولار طوال السنوات التي كان هو فيها على رأس تلك المؤسسة، ثم يتبرم ويُهاجم 6.000 منظمة غير حكومية على تلقى عشرة ملايين دولار، تنفق منها على أنشطتها التنموية والخيرية؟
طبعاً لم يرد المُشير في حينه على السؤال. ونفس السؤال مطروح على الرئيس السيسى، والمُتحدث باسمه في صندوق تحيا مصر. وكما لم يرد المُشير حسين طنطاوى، نشك كثيراً أن يرد الرئيس السيسى، أو ذلك المحامى الذي تحدث باسم صندوقه.
فواقع الأمر أنه ليس لديهما رد. وكل ما يملكانه هو استخدام السُلطة التنفيذية للدولة، لمُلاحقة المنظمات غير الحكومية، أو استخدام سُلطتهما المعنوية وسطوتهما الإعلامية، في تشويه سُمعة النُشطاء المدنيين ومنظماتهم التطوعية.
وأخيراً، هناك مُفارقة صارخة، وهى أنه بينما سعى الرئيس السيسى بهمة مشكورة، لتنظيم مؤتمر عالمى في مُنتجع شرم الشيخ لمستثمرين عرب وأجانب، من أجل أن يستثمروا اقتصادياً في مصر، غفل الرجل ومُساعدوه تماماً عن البُعد الاجتماعى للتنمية، والذى يترتب على إهماله أن ينفجر المجتمع نفسه. فكما قال خبير التنمية د. صبرى الشبراوى، وعلى نفس هذه الصفحة في أعقاب مؤتمر شرم الشيخ: ما هي جدوى اقتصاد صحيح ومجتمع مريض؟
فيا أيها المحامى طارق محمود، بدلاً من الهجوم على نُشطاء المجتمع المدنى، لتلقيهم عشرة ملايين دولار من الخارج، أعطونا كشف حساب عن المائة مليار دولار التي تلقيتموها من الخارج ـ العربى والأوروبى والأمريكى!
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد..
وعلى الله قصد السبيل.