x

أنور الهواري سنوات البناء والتأسيس أنور الهواري الخميس 14-05-2015 21:54


نحنُ وصلنا إلى هُنا: لا نُحسن تصوير وتقديم وإخراج وإذاعة حديث تليفزيونى يخاطب فيه الرئيسُ من يهتمون به ويحبون الاستماع إليه، خطأٌ قد يبدو تافهاً لكنه يكشف عما هو أخطر، عما وصل إليه مستوى الكفاءة والإتقان عندنا.

وعند زيارة بوتين الأخيرة لنا: رأيتُ على مائدة طعام الرئيسين مفرشاً أبيض، كأننى رأيتُه من قبل، وحكيت أظافرى فى ذاكرتى، فتذكرت أننى رأيتُ مثل هذا المفرش على الموائد فى مطاعم القاهرة القديمة، ثم فى مطاعم رأس البر. ثم لم نُحسن عزف السلام الوطنى الرُّوسى، ثم أكرمنا ضيوفنا من الإعلاميين الرُّوس وغير الرُّوس- فى القصر الجمهورى- وسرح فى أوساطهم من يحمل صينية الحلوى ويبيع القطعة لمن يريد لقاء خمسة جنيهات. ثلاثة أخطاء صغيرة جداً، لكنها تكفى للكشف عما هو أكبر، خاصة أنها حدثت مع من نظن أنه الضيف الأكبر، الذى نريد أن نوازن به ولو القليل من خصومة نظيره الأمريكى معنا.

ثم أفهم أن تنزل القوات مشكورة لحماية النظام العام فى لحظات الاضطراب، لكن أن تنزل القوات لحماية عربات تبيع الخضروات للناس بأسعار مخفضة، فهذا ما يستعصى فهمه ويحتاج إلى عقل هادئ وصدر صبور.

أستطيع أن أتوقع هذا، بل وأن أتوقع ما هو أكثر، وبدون أى انزعاج، فنحن- كل يوم- نكتشف حجم الانهيار، ومن مصلحتنا أن نكتشفه، وأن نصل معه إلى نهاية القاع، لنرى الحقيقة على وجهها الصحيح، ثم لنفكر فى كيفية الخروج من هذا الحال السقيم، البعضُ يظن أن هذا الاكتشاف يدعو إلى الإحباط، والعكس صحيح: اكتشاف الحقيقة يضعنا فى مواجهة مباشرة مع تحمل مسؤولياتنا، بكل همة وعزيمة، فليس لنا من خيار آخر، إلا أن نحافظ على هذا البلد، ثم نسلمه لمن بعدنا من الأجيال.

بصراحة شديدة: هذا دور الشعب قبل أن يكون دور الحاكم، هذا واجبُ الأمة قبل أن يكون واجب الدولة، ومن العقل ألا ننتظر أو نتوقع الكثير من سلطة لا تعرف كيف تجهز حديث الرئيس مع الشعب، فمن يُخفق فى مثل هذه المهات اليسيرة ليس من الإنصاف أن نحمله ما لا يطيق من المهمات الأخيرة.

اسمع كلامى: فى مثل هذه السنوات من مائة عام، أى السنوات الأولى من القرن العشرين، كانت الأمة هى الحافز، وكانت الدولة هى العبء. كانت الأمة هى الدواء، وكانت الدولة هى الداء. كانت الأمة هى نقطة القوة، وكانت الدولة هى نقطة الضعف. كانت الأمة هى الحل، وكانت الدولة هى الأزمة. كانت الأمة هى الجواب الصائب، وكانت الدولة هى السؤال الحائر.

فى السنوات الأولى من القرن العشرين، كانت سلطة الدولة وهيبتها ضائعة بين أطراف ثلاثة: الخديو، السطان العثمانى، الاحتلال الإنجليزى، وأنا على يقين أنك لا تتذكر من كان الخديو، ولا من كان السلطان، ولا من كان ممثل الاحتلال، رغم أننى أعلم، أنك تعلم أن هذه الأطراف الثلاثة كانت هى من يقود سفائن الدولة فى ذاك الوقت.

لكنك تتذكر رموز الأمة المصرية، الذين جسدوا معنى الوطنية، والذين ملأوا فراغ الهوية، والذين سدوا ثغرات الدولة بصمود الأمة وإبداعها، فعندما ندرس تاريخ مصر فى هذه السنوات الأولى من القرن العشرين، فنحن لا نكاد نرى الدولة، من فرط ضعفها وترهلها، ولكننا نرى الأمة من فرط تحفزها وتوثبها، نرى الشيخ محمد عبده، وأحمد لطفى السيد، وسعد زغلول، وفتحى زغلول، ومحمد محمود، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وسلامة موسى، وأحمد شوقى، وحافظ إبراهيم، وسيد درويش، ومحمد عبدالوهاب، ومحمد على علوبة، ومحمد حسين هيكل، وطه حسين، وعباس العقاد، وأحمد حسن الزيات، هؤلاء وغيرهم كثيرون هم جيلُ الإحياء والتجديد الأوسع تأثيراً، وهم مثل من بعدهم، من أضاءوا معنى التاريخ المصرى المعاصر، وليس الحكام، وليس الموظفين العموميين، وليس الأجهزة البيروقراطية والأمنية والسيادية إلى آخر القصة الطويلة من كهوف الدولة ومغاراتها وكهنوتها الغريب.

هذه هى سنواتُ عمل الخير 2015 م- 2025 م، والخيرُ هنا هو تحديث الدولة وفق إرادة الأمة، نحن ننتظر هذه الفئة من الرجال الكبار، ليسوا من الفاسدين، ولا مُبزنسين، ولا مرتزقة، ولا حلنجية، وعندى يقين أن مصر بها منهم الكثيرون فى كل مجال، فقط ينتظرون إطار العمل، وأقول لهم: الإطار جاهز، هيا نعمل من قاعدة الأمة، وليس من قاعدة الدولة، العمل من خلال الدولة- فى هذه اللحظة- يؤخر أكثر مما يقدم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية