x

علي سالم تُرى.. ما هى الكتابة؟ علي سالم الثلاثاء 12-05-2015 22:05


فى كتابه المكروه من الجميع «The true believer» يتكلم إريك هوفر باستهجان عن هؤلاء الذين يكتبون موجهين خطابهم إلى السلطة. وكأن مخاطبة السلطة فى مكان ما أمر خارج عن مهنة الكتابة. الواقع أنك ستلاحظ هذه الأيام أنه من النادر أن تجد كاتبا أو إعلاميا بوجه عام لم يتوجه بحديثه إلى السيد الرئيس السيسى مادحا أو ذاما، شاكيا أو ناصحا أو مصححا أو مخطّئا. فهل توجيه النصائح أو المطالب أو التوعية بتصحيح طريق أو طريقة للسلطة، عنصر داخل فى مهنة الكتابة؟

قادنى السؤال لسؤال آخر أعترف بأنه أصابنى بالفزع وهو: وما هى مهنة الكتابة؟

ما هى تلك العناصر والمكونات التى تجعل من الكاتب كاتبا، ومن الكتابة كتابة؟ وما هى حدوده مع الاعتراف بحقه فى الحرية بالطبع؟ قد تقول مستنكرا: يعنى حضرتك بتكتب من ستين سنة، واكتشفت النهارده إنك ما تعرفش يعنى إيه الكتابة؟

وأرد: نعم.. وأطلب منك تفعيل ذلك القانون القديم وهو.. الاعتراف بالحق فضيلة. وأنا راجل فاضل كما تعرف.. غير أنى فى طريقى لمعرفة الإجابة على هذا السؤال.. وأقول لست أتكلم عن أشكال الكتابة النهائية، أى المنتج النهائى من قصة وشعر ورواية إلى آخره.. أنا أتكلم عما قبل ذلك عن الخامة نفسها التى تشكلت منها هذه المصنفات التى يحفظ أى تلميذ شروط جودتها عن ظهر قلب. السؤال هو: ماذا يحدث داخل العقل من عمليات تفكيرية تجعل من الإنسان كاتبا؟

إذا افترضنا أن الكتابة مهنة مثل غيرها من المهن، فمن وجهة نظر عملية، كل المهن والحرف تصب فى تحقيق فائدة لأكبر عدد ممكن من الناس وعلى أكبر مساحة زمنية ممكنة. ولكى يحدث ذلك عليك أن تتجنب قدر المستطاع إثارة أى انفعالات مؤلمة عند قارئك.

عندما تقول يا صديقى أسامة الغزالى حرب بوضوح بطريقة مباشرة للرئيس: سيدى الرئيس.. لا تذهب لحضور المناسبة الفلانية.. لأن صاحبها سمعته السياسية سيئة.

فكّر قليلا.. لقد مارست حريتك فى التعبير وحرمت آخرين من حريتهم فى اتخاذ القرار المبنى على حسابات ربما تكون قد غابت عنك. ليس هذا فقط، لقد تركت عندهم إحساسا قويا بأنك تستغل موقعك لفرض فكرة ما عليهم. ربما أيضا أشعرتهم بأن فهمهم للشأن العام هو موضع تساؤل. وهنا تخرج المسألة كلها عن دائرة الكتابة والقراءة إلى دائرة الخصومة السياسية. وبالتأكيد أنت لم تكن تهدف إلى ذلك. لن أعلمك- حاشا لله- ماذا تكتب بعد أن اعترفت بأننى لم أعرف بعد ما هى الكتابة، غير أنى كنت أفضل فى هذا الموضوع الحساس للغاية، أن تتكلم معنا نحن القراء وتقول لنا: «لا أعتقد أن تدعيم الشخصية الفلانية فى الموقف الفلانى أمر سديد»، أنا شخصيا- وربما كنت مخطئا- تعودت أن أكتب فى أحيان كثيرة لقارئ اسمه لبيب، ولبيب هذا كما يعرف الجميع تكفيه الإشارة من بعيد ليفهم ما نكتبه له وما نقوله.

عندما أشحنا بوجوهنا جميعا، نحن الكتاب، بعيدا عن الحكومة، نكون قد أصدرنا قراراً بإعفائها من المسؤولية. نحن نرى رئيس الدولة فقط ولا نرى الحكومة ولا نتابعها ولا نراقبها ولا نحاسبها، وهذه كارثة بالفعل. كارثة تسمح بعودة الجملة الشهيرة التى خربت عهداً بأكمله وأدخلت أهله السجون وهى جملة «طبقا لتوجيهات السيد الرئيس» التى عادت للظهور على استحياء هذه الأيام. لنتكلم مع الحكومة يا سادة.. تعالوا نمدحها.. نشتمها.. ندلّعها.. نعكنن عليها.. نطلب منها.. ندعو لها.. ندعو عليها.. وذلك لسبب واضح وبسيط: الحكومة فى بداية الأمر ونهايته هى المسؤولة عملياً عن إدارة شؤون البلاد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية