لم يكن ينقص قطاع غزة هذا البيان المنسوب لجماعة أنصار الدولة الإسلامية في بيت المقدس، وهددت فيه حركة حماس بإمهالها مدة 72 ساعة لإطلاق معتقلين سلفيين محتجزين لدى حركة حماس، مقابل عدم استهداف حكومة الردة في غزة، متوعدين بأن كل الخيارات مفتوحة للرد على حماس!!
الحقيقة أن نفي حركة حماس القاطع بوجود أي جماعات سلفية أو امتدادات لتنظيم «داعش» في غزة محير، في ضوء ازدياد عدد السلفيين والمراكز السلفية بشكل كبير ولافت منذ أن سيطرت الحركة على قطاع غزة عام 2007، كما أن البيان الصادر عن هذه الجماعة ونشرته مواقع إلكترونية سلفية جهادية، يثير الاهتمام، خاصة أن البيان يُجدد البيعة والولاء والنصرة لأمير المؤمنين، على حد قولهم، «أبوبكر البغدادي»!
قطاع غزة شهد سلسلة انفجارات خلال الأشهر الستة الماضية، ما يعكس حالة الانفلات الأمني التي عانى منها طويلًا المجتمع الغزي، والبيان الذي نشرته الجماعة المنسوبة لأنصار الدولة الإسلامية في بيت المقدس، يعود لواقعة هدم حركة حماس مسجدًا خاصًا بهم ويعد مركز تجمعاتهم، وهو الأمر الذي يشابه واقعة المواجهة الدامية التي حدثت من جماعة الشيخ عبداللطيف موسى الملقب بـ«أبوالنور المقدسي» (الذي خطط لإعلان الإمارة الإسلامية تحت قيادته في غزة) والتي تحصنت في مسجد ابن تيمية في أغسطس عام 2009، وقضت عليها ميليشيات حركة حماس آنذاك بعد معركة شرسة، خاضتها حماس ضد أنصاره وانتهت بمقتل المقدسي.
لم يعد بعد كل ذلك مستغربًا أو مستبعدًا أن يكون لداعش أذرع تتمدد في غزة، على غرار تواجده في دول عربية أصبحت تحت سطوته، ولم يعد مستغربًا أن ينتمي فلسطينيون لهذا التنظيم، مثلهم مثل باقي العرب لا فرق! ولعل معركة مخيم اليرموك الدامية التي خاضها داعش ضد أكناف بيت المقدس التابعة لحماس وتحالفه مع جبهة النصرة التي تحالفت بدورها مع داعش، تؤكد ذلك، رغم نفي حماس أيضًا أن يكون لها أذرع في المخيم!
ربما لم يعد مفاجئًا أن نسمع عن وجود داعش غزة، فلم تعد غزة محصنة منهم، فبحسب مصادر إسرائيلية، التحق ما يقارب من 25 من فلسطينيي الداخل للتنظيم، كذلك الفيديو الذي انتشر على مواقع جهادية خاصة بهم، وتظهر إعدام أحد الفلسطينيين المقدسيين بحجة أنه يعمل لحساب الموساد الإسرائيلي، وظهرت صور فلسطيني آخر هو وزوجته اليهودية التي اعتنقت الإسلام، على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهما، ليؤكد قتاله في صفوفهم!
ولا تخلو المخيمات الفلسطينية في الشتات من شبهة انضمام بعض الجماعات السلفية المتشددة للتنظيم، مثل الأردن ولبنان، فمنذ أن انحرف المسار ببعض النشطاء الفلسطينيين عن البوصلة والهدف الرئيسي، وهو قضية الصراع مع إسرائيل، تورط الكثير منهم، وبالذات المنتمون للحركات الإسلامية السلفية في أفغانستان وباكستان. الفلسطينيون ليسوا أخيارًا عن باقي الشعوب حتى نغض الطرف عن هذا الخطر الداهم أو إخفاؤه مثلما تفعل حماس، بل يجب اليقظة نحوه ومحاربته بكل السبل حتى لا يتمدد ويتوحش، وهذا يعني أن الأنفاق التي تكتشف كل يوم قنبلة موقوتة يجب فك فتيلها بغلق الأنفاق نهائيًا ومحاولة التوصل إلى حل جذري لمعبر رفح الحدودي وتسليم مسؤوليته للسلطة الفلسطينية، فغزة لا ينتقصها خراب داعش ليضاف إلى مآسيها ومعاناتها من حصار مفروض عليها منذ نحو ثماني سنوات، وحروب تناوبت عليها دمرت الأخضر واليابس، وصراع على السلطة يدفع ثمنه سكان القطاع من أمنهم وأمانهم وقوت يومهم، ومن مصلحة إسرائيل أن يكون للتنظيمات المتشددة تواجد في غزة، كي يعطوها المبرر القوي لضرب غزة وقتل سكانها وحصارهم وقتما تشاء، كما أن انتشار مثل هذه الجماعات سيكون من الصعوبة بمكان التخلص منهم دون مواجهات دموية، غزة في غنى عنها.
البعض يقول إن حماس أغمضت عينيها متعمدة عن نشاطات هذه الجماعات في غزة، لتوصل رسالة بأن البديل لها لن يكون سوى هذه التنظيمات المتشددة والمتطرفة وليس البديل تنظيمًا فلسطينيًا وطنيًا، وفي كلا الحالتين فإن ذلك يخدم المصالح والمخططات الإسرائيلية التي لا تريد هدوءًا في غزة ولا استقرارًا في باقي المناطق الفلسطينية، وهو ما يعني استنزافًا جديدًا لجهود وقدرات المقاومة الفلسطينية، تُشتت طاقتها عن الهدف الرئيسي وهو إنهاء الاحتلال.