«الحمد لله أن خرجنا منها سالمين».. كانت تلك آخر رسالة وصلتنى من زميلة عمل بحرينية قررت زيارة مصر بصحبة أسرتها الكبيرة، بعدما أكدت لها أن «الأوضاع تمام»، وأن ما يظهر فى الإعلام عن الإرهاب والانفلات الأمنى ليس سوى مبالغات.
روت الزميلة البحرينية أنها تعرضت وأسرتها لمشكلات عديدة منذ وطئت أقدامهم أرض المحروسة، رغم حب هذه الأسرة الجارف لها وتعلقها الدائم بها، وهو أمر أثر بكل تأكيد فى رغبتها فى تكرار تلك الزيارة مرة أخرى، فى وقت تتزايد فيه أعداد الوجهات السياحية المنافسة.
بدأت مشكلات تلك الأسرة العربية الكريمة خلال زيارة لمنطقة الأهرامات، وهى الزيارة التى تعرضت خلالها لمعاملة سيئة من أفراد بالأمن، ومحاولات ابتزاز دائمة من بعض «الخرتية» (الأشخاص الذين يقنعون الزبائن بشراء سلع أو الحصول على خدمات مقابل عمولة)، فضلاً عن تهديد واضح من أحد «البلطجية»، ومشاجرة مكتملة الأركان مع سائس خيول.
كان من الممكن اعتبار أن سوء الحظ وراء جملة المشكلات التى وقعت لهذه الأسرة خلال زيارتها لمنطقة الأهرامات، لكن هذا الأمر تكرر أكثر من مرة فى أكثر من موقع، بحسب رواية تلك الزميلة.
وكانت الفاجعة الكبرى حين أكدت أن نزاعاً نشب بين أسرتها وسائق تاكسى، بسبب ما قالت إنه «المغالاة فى الأجرة»، وأن هذا النزاع تطور إلى حد توجيه السباب الجارح لهم جميعاً.
لقد أمضت هذه الزميلة إجازة لم تكن ممتعة إذن، وعادت بذكريات سلبية إلى بلادها، وأعتقد أنها ستروى ما حصل لها لكثيرين كما روته لى.. وأخيراً، وليس آخراً، فإن عبارة «الحمد لله أن خرجنا منها سالمين»، كانت رداً على رسالتى الأخيرة لها، والتى كانت تقول: «ادخلوها بسلام آمنين».
قبل أسبوعين، كنت مع صديقين من الإعلاميين البارزين، فى عشاء أُقيم على شرف ضيف كويتى محترم، وقد اختار هذا الأخير أن يكون العشاء على النيل.
ذهبنا إلى أحد المطاعم المميزة على صفحة النيل الخالد بالفعل، لكن بعد دقائق معدودة من الجلوس فى الهواء المنعش، اتفقنا جميعاً على ضرورة الانتقال إلى الداخل، لأننا لم نتحمل ضوضاء المراكب العشوائية، التى تتحرك بغزارة مطلقة أصواتاً زاعقة لأكثر الأغانى رداءة على الإطلاق.
لم يكن هذا مختلفاً كثيراً عما جرى لى حين زار مصر زميل عمل عراقى مقيم فى لندن، وطالبنى بضرورة أن أصحبه لزيارة «الحسين». كانت الفكرة جيدة فى البداية بالطبع، حيث سيمكننا أن نجد بهجة، و«فلكلوراً»، وطعاماً مميزاً جيداً، ومقهى تراثياً لشرب الشاى، وموقعاً تاريخياً ذا أثر روحى ووجدانى.
لكن المشاكل بدأت مع صعوبة الوصول إلى الميدان، سواء بالسيارة أو مشياً على الأقدام، بعدها كانت مسألة النظافة والخدمة اللائقة، ثم المغالاة فى الأسعار، لكن أياً مما سبق لم يشكل أزمة فى حد ذاته، قبل أن يفسد الأمر تماماً بسبب «المتسولين»، وأغلبهم، إن لم يكن جميعهم، كانوا «محترفين».
لم نستطع أن نكمل فكرة واحدة، أو نتمم حواراً، أو نجول فى الميدان بحرية، من دون أن يكون هناك شخص أو أكثر يطلب «صدقة». بعض هذه «الصدقات» طُلب بإلحاح ولزوجة، وبعضها الآخر طُلب بلغة تحمل قدراً من الابتزاز.
تلك الأمور كلها حدثت فى أقل من شهر واحد، وفى ثلاثة مواقع متفرقة، لكنها كلها تعبر عن المميزات الفريدة لمصر كوجهة سياحية، وتمثل مزارات تقليدية لأنواع عديدة من السائحين.
سيكون من الصعب جداً إقناع أى شخص عاقل بأن مصر تريد تطوير السياحة فعلاً، أو أنها تعول عليها لجلب عملات صعبة، أو أن فيها وزارة سياحة، أو مجلساً أعلى للسياحة، طالما أننا غير قادرين على معالجة مثل تلك المشكلات الخطيرة فى تلك المواقع الحيوية.