امتلأ الميدان عن آخره، وانشغل فضاء الإنترنت من جديد.. الهتافات تتعالى.. «محلب يمشى.. مش هنمشى».. هرولت الفضائيات نحو الميدان.. بدأت وقائع ثورة جديدة.. رفع المتظاهرون شعار «ارحل.. يا محلب».. محلب لازم يمشى.. المطلب الأول إقالة الحكومة.. بيان رقم واحد.. هل يستجيب «السيسى» بإقالة رئيس الوزراء؟.. هل يقول «خليهم يتسلوا»؟.. هل ترتفع مطالب الثوار إلى إقالة الرئيس نفسه؟!
الفضائيات تستعيد حالة الميدان.. بعضها ينفخ فى النار.. يريدها ثورة على محلب، وعينه على قصر الرئاسة.. يا إلهى ماذا جرى؟.. يمشى ليه؟.. للأسف لأنه يجرى.. لأنه كل يوم من إقليم إلى آخر.. مشحططنا وراه.. تعبنا من الجرى.. المفاجأة أن الثورة فى الفضاء فقط.. وفى الفضائيات فقط.. الشارع فى واد آخر تماماً.. لماذا لا يثور مرة أخرى؟.. لماذا يتفرج؟.. لماذا يصوّت مع «محلب» فى استطلاعات الرأى؟!
أغرب شىء أن الثورة، هذه المرة، من جماعات لم تشارك من قبل فى أى ثورة.. يسعون إلى غسيل السمعة.. يسعون إلى بطولات تجلى صدأ مواقفهم.. محلب مجرد موظف فى رواية.. مجرد مقاول فى رواية أخرى.. عاوزين حد بيفكر.. طردنا الجنزورى، والببلاوى، وعصام شرف.. لا يعيش لنا رئيس وزراء.. مش مهم.. المهم يمشوا.. ليس المهم وجود بديل.. يسقط يسقط أى رئيس.. بعدها نفكر فى اللى بعده(!)
آخر استطلاع انتصر للسيسى.. انتصر بالطبع لرئيس الوزراء «المقاول».. 66% يؤيدون «محلب».. لأنه يجرى.. لأنه لا ينام.. نحن نريده أن يجلس فى مكتبه.. نريده ألا يظهر.. نريده أن يرتاح.. هو الذى اختار أن يتعب.. يعمل كمحافظ، وكرئيس مدينة، وكرئيس حى.. ليست هذه وظيفته.. الهتافات تتعالى مرة أخرى.. «هوه يمشى.. مش هنمشى».. ارحل يا محلب.. تسقط تسقط حكومة المقاولين.. (تصفيق حاد)!
البيان رقم «2».. إطلاق سراح المعتقلين، ومحاكمة وزراء الداخلية منذ الثورة.. «الداخلية بلطجية».. يضج الميدان بالهتاف: يسقط الإرهاب.. يسقط الإرهاب.. لا يوجد حكماء فى زحمة الميادين.. لا صوت يعلو فوق صوت الثورة.. طيب همّه معتقلين ولا إرهابيين؟.. عاوزين نفهم.. مش لازم يكون عندنا رؤية.. مش لازم يبقى فيه بديل!.. لا يهم.. ارحل يا محلب.. «ياللى ساكت ساكت ليه.. إنت خايف ولا إيه؟!».
هذه مشاهد صغيرة من فانتازيا الثورة.. المهم أن يسقط الجميع.. المهم أن يخرج رئيس الوزراء من المشهد.. لا يهم من يأتى بعده.. لا يهم لماذا يرحل؟.. ما هى الجريمة؟.. من الكسبان ومن الخسران؟.. حين يخرج محلب يكسب.. تكسب أسرته.. وتخسر مصر رجلاً طاهراً.. تخسر مقاتلاً.. نخسر جميعاً.. نفقد النموذج.. من يعمل لا قيمة له.. الحنجورى يكسب.. يحرك المشهد.. هناك من شجع، وهناك من «صفق»!
عزيزى الثائر فى الفضاء والفضائيات.. العب غيرها.. شوف لك قطة غمّيها.. مصر لا يمكن أن تُدار على كيفك.. فيه ناس غلابة عاوزة تاكل.. سعادتك فاضى.. اشتغل أحسن.. مفيش حد عاوز مصر تقف، وقاعد يتفلسف.. «الفلسفة رفاهية».. خليك فاكر حضرتك: إحنا فى حالة حرب.. «قوم استغطى»!