x

يسري الفخراني دراما القاهرة ـ دبى! يسري الفخراني الثلاثاء 05-05-2015 21:53


لأن المسلسل من إنتاج قناة دبى ويصور هناك بأبطال مصريين، وضعت جهة الإنتاج شروطا قاسية على السيناريو منهاـ أو أهمهاـ ممنوع تصوير أى مشاهد عنف أو دم أو قتل تجرى على الأرض الإماراتية، وإن فرضت الأحداث ذلك، على المخرج الانتقال بالأبطال إلى بلد آخر تجرى عليه الجريمة المصورة، مع التأكيد على ذلك فى كل لقطة، هذه ليست دبى، هذه ليست الإمارات، هنا القاهرة، هنا بيروت، هنا أى بلد آخر، دبى مدينة فاضلة لا تجرى عليها جرائم عنف أو قتل!

حدث هذا مع مسلسلات كثيرة، تذهب الدراما إلى الجحيم، ولا تذهب إلى ذاكرة المشاهد فى لحظة أن هناك جرائم مهما كانت تتم على الأرض الإماراتية، ليس هذا فقط، إنما يتجه المقص إلى حذف مشاهد العنف والعبارات المسيئة من أى فيلم أو مسلسل معروض على قناة دبى أو أبو ظبى أو الشارقة حتى لا يتلوث جيل جديد بها.

أما بعد، هذه مقدمة منطقية تماما لكى أنتقل إلى القاهرة التى مازال صناع الدراما يتجادلون بين: (البيضة ولا الفرخة) من أولا؟، هل الدراما تصور الواقع؟ أم الواقع هو الذى يحاكى الدراما؟ بالبلدى: هل مانشاهده من أعمال درامية تحتوى على عنف مبالغ فيه وجرائم شاذة متعددة وعبارات بذيئة مسيئة هى نقل لما يحدث فى المجتمع؟ أم أن المجتمع هو الذى تأثر بالمسلسلات والأفلام فأصبح عنيفا بذيئا؟

المؤلفون والمخرجون والمنتجون أنصاف الموهبة وأقل، فى بحثهم عن النجاح السريع والشهرة الأكبر والثروة الأسهل، يرفعون شعار دراما الواقع، يتحايلون على كل اتهام لهم برد سريع غير منطقى: إنهم يقدمون أقل مما هو موجود فى الواقع!

معهم حق، لكن ماالذى فعل ذلك بالواقع؟ من ضرب المجتمع فى مقتل؟ من سرق الذوق والأخلاق والأمل والأمانى من قلوب الناس؟ الفقر؟ كنا فقراء ونبلاء، الجوع؟ كنا نرضى بالقليل ونحتفظ بابتسامتنا، الجهل؟ كنا نحصل على شهادات متوسطة وأقل منها لكننا نقرأ ونكتب ونحب ونخجل، الخوف؟ كنا نحارب ولا نملك غدا لكن ظل عندنا فى الحارات الضيقة شرف وشهامة.

هل تتذكرون أفلام زمان؟ هل تتذكرون مسلسل الساعة السابعة فى التليفزيون المصرى؟ هل تتذكرون لغة الحوار؟ هل تتذكرون شكل ملابس وبيوت الأبطال فى العمل الدرامى مهما كان إحتياجهم وعوزهم؟

حتى منتصف الثمانينات تقريبا كانت الموضة والأفكار والحكمة والأحلام وأسلوب الحياة، نصدرها من مصر إلى العالم العربى من خلال مايرتديه النجوم أو البيوت التى يعيشون فيها فى الفيلم أو المسلسل ومن خلال لغة حوار راقية كانت تحبس أنفاس المشاهد من فرط رقتها ورقيها.

كان كل فنان هو مصدر البهجة والسعادة والقيم والعادات والموضة، من شدة تأثير هذه الأعمال التى تفوقت على التعليم ذاته، كان المشاهد يقلد ويقتبس العبارات التى تأتى على لسان بطل العمل، يلبس على طريقته، يتكلم بلسانه، يحب بنفس المشاعر، كانت الموضات تسمى بأسماء النجمات، سواء فستانا أو تسريحة شعر، فاتن حمامة ورشدى أباظة وعمر الشريف وسعاد حسنى وعبدالحليم حافظ.. وهكذا، حتى إن نجيب محفوظ أصر فى فيلم (اللص والكلاب) أن يطل البطل بأناقة شكرى سرحان رغم أنه يقوم بدور اللص (تصور)!

كلام قديم ومكرر عما كان وما أصبحنا، لكن المؤكد أننا يجب دائما أن نذكر ونتذكر ونلوم أنفسنا ونجلدها، لعلنا نفوق، لعل صانعى الدراما والإعلام بكل أصنافه يتأكدون أن الوقت حان لكى تطرد العملة الجيدة العملة الرديئة، الكلمة، الحوار، الصورة، المعنى، الفكرة، أن نعود لزمن الفن الجميل حيث كان هناك: الطيب والشرير، الجريمة والعقاب، الأبيض والأسود!

مهما كانت محاولات الصعود بمجتمع إلى النجاح، لن يتم ذلك فى معزل عن إعادة ترتيب القيم والعادات والتقاليد، غياب الأخلاق والذوق ومربع العلاقات بين الناس، لن يصنع وطنا مهما بذلنا وحاولنا وغامرنا وتكلمنا، الدراما والإعلام المفرط فى تقديم الجريمة على أنها الحل، والعنف على أنه الطريق الصحيح، والفساد على أنه الأمل، والعشوائية على أنها النموذج، كيف تتوقع من أجيال لم تعد تقرأ أو تتعلم أن تتعلق فى قشة ونحن فى مهب الريح؟

أنا مع ديكتاتورية الرقيب التى تحكم دبى، المقص الذى يحذف ويمنع ويهدد، مع القانون الذى يجعل للفن حدودا، لست مع ذوات الشعر المنكوش الذين يطلقون صيحات الحرية والإبداع بلا حدود، هات لى وطنا يريد أن يكون وطنا ليس له إطار لحرية الفنان وإنتاج المبدع.

على أبواب شهر رمضان الكريم، هل نرى مرة أخرى مسلسلات مليئة بجرعة عنف جديدة يتم حقن الشعب المصرى بها؟ جرعة تلهب العقل والجسد؟ سوف أكون أول من يهنئ من ينتج عملا دراميا رائعا وراقيا ومحترما، وسوف أنضم إلى كتيبة تحارب كل ماهو قبيح. للأسف أقول دبى فهمت.. مالا نريد أن نفهم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية