هذا رجل تدعوك مواقفه إلى الإعجاب به، ويدعوك كلامه إلى الإنصات إليه، ويدعوك ثباته على مواقفه المضيئة إلى أن تتساءل: من أين يأتى بهذه القوة فيما يفعل ويقول؟!
لفت انتباهى إليه موقفان على وجه التحديد، وقد كان كل واحد فيهما علامة على طريق لا تخطئها عين!
كان الموقف الأول عندما أعلن مستشار الرئيس الإيرانى، حسن روحانى، قبل شهر من الآن، أن إيران قد صارت إمبراطورية، وأن عاصمتها هى بغداد!.. صحيح أن المستشار إياه قد حاول لاحقاً أن يتملص من تصريحه، وصحيح أنه حاول أن يقول - ما معناه - إنه لم يقصد هذا المعنى بالضبط، ولكن الذى حدث أن التصريح جاء على لسانه هو، ولم يضعه أحد فى فمه، ولا أجبره أحد عليه، وقد بدا، بعد إطلاقه، وكأنه رصاصة انطلقت ويستحيل أن تعود إلى مكانها من جديد!
هنا.. خرج الرجل الذى أقصده، فقال بأن العراق لن يبدل تاريخه أبداً، ولن يتحول عن تراثه مطلقاً، وإن طهران إذا كانت تساعد العراق، فى مواجهة إرهاب هنا، أو هناك، فليس هذا معناه، أن تكون لها كلمة عليا فيه، وليس هذا معناه أن يتخلى العراق عن عراقيته، وليس هذا معناه، أن يتجرد العراق من عروبته!
قالها الرجل، بهذا الوضوح، وبهذه القوة، فى مواجهة إيران كلها، وقد كان الواحد منا يتوقع أن تأتى مثل هذه المعانى القوية، على لسان رئيس العراق، فؤاد معصوم، أو على لسان رئيس وزرائه، حيدر العبادى، غير أن ذلك لم يحدث، بكل أسف، فبدا الرجل الذى بدأت الحديث عنه، من أول هذه السطور، وكأنه دولة بمفرده، حين راح يعرى آخرين من حوله!
ثم كان هو نفسه، على موعد مع موقف آخر، لا يقل صلابة عن الأول.. وقد جاء الموقف الثانى حين بدأ الكونجرس الأمريكى، قبل أيام، فى مناقشة مشروع قانون يتيح للإدارة الأمريكية، عند إقراره، وتحويله من مشروع قانون، إلى قانون، أن تخصص 25٪ من المساعدات العسكرية الأمريكية للعراق، عام 2016، للأكراد فى شمال العراق تارة، ولأبناء السنة فى وسطه، تارة أخرى، ودون المرور بالحكومة المركزية، وكأنها، والحال هكذا، غير موجودة!
مشروع قانون كهذا، معناه أن الأمريكان يريدون أن يتعاملوا مع دولة كردية هناك، ثم مع دولة سنية، بعيداً عن سلطان الدولة المركزية فى بغداد، ومعناه أن نوايا الأمريكان الدنيئة إزاء العراق، كبلد، قد بدأت تظهر، وتطفو على السطح، بل تجرى ترجمتها فى خطوات على الأرض!
هنا أيضاً، خرج الرجل ليعلن بكل بأس، أن مشروع القانون الأمريكى مرفوض تماماً، وأن النوايا التى تقف وراء مشروع القانون مكشوفة، ومردودة فى وجوه أصحابها، وأن العراقيين جميعاً، دون استثناء، مدعوون إلى أن يتخذوا موقفاً وطنياً موحداً ضد مشروع القانون، وأن يكون ولاؤهم المطلق، وانتماؤهم الأصيل، للعراق الموحد، الذى لا تعنيه ولا تنال منه مثل هذه الدعوات الأمريكية المفضوحة، بمثل ما يجب ألا تنال منه الدعوات الإيرانية المماثلة من قبل!
الآن.. أريد أن أقول لك، إن الرجل الذى أقصده، هو المرجع العراقى على السيستانى، وإنه إذا كان يوصف فى بلده بأنه «مرجع المراجع» باعتباره رجل دين بارزاً، فهو مرجع المراجع فى الوطنية بمعناها السامى، كما ترى، وليس فى أمور الدين وحدها!
ما أحوج كثيرين بيننا، إلى أن يتعلموا من هذا الرجل درساً فى الوطنية، وفى الولاء للبلد، كيف يكون!