x

«دريسدن».. مدينة ألمانية هادئة.. حوّلها المهاجرون الروس إلى بؤرة لـ«كراهية الإسلام»

الثلاثاء 27-10-2009 00:00 |

ما بين مبانيها الأثرية الغارقة فى العراقة، وطبيعتها التى جعلت منها واحدة من أهم المدن السياحية فى ولايات ألمانيا الست عشرة، وبين هدوئها اللافت للنظر، ودرجة حرارتها التى تقترب من الصفر.. تغرق «دريسدن» عاصمة ولاية ساكسونيا فى حالة من الغموض والترقب هذه الأيام، والسبب بدء جلسات المحاكمة الخاصة بجريمة قتل الصيدلانية المصرية «مروة الشربينى 32 سنة» على يد المتطرف الألمانى ذى الأصل الروسى، «أليكس دبليو فينز» 28 عاماً.

تلك الجريمة التى هزت الرأى العام العربى والألمانى فى ذات الوقت، وجعلت الجميع كما لو كانوا فى مواجهة مع الواقع الذى يؤكد رغم محاولات تجاهله وجود متطرفين يرفضون التواجد الإسلامى على وجه الخصوص، والعربى بشكل عام فى المجتمعات الغربية، حتى ولو كانوا من القلة كما يرى البعض.

«كنا نفكر فى طلب تأجيل المحاكمة لبعض الوقت، إلا أننا قررنا المضى قدماً فيها ورؤية ما ستنجم عنه الأحداث، رغم طول فترة المحاكمة البالغة 11 جلسة، هكذا تحدث طارق الشربينى شقيق الراحلة مروة، والذى حضر من مصر السبت الماضى لحضور المحاكمة ومتابعتها، رافضاً ذكر الأسباب التى جعلته يفكر وأسرته فى مسألة التأجيل ثم العدول عنه.

طارق لم يخف فى ذات الوقت تخوفه من سير المحاكمات، بعد تقديم محامى «أليكس» شهادة من الحكومة الروسية يثبت فيها إعفاءه من الخدمة العسكرية لاختلال فى صحته النفسية، وهى الشهادة التى علمت «المصرى اليوم» أن هيئة المحكمة أرسلتها للحكومة الروسية للتأكد من صحتها، ولذا يرى بعض المحللين فى الصحف الألمانية أن تلك القضية من أصعب القضايا التى واجهت المحاكم الألمانية، لأن الحكم بعقوبة مشددة على المتهم ستغضب المتطرفين اليمينيين، بينما منح المتهم عقوبة مخففة سيغضب المسلمين.

وعلى الرغم من أن الجلسة الأولى فى المحاكمة، جلسة إجرائية تم فيها إعلام المتهم بالاتهامات الموجهة له طبقاً للقانون الألمانى، إلا أن حضوراً إعلامياً مكثفاً ميزها بشكل دفع هيئة المحكمة لوضع ضوابط أمنية لم تتبع فى ألمانيا من قبل،

حيث سمحت لوكالات الأنباء ومندوبى القنوات والصحف الألمانية والعربية والعالمية، بطلب حجز مقاعد داخل قاعة المحاكمة، مع تحديد اسم الجهة وعدد الأفراد الممثلين لها، وانتهت بتخصيص 44 مقعداً فقط للإعلاميين الذين حرصوا على تغطية تلك المحاكمة، والتى حضرها إلى جانبهم السفير المصرى فى برلين رمزى عز الدين، ونقيب المحامين المصريين حمدى خليفة، مبنى المحكمة عتيق الطراز، يمنحك الإحساس بالعودة للعصور الوسطى فى أوروبا حيث محاكم التفتيش، وأحكام الإعدام التى تصدر ضد من تثبت إدانته،

ولكن القانون الألمانى على عكس المبنى العتيق للمحكمة، يلغى عقوبة الإعدام فى مادته رقم 102، ولذا تنحصر أمنيات الراغبين فى توقيع أقصى عقوبة على المتهم، وفى مقدمتهم أسرة مروة، فى أن يحصل الجانى على السجن لمدة لا تقل عن 22 سنة، أو أن تمتد للسجن مدى الحياة طبقاً للمادة 211 من القانون الألمانى التى تنص على معاقبة الجانى بالقتل، بعقوبة السجن مدى الحياة، بحد أدنى 15 عاما، وهو القرار الذى يملك قاضى المحكمة إصداره.

«هل تعلمين لماذا قُتلت مروة..؟، قتلت لأنها محجبة».. تلك كلمات خالد أبو بكر رئيس فريق الدفاع فى قضية مروة الشربينى .. أبو بكر محام مصرى يحمل الجنسية الفرنسية، وله مكتب للمحاماة فى باريس، وقد استعان بمحاميين فرنسيين آخرين، وآخر ألمانى لمساعدته فى تلك القضية التى يراها قضية رأى عام عالمى من الدرجة الأولى، مستنكراً كل محاولات التهوين من شأنها، أو ما تعنيه من معانى لا يدركها سوى المسلمون الذين يعانون من مظاهر كثيرة تعبر عن التمييز ضدهم فى ألمانيا.

وقال أبوبكر لـ«المصرى اليوم»: «لقد توجهنا بدعوى جنائية ضد كل من وزير العدل فى ساكسونيا بصفته، لأنه المنوط بالإشراف على المحاكم بالمدينة، بالإضافة إلى رئيس محكمة دريسدن، وطلبنا توجيه تهمة الإهمال الجسيم لهما بشكل نتج عنه مقتل مروة التى لم تتلق طعنة أو طعنتين بل 18 طعنة، هذا غير إصابة زوجها «علوى» بست طعنات ورصاص الشرطى».

كلمات المحامى خالد أبو بكر ليست اتهامات بلا معنى، كما يقول، ولكنها اتهامات موثقة بمذكرة قدمها المتهم بقتل مروة، «أليكس فينز» فى 28 أكتوبر من العام 2008 لمحكمة الدرجة الأولى، دفاعاً عن قيامه بسبها ومحاولته نزع الحجاب عن رأسها فى الحديقة القريبة من منزلها.

وقال: «حصلت على المذكرة، التى لا تحتوى كلماتها على كراهية للمسلمين وحسب، ولكن على سخرية واستهزاء بالقانون الألمانى الذى يفكر أن يدينه من أجل تلك الإسلامية، ومن بين العبارات الواردة فيها عبارة تقول يعلم الكل أن الإسلام دين خطير ومجنون، ويعتقد أتباعه أن غير الإسلاميين ليسوا ببشر حقيقيين، وأنه يجب إما إبادتهم أو إقناعهم بالدين، ولا أقول هنا أن الإسلاميين المقيمين بألمانيا لا يريدون قبول البلد وثقافتها كما هى فقط، بل يريدون بكل جهد وإصرار تغييرها وفقاً لذوقهم وتخيلاتهم الدينية المجنونة، بدلاً من التأقلم مع حال البلد، ونظراً لهذا فقد بات مفهوماً لماذا أراهم كعدو لى».

وأضاف أبوبكر: «وتقول المذكرة فى موضع آخر، لكى أقول الحقيقة فيجب العلم بأن جنون الإسلاميين ليس نابعاً فقط من الديانة، لكنه ناتج فى المقام الأول من العرق نفسه، وإلا كانت ثقافتهم تطورت بأسلوب آخر». مثل تلك العبارات تثبت - كما يقول خالد أبو بكر وأسرة مروة - حالة التربص التى كان عليها المتهم، ليس ضد مروة وحدها ولكن ضد كل من هو إسلامى.

وعلى الرغم من تلك العبارات التى تحمل كراهية لكل من هو عربى ومسلم، إلا أن عدداً من المواطنين الألمان فى دريسدن أكدوا لـ«المصرى اليوم» معاناتهم هم الآخرون من هؤلاء المهاجرين الروس الذين منحتهم الحكومة الألمانية جنسيتها، فباتوا عبئاً عليها، مشددين على أن هؤلاء الروس هم أشد النازيين تطرفاً فى ألمانيا، ليس هذا وحسب، بل وصل الأمر ببعض المواطنين فى مدينة دريسدن إلى المطالبة بضرورة طردهم من المدينة، والدعوة إلى توقيع أقصى عقوبة على المتهم بقتل مروة وجنينها ذى الثلاثة أشهر.

جزء من الصورة فى دريسدن يحمله شارع «إليزنا» الذى كانت تقطن فيه مروة مع زوجها دكتور علوى وطفلهما مصطفى، فى البناية رقم 44. يغرق الشارع مثل كل أحياء دريسدن فى حالة من الهدوء الصامت، تزين طرقاته أشجار ذات ألوان مختلفة تتدرج بين الأصفر والأخضر، ومبان متراصة بعناية ونظام شديدين بناها الروس وقت أن كانوا يفرضون سيطرتهم على ألمانيا الشرقية.

شقة مروة فى الطابق الثانى، لا تزال شرفتها تحمل مقعداً أسود كانت تحب الجلوس عليه ومراقبة الطبيعة.. الدوران حول البناية من جهتها الخلفية يقود إلى المدخل المغلق من الداخل، حيث لا يسمح بالدخول إلا بعد الاستئذان من أصحاب الشقق. ومن بينهم السيدة «هاينزل» التى تسكن فى الطابق الرابع فى نفس البناية، والتى فتحت باب منزلها لـ«المصرى اليوم» وهى تبتسم بعد علمها بأنها صحيفة مصرية جاءت لتغطية محاكمة مروة.

هاينزل قالت: «كانت مروة امرأة لطيفة وعصرية مهذبة، لم يكن حجابها عائقاً بينى وبينها، كنا نخرج سوياً للتسوق، وكنا نتبادل ما نطهوه من أطباق، وعندما كانت تعود من زيارة لمصر تمنحنى هدية تذكارية كذلك الهرم الكريستال فى المكتبة.. لقد صدمت بمقتلها ولم أصدق أننى فقدتها».

قد لا يعلم الكثيرون أن البناية التى تقع بها شقة أليكس، المتهم بقتل مروة، تقع على بعد أمتار من بناية مروة .. نوافذها المغلقة تشير إلى عدم وجود أحد بها، حتى والدة «أليكس» التى قيل أنها كانت تعيش معه قبل الحادث ولكنها اختفت بعده.

أما دكتور علوى، زوج مروة، فقد خرج من الحادث بذكرى أليمة لزوجة فقدها فى لحظة غادرة، وبإعاقة جعلته يستند على «عكازين» عند السير، وصمت لم يفلح أحد فى أن يخرجه منه، رافضاً وبشكل قاطع الحديث لوسائل الإعلام. متسائلا: «وهل يعيد الحديث ما راح منى؟».

على بعد محطتين بالأتوبيس من منزل مروة الشربينى وزوجها الدكتور علوى، يقع المركز التربوى الإسلامى الذى تحول اسمه بعد الحادث لمركز «مروة الشربينى»، ويرأسه دكتور سعد الجزار أستاذ الطبيعة النووية والمقيم بدرسدن منذ العام 2000.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية