x

ضياء رشوان نموذجنا المصرى الرائد فى الدراسات الاستراتيجية ضياء رشوان الأحد 03-05-2015 21:48


منذ ثلاثين عاماً، ظهر إلى الوجود بالقاهرة للمرة الأولى فى عالمنا العربى ومنطقة الشرق الأوسط «التقرير الاستراتيجى العربى» عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ليفتح حقبة جديدة فى البحوث والدراسات السياسية والاقتصادية فى مصر والعالم العربى كله، شهدت بعده بسنوات عشرات التقارير المماثلة التى راحت تصدر بأسماء مختلفة فى كل بلدان المنطقة. كان التقرير، وظل، تعبيراً عن الفكرة والفلسفة التى قام عليها المركز الذى يصدره منذ تأسيسه عام 1968، أى توظيف المعرفة العلمية فى مجال العلوم السياسية والاقتصادية والاستراتيجية وما يرتبط بها من علوم اجتماعية لفهم كل ما يجرى بداخل بلدنا ومجتمعنا، وحولنا قريباً فى الإقليم أو بعيداً فى العالم، بما يفضى فى النهاية إلى تحقيق مصالح وآمال شعبنا ودولتنا.

فقد ظلت تجربة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية نموذجاً مهماً لمركز التفكير والبحث العلمى الذى يتواكب تاريخه مع تاريخ بلده. فقد تم تأسيس المركز عام 1968 بنصيحة من رئيس مجلس إدارة وتحرير الأهرام حينذاك، الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، للرئيس جمال عبدالناصر بضرورة إنشاء مركز للتفكير (Think Tank) لدراسة إسرائيل والقضية الفلسطينية بعد هزيمة مصر وسوريا والأردن على يد الجيش الإسرائيلى فى يونيو 1967. وكانت النتيجة هى تأسيس المركز تحت اسم «مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية» بداخل مؤسسة الأهرام، ليصبح أول مركز تفكير سياسى من نوعه فى العالم العربى.

ولعب المركز منذ تأسيسه وحتى نهاية حرب أكتوبر 1973 دوراً مهماً فى إمداد صانع القرار السياسى والعسكرى المصرى بالمعلومات الأساسية والبدائل المقترحة للتعامل مع الدولة العبرية والقضية الفلسطينية. وبعد نهاية الحرب وبدء خطوات التسوية السياسية، تحول المركز عام 1974 مع مديره الجديد حينذاك الأستاذ السيد يسين، الذى شارك به منذ تأسيسه، إلى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، ليصبح مركزاً للأبحاث، فضلاً عن استمرار قيامه جزئياً بوظيفة مركز للتفكير وتقديم المشورة للدولة فيما يخص القضايا الوطنية العامة التى تخص مصالح كل المصريين وليس مصلحة النظام السياسى الذى يحكمهم، خاصة فى مراحل الانعطاف الكبرى، الداخلية أو الخارجية. وفى هذه المرحلة الجديدة من تاريخه، والتى استمرت حتى اليوم، توسعت مجالات عمل المركز لتشمل الموضوعات والقضايا السياسية والاستراتيجية بصورة متكاملة، سواء على الصعيد الدولى أو العربى والإقليمى، فضلاً عن المجتمع المصرى من مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية.

وعلى الرغم من ظروف سياسية قاسية مر بها المركز فى بعض الفترات، بسبب مواقفه ورؤاه ومواقف ورؤى خبرائه وباحثيه، فقد ظل يتمتع باستقلالية كاملة فى إدارة نشاطه العلمى، ويتيح لباحثيه وخبرائه حرية كبيرة فى التعبير عن آرائهم واجتهاداتهم فى حدود قواعد الموضوعية وتقاليد البحث العلمى. وقد أدى تراث المركز الطويل فى البحوث السياسية والاستراتيجية ودوره فى ترشيد القرار السياسى الرسمى فى عديد من المراحل المهمة فى التطور السياسى المصرى، إلى تمتعه بوزن مهم فى عملية صنع القرار تجاه عديدٍ من القضايا والموضوعات الداخلية والخارجية، سواء فى السلطة التنفيذية أو التشريعية أو الأحزاب السياسية أو الصحافة ووسائل الإعلام. وتعاقب على العمل ضمن الهيئة العلمية للمركز خلال سنواته التى قاربت الخمسين أربعة أجيال على الأقل من الباحثين، صنعوا اسمه اللامع ومكانته المتميزة وتأثيره الواسع، وكانت للكثير منهم إنجازاتهم وآثارهم الشخصية الهائلة على الصعيد العلمى وعلى مستوى العمل العام فى البلاد.

وقد أدت كل تلك العوامل إلى أن يحظى مركز الأهرام بمكانة متميزة ومتقدمة فى التصنيف العالمى والإقليمى لمراكز البحوث والتفكير. وفى هذا المجال يعد التقرير السنوى الذى تصدره جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية من أكثر التقارير أهمية على مستوى العالم فيما يتعلق بمراكز الفكر والدراسات، ويعد المرجع «الذهبى» للحكومات والجهات المانحة والمنظمات الدولية فى تصنيفها وترتيبها. ويصدر هذا التقرير منذ العام 2007، بصفة سنوية عن برنامج مراكز الفكر ومؤسسات المجتمع المدنى، فى جامعة بنسلفانيا.

وقد درج هذا التقرير على تصنيف مراكز الفكر الأكثر تأثيرا فى العالم إلى أربع مجموعات رئيسية، كل منها له مؤشراته الخاصة به، وهى مراكز الفكر فى العالم، وتشمل المراكز المعروفة عالميا، سواء من داخل الولايات المتحدة أو من خارجها، ومراكز الفكر المناطقية الأكثر تأثيرا فى مناطقها الجغرافية، ويحدد التقرير 10 مناطق جغرافية، منها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وذلك إلى جانب مراكز الفكر الأكثر تأثيرا فى مجالات البحث المختلفة، ويحدد التقرير 12 مجالاً بحثياً، يتم تصنيف مراكز الفكر فى كل منها استناداً لنشاطها، كما يحدد مراكز الفكر التى حققت إنجازات متميزة فى 22 مجالاً مختلفاً، منها تطوير أفكار ومداخل جديدة، والتأثير المتميز فى مجال السياسات العامة.

وفى التقرير الأخير الخاص بترتيب مراكز الفكر فى العالم لعام 2014، وللعام السابع على التوالى احتل فيه مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ترتيباً متقدماً للغاية على عديدٍ من المستويات والمعايير، وهو ما ظل محتفظاً به فى التقارير الصادرة خلال أعوام 2008، و2009، و2010، و2011، و2012، و2013. فقد جاء المركز فى الترتيب الـ51 من بين حوالى 7000 مركز فكر على مستوى العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية. ومن بين نحو 500 مركز فكر ودراسات فى إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جاء ترتيب مركز الأهرام فى المكانة رقم 2. إلى جانب هذا، حصل مركز الأهرام على ترتيب متقدم فى ثلاث مجموعات أخرى. فمن بين مراكز الفكر الأكثر تميزاً فى دراسات الأمن والدفاع على مستوى العالم، حصل على الترتيب رقم 23. ومن بين مراكز الفكر الأفضل فى دراسات السياسة الخارجية والعلاقات الدولية على مستوى العالم، جاء فى الترتيب رقم 21 والأول فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بينما حصل على الترتيب رقم 33 على مستوى العالم من بين أكثر مراكز الفكر تأثيراً على السياسات العامة.

هذه السطور ليست تأريخاً لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بقدر ما هى محاولة للمساهمة فى الاحتفال بالذكرى الثلاثين لصدور العدد الأول من «التقرير الاستراتيجى العربى» الرائد فى مجاله، بهدف أساسى هو التأكيد على حاجة بلادنا إلى عشرات من مثل هذا المركز العلمى، فالسياسات العامة والبدائل السياسية الكبرى فى الغالبية الساحقة من دول العالم المتقدمة تساهم هذه النوعية من المراكز فى صياغتها واقتراحها على المجتمع والنخب والدولة. فهل من الوارد أن نطالب أو نحلم بأن تلتفت هذه الأطراف الثلاثة وتهتم بتأسيس ودعم تلك النوعية من المراكز التى نحن فى أمس الحاجة إليها؟

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية