العلمانية ليست الإلحاد لسبب بسيط وهو أن العلمانية ليست ديناً أو عقيدة ولكنها آلية ومنهج تعامل دولة مع السياسة والاقتصاد والحكم والتعليم...إلخ، العلمانية ليست ضد الدين بل هى ضد تحكم وتدخل رجال الدين فى الحكم، بل على العكس لا توجد حماية حقيقية للأديان إلا فى الدول العلمانية، الدولة الدينية تحمى ديناً واحداً وتضطهد الآخرين، أما الدولة العلمانية فهى تحمى كل الأديان وتقف على مسافة واحدة منهم، العلمانية ليست ضد الدين ولا تحتقره ولكنها ضد من يحتكره ويدعى أن لديه التفسير الوحيد والتوكيل الحصرى، الحزب العلمانى فى أى بلد علمانى لا يتهمه أحد بأن مؤسسيه ملحدون بل كل مواطن مؤمن بأن من حقه أن يؤسس حزباً يضم المسلم والمسيحى واليهودى والبوذى وأيضاً الملحد، كل مواطن هناك مؤمن بأنه لا وصاية على عقل جاره ومقتنع بأنه غير مخول بمراقبة علاقة صديقه بربه، هيستيريا هداية الآخرين بالعافية والتى تتلبس معظمنا والحشرية فى شؤونهم وتخيل أننا دائماً الأفضل والأتقى والأورع والأكثر ملائكية والأصفى إيماناً وأن علينا مهمة مقدسة أوكلتها لنا السماء بأن نحول جميع البشر إلى نسخ فوتوكوبى من جلالة فخامتنا، كل هذا غير موجود فى الدول العلمانية، العلمانية ببساطة وبشرح عملى بعيداً عن كلاكيع المصطلحات والتعريفات لن تجد فيها زوجة ترفع قضية على زوجها لأن الجن لابسها ومتجوزها أو من يدعى أن بيته قد حرقه الجن ويفزع ويرهب القاضى ويقول له يعنى إنت مش مقتنع بالجن بقى.. كذبوا كلام ربنا يا كفرة! فى العلمانية عايز تقتنع بالجن براحتك تماماً فيما تعتقد لكن لا تدخل اعتقادك هذا فى المحاكم والقضايا ونظام الدولة، فى العلمانية الحجامة توصيفها القانونى إحداث جرح عمدى غير طبى!، فى العلمانية لا تقتل إنساناً وتعطل زراعة الكبد أو القلب له لأن تعريف الموت فى كتب الفقه هو توقف القلب فالمرجع هو كتب الطب التى لها تعريف للموت غير تعريف الحانوتى وهو توقف المخ الذى يسمح بإنقاذ البشر من الموت نتيجة فتوى! فى العلمانية نسب الابن لأبيه وأمه بتحليل الدى إن إيه الذى يعترف به العلم والذى لا يخطئ فى دقته ولا تجبر العلمانية إنساناً على الاعتراف بثمرة خيانة لأن الابن للفراش وليس للجينوم! وأيضاً لا تسمح لأب وضيع لا يريد الاعتراف بابنه بأن يلقيه فى الشارع، فى العلمانية الدولة لا تغازل المسلم بلافتة بنك إسلامى والمسيحى ببنك مسيحى والبوذى بمصرف بوذى أو الهندوسى بصك هندوسى، ذلك لأن الاقتصاد له أساسياته وقواعده ومفرداته العالمية فى ظل شبكة علاقات دولية لا تعرف الأجناس والعقائد، فى العلمانية يبنى مسجد باريس فى قلب العاصمة من أموال دافعى الضرائب ولا يرفض ويحرم بناء كنيسة بدعوى أن ذلك البلد محرم بناء الكنائس على أرضه طبقاً لفتوى من عمامة! فى العلمانية لا تضطهد نسخة أو مذهب نسخة أخرى أو مذهباً مخالفاً من نفس الدين ولا تقتل صاحبه سحلاً فى الشارع بعد تمزيقه كما فعل السلفيون مع الشيعى حسن شحاتة، فى العلمانية لن تجد هذا المشهد المأساوى الذى يخشى الإنسان فيه أن يذكر اسمه الحقيقى حتى لا يقتل على الهوية مثلما فعل المهندس مينا فيليب أمام الاتحادية عندما سألوه عن اسمه وقال مش فاكر!.
قال ابن المقفع قديماً قبل أن تعرف أوروبا معنى العلمانية «الدين تسليم بالإيمان، والرأى تسليم بالخصومة؛ فمن جعل الدين رأياً جعله خصومة، ومن جعل الرأى دينًا جعله شريعة»، لكن للأسف كان مصير ابن المقفع أن يقطع الخليفة الذى ينادى البعض الآن بعودته لحمه ويشويه قطعة قطعة! الفرق بيننا وبين أوروبا أنهم عندما أحرق الراهب برونو وسجن جاليليو أحسوا واستشعروا الخطر، لكننا عندما أحرق جسد ابن المقفع ونفى ابن رشد وذبح الجعد بن درهم وحرم السهروردى من الطعام والشراب حتى مات بأمر من صلاح الدين الأيوبى! عندما حدث ذلك تبلدنا ولم نحس والظاهر أننا حتى هذا اللحظة مازلنا فاقدين للإحساس.