أكد وزير الخارجية الألمانى فرانك- فالتر شتاينماير أن ألمانيا وأوروبا بأسرها ترفض عقوبة الإعدام بصورة عامة لاعتبارات مبدئية، وقال في حوار لـ«المصرى اليوم» إن هناك اهتماماً كبيراً من القطاع الاقتصادى الألمانى بالعديد من المجالات في مصر، خاصة في الطاقة، وفيما يلى نص الحوار:
■ أهلاً بك في القاهرة، فهذه هي الزيارة الأولى إلى مصر منذ توليكم وزارة الخارجية الألمانية؟
- إن زيارة مصر طالما كانت هدفاً سياسياً شديد الأهمية، بل أُمنية شخصية لى، وتكاد قوة الصلات التي تربط ألمانيا بمصر أن تكون فريدة من نوعها، وذلك بالنظر إلى علاقات ألمانيا بدول المنطقة، فهناك تعاون كبير بين القاهرة وبرلين، خاصة في مجالات البحث العلمى والثقافة والاقتصاد، بداية من الجامعة الألمانية بالقاهرة، مروراً بالاستثمارات المشتركة في مجال الطاقة، ووصولاً إلى مئات الآلاف من الزائرين الألمان الذين تفتنهم الحضارة المصرية والمناظر الطبيعية، كما نتطلّع بالتالى إلى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى برلين قريباً، وأستطيع أن أقول إن مصر شريك سياسى محورى يتعين عليه الاضطلاع بدور لاغنى عنه لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
■ وما هدف الزيارة تحديداً؟
- لدينا برنامج عمل حافل بالمواضيع الثنائية والإقليمية، من التعاون الاقتصادى والعلاقات بين المجتمع المدنى في كلا البلدين، وحتى مكافحة الإرهاب والمساعى المشتركة لإيجاد حلول سلمية للنزاعات في المنطقة من ليبيا عبوراً بسوريا والعراق حتى اليمن، وأخيراً وليس آخراً غزة، ولابد أن يكون هناك تبادل آراء وثيق حول تلك القضايا بين أكبر بلد في الشرق الأوسط وأكبر دولة في الاتحاد الأوروبى.
■ هل ستتطرق المباحثات إلى قضايا حقوق الإنسان ووضع المؤسسات الألمانية؟
- سيشكل هذا جزءاً مهماً من حواراتنا، فالملايين في ألمانيا يتابعون التطورات السياسية في مصر منذ عام 2011 بتعاطف شديد ويتمنون رؤية مصر بلداً يضمن المشاركة السياسية، ويسود فيه الأمن، وتتم مراعاة الحقوق المدنية والاجتماعية للبشر واحترامها، ونعتقد أن الحوار السياسى يعود بأهمية ونفع هائل ليس فقط عندما تتم إدارته بين الحكومات، بل أيضاً فيما بين مؤسسات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية والنقابات المهنية، وعمل المؤسسات الألمانية (التابعة للأحزاب السياسية الألمانية) في هذا المجال يعد نموذجاً ناجحاً في كل أنحاء العالم، ونتمنى بشدة أن يستمر هذا العمل، ومن ثمَّ فإنه قد آن الأوان لنعمل معاً على إيجاد وسيلة للتغلب على الصعوبات التي واجهتنا في السنوات الماضية.
■ هل تتأثر العلاقات بانتقاد برلين لأحكام الإعدام ضد بعض أعضاء جماعة الإخوان؟
- لدىَّ قناعة بأن وجود نظام قضائى يعامل كل شخص، وأيضاً كل متهم، بغض النظر عن الأوضاع السياسية، وفقاً للمعايير التي تحتمها سيادة القانون، يتعين أن يكون عنصراً أساسياً لازماً لتحقيق الاستقرار والمصالحة الاجتماعية، وترفض كل من ألمانيا وأوروبا عقوبة الإعدام بصورة عامة لاعتبارات مبدئية، فنحن ننتقد أحكام الإعدام الصادرة في أمريكا وفى اليابان بنفس الشكل الذي نعارض به تلك العقوبات عندما تصدر في مصر أو في إندونيسيا، وشركاؤنا على يقين من أن هذا هو مجرد تعبير عن قيمنا وليس له أدنى صلة بالتدخل في الشؤون الداخلية أو حتى السعى وراء بسط نفوذ سياسى، وبالرغم من كل ذلك فإننا لدينا في هذه المسألة المهمة قناعات مختلفة، لكننى أعتقد أن شراكتنا قادرة على تحمل هذا الاختلاف.
■ في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى، وقَّعت ألمانيا عدة اتفاقيات مع مصر، ففى أي المجالات ترون فرص الاستثمارات؟
- ألاحظ وجود اهتمام عظيم من قبل القطاع الاقتصادى الألمانى بالعديد من المجالات في مصر، فعلى سبيل المثال يشهد قطاع الطاقة حالياً نشاطاً كبيراً فيما يخص محطات التوليد الغازية والطاقات المتجددة بشكل خاص، أما بالنسبة لمجال البنية التحتية والتخطيط العمرانى فالشركات الألمانية لها نشاط كبير في مصر منذ سنوات طويلة، ونحن نود تعزيز هذا النشاط وتوسيع نطاقه، وتتيح المجالات الأخرى إمكانيات هائلة لزيادة نشاط الشركات الألمانية في مصر، ومن أجل تحقيق ذلك من المهم مواصلة تحسين الإطار القانونى للاستثمارات الأجنبية.
■ تعيش المنطقة حالياً معركة الإرهاب الكبرى، فما موقف ألمانيا؟
- تواجه مصر تهديداً إرهابياً حقيقياً في شمال سيناء، وكذلك على الحدود مع ليبيا نحن ندعم مصر في مكافحة هذا التهديد، حيث يصب ذلك في مصلحة أمننا نحن أيضاً في ألمانيا وأوروبا، وسوف يكون هذا أحد المحاور المهمة التي سأتطرق إليها في محادثاتى في القاهرة، وأثبتت التجربة أنه لا يمكن التغلب على الإرهاب بالوسائل العسكرية والشرطية وحدها، إذ يجب أن يكون ردنا سياسياً، فالتطرف يترعرع حينما يُستثنى المواطنون من المشاركة السياسية والاقتصادية، والاستقرار الدائم لا يتحقق إلا بمشاركة أوسع قطاع ممكن من المجتمع في العملية السياسية وفى التنمية الاقتصادية للبلاد، وأنا أعرف أن الرئيس السيسى عقد العزم على تحقيق ذلك من أجل بلادكم، ونحن نمد في هذا الصدد أيضاً يد التعاون.
■ إذا انتقلنا إلى الشأن السورى، لماذا ترفض ألمانيا التعاون مع نظام الرئيس بشار الأسد وتساند المعارضة المسلحة؟
- لقد وجدنا أنفسنا مجبرين على أن نشاهد جميع الهياكل التي عرفناها في العقود الماضية تتحلل أمام أعيننا في سوريا، دون وجود أي توقعات بشأن قيام نظام جديد، ولقى أكثر من 200 ألف شخص مصرعهم على مدار 4 أعوام من الحرب الأهلية، وفر أكثر من 10 ملايين آخرين، بل عادت صراعات قديمة بين المجموعات العرقية والدينية للاندلاع من جديد، فلا يعتبر النزاع على السلطة بين السنة والشيعة سوى جزء واحد فقط من هذا الموقف شديد التعقيد الذي يهدد بالانفجار، وهذا الاحتقان الدينى لا يهيئ تربة خصبة للإرهاب والتطرف فحسب، بل يزيد أيضاً من صعوبة إيجاد حل للصراع.
■ كيف؟
- عندما يجد السوريون أنفسهم- كما يبدو- أمام الخيار بين قنابل الأسد البرميلية وسفاحى داعش يتوارى الأمل في السلام، وثمة أمر واضح وجلى اليوم ومستقبلاً.. لن يكون هناك حل حقيقى إلا بالسبل السياسية، ونهاية العنف وعودة اللاجئين لن تكون ممكنة إلا عندما يوافق النظام السورى في النهاية على الدخول بشكل جاد في عملية تفاوض للوصول إلى حل سلمى، لذلك نحن ندعم مساعى مبعوث الأمم المتحدة الخاص دى ميستورا.
■ لمسنا في الملف النووى الإيرانى جهوداً ألمانية حثيثة لم نعهدها من قبل.. ما الدافع؟
- إن فرص الدبلوماسية في المنطقة قليلة ونجاحاتها نادرة جداً، حتى إن مسألة إيران قد تعتبر الصراع الأول والوحيد في منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات طويلة الذي من المحتمل أن ننجح في نزع فتيله، فبعد 12 عاماً من المفاوضات تمكنَّا في لوزان من التفاهم مع إيران بشأن الركائز الأساسية للحل، ولم نصل إلى خط النهاية بعد، فالملف يتطلب الكثير من العمل اللازم حتى 30 يونيو من أجل الوصول إلى اتفاق يكون لا جدال فيه، ويمكن التحقق من تنفيذه، وصالح ليحول دون تصنيع إيران القنبلة النووية بشكل مستدام.
■ هل تعتقد أن الحل سيؤدى إلى انفراجة حقيقية في الشرق الأوسط؟
- إننى مقتنع بأننا إذا نجحنا في تحقيق ذلك فلن يكون هذا فقط المفتاح لحل الصراع حول البرنامج النووى الإيرانى، بل وقد يتسنى بذلك أيضاً الحيلولة دون سباق تسلح جديد في المنطقة، وربما تتيح تلك الدينامية أيضاً فرصاً للتخفيف من حدة أزمات ونزاعات خطيرة أخرى في الشرقين الأدنى والأوسط.